لا يمكن أن تقهر الفكرة سوى بالفكرة المضادة مقولة أثبت الواقع صدقها فى كثير من الأحيان، وهو ما يجب أن نضعه نصب أعيننا فى مواجهة تنظيم داعش الإرهابى، والذى استطاع خلال سنوات قليلة أن يلحق أكبر ضرر بالإسلام الذى يتميز بقيمه السمحة وأفكاره الوسطية.
المتابع اليوم لما يجرى فى الغرب يلمس تصاعد قويا وغير مسبوق فيما يعرف بالاسلاموفوبيا، والعداء المتصاعد للإسلام وأتباعه، وبعد أن شاهدنا لبعض الوقت تعاطفا غربيا واضحا مع المهاجرين الذين ينتمى أغلبهم للمنطقة العربية والإسلامية صرنا نعاين اليوم الكراهية المتزايدة لهم بوصفهم خطرا يجب وضع عدة وسائل لمواجهته.
لم تنبت موجة الكراهية الأخيرة للإسلام فى الغرب من فراغ، فرغم أن الظاهرة ليست وليدة اليوم، وجزء منها يرتبط بالتنافس والصراع التاريخى فيما بين الحضارتين الغربية والعربية- الإسلامية فإن المنحى الكبير وغير المسبوق الذى وصلت اليه الإسلاموفوبيا مؤخرا يرتبط بالتصاعد الكبير فى قوة تنظيم داعش الإرهابى والذى تمكن من تنفيذ عدد من العمليات الإرهابية حتى فى قلب العواصم الغربية نفسها، وهو ما شاهدنا مؤخرا فى أكثر من عملية إجرامية طالت المدنيين الأبرياء خاصة فى فرنسا.
لاشك أن مشاهد القتل بالسيف والحرق وذبح الأطفال بل ودهس المواطنين العزل والتى هزت العالم خلال الأشهر القليلة الماضية، كما ألحقت فى الوقت نفسه ضررا بالغا بالملايين من العرب والمسلمين، والذين صار الكثير من المواطنين الغربيين ينظرون اليهم بوصفهم من أتباع تنظيم داعش أو ممن ينتمون إلى الحضارة التى أنجبته على أقل تقدير والتى يحملونها قدرا من المسئولية عن همجية هذا التنظيم الإرهابى.
وفى هذا السياق يمكن أم نقرأ دعوات نزع الجنسية عن معتنقى الدين الإسلامى أوترحيلهم إلى الأوطان التى قدموا منها بأعتبار أن التعايش معهم أضحى مستحيلا.
وأشار استطلاع اجرى فى فرنسا مؤخرا إلى أن "%68 من مجمل الفرنسيين يعتقدون أن المسلمين غير مندمجين فى المجتمع لا بل إنهم يشكلون خطرًا عليه بحسب %47 من المستجوبين".
فى ظل مشهد كهذا فإن الأمر يتطلب هبة جماعية منا كعرب ومسلمين بشكل عام وكنخب ومثقفين ومؤسسات أهلية ورسمية بشكل خاص وذلك من أجل الدفاع عن الإسلام وعطائه الحضارى الذى تأثرت به أوروبا كثيرا عبر تاريخها الممتد.
انحراف بعض الأشخاص لا يجب أن يكون مبررا للحكم الجمعى على حضارة كاملة بالحصار والتوقع والإصرار على عزل كل المنتمين لها نفسيا وماديا فالارهاب يبقى سلوكا شاذا ومشينا وهو ليس حكرا على أتباع دين معين.
دور المثقفين يبدو جوهريا فى معركة تصحيح صورة الإسلام والتى تسبب تنظيم داعش الإرهابى فى الحاق أكبر ضرر بها فى التاريخ الحديث، والمطلوب من مثقفينا هنا أن يسعوا لمخاطبة الغرب باللغة التى يفهمها بعيدا عن الحوار الدائم مع الذات.
وفى الوقت نفسه فإن على رموزنا العربية والإسلامية المعروفة باعتدالها ووسطيتها أن تتصدر المشهد فى حملة إعلامية منظمة يجب الإعداد لها جيدا لمواجهة الإساءة لصورة الإسلام فى الغرب.
الصدمة التى يعيشها الغرب اليوم من تنظيم داعش جزء كبير منها يعود إلى تمكن هذا الكيان المتطرف عبر وسائل جذابة ومبتكرة من تجنيد عدد من الشباب المسلم الذى ولد ونشأ فى مجتمعات غربية، وهو الأمر الذى يدلل بشكل واضح على فشكل المنظمات التربوية والتعليمية وكذلك وسائل التنشئة الاجتماعية فى تحصين الشباب فى مجتمع المهجر من الافكار التفكيرية، وهو ما يتطلب جهدا كبير لوقف نزيف انضمام طاقات شبابية أخرى إلى جماعات التطرف وفى القلب منها داعش.
داخليا فإن دار الإفتاء تقوم بدور لا يمكن إنكاره فى مواجهة التنظيم الإرهابى وذلك عبر مرصد الفتاوى التكفيرية والمتشددة ،كما قامت بحزمة من الإجراءات لمواجهة الآلة الدعائية للتنظيمات الإرهابية ومن ضمنها داعش، وذلك من خلال إقامة مرصد لمتابعة الفتاوى التكفيرية والمتشددة، والرد على هذه الفتاوى وتفنيدها من خلال منهج علمى رصين، وإقامة مركز تدريبى متخصص حول سبل تناول ومعالجة الفتاوى المتشددة، وإطلاق صفحة إلكترونية بعنوان "داعش تحت المجهر" باللغتين العربية والإنجليزية لتصحيح المفاهيم الخاطئة التى تسوقها التنظيمات الإرهابية، وإطلاق مجلة إلكترونية "بصيرة" باللغتين العربية والإنجليزية لنشر الإسلام الوسطى المعتدل.
تجارب المواجهة الدولية أيضا شهدتها فرنسا مؤخرا حيث أعلن رئيس وزراء فرنسا مانويل فالس مؤخرا خلال تقديمه خطة جديدة لمكافحة "الإرهاب"، أن فرنسا ستنشئ بحلول نهاية 2017 مركز إعادة دمج فى كل منطقة لمن اعتنقوا الفكر المتطرف أو المعرضين للالتحاق بالجهاديين.
وأضاف: "سيتم إعداد أول مركز الصيف المقبل مشيرًا إلى أن أول من سيستقبلهم هم من التائبين الذين يجب اختبار صدقهم ورغبتهم فى إعادة الاندماج فى الوقت المناسب".
إجمالاً فإن إعداد خطة فكرية متكاملة تعتمد على أحدث الوسائل التكنولوجية لحصار التنظيم والقضاء عليه يبدو أمرا بالغا الأهمية اليوم ، وقبل فوات الاوان.