"مش شغلتنا بس أحسن من قعدتنا".. شعار يرفعه الكثير من سائقى "التوك التوك"، خاصة الحاصلين على مؤهلات عليا، نتيجة معاناتهم من البطالة التى أجبرتهم على اتخاذ مهنة "سائق توك توك" وظيفة تساعد على متطلبات الحياة، غير أن الأكثر خطورة والمرعب فى الوقت ذاته هو هجرة أصحاب الحرف اليدوية إلى "عالم التوك التوك"، فيما هرب جيل كامل من النشء "صبيان الورش الصناعية" إلى الالتحاق بركب التوك توك لما يستهويهم فيه، ويبعدهم عن مشاق تعلم "صنعة" ويدر دخلا أكبر يساعد أسرهم لتحمل الأعباء الاقتصادية التى تعانيها أسرهم.
Adele فى التوك توك
يخفض "أحمد سمير"، صوت أغنيةhello للمطربة الإنجليزية "adele" فى الكاسيت الخاص بالتوك توك الذى يقوده، فى حى عين شمس، شرقى القاهرة، مستجيبا لإحدى الفتيات التى استوقفته، طالبة منه توصيلها إلى محطة مترو الأنفاق للاستعلام عن نتيجة امتحانها بجامعة القاهرة.
دهشة ممزوجة بالإعجاب، ارتسمت على ملامح وجه الفتاة، متسائلة: "بتسمع adele.. أول مرة أشوف سواق توك توك بيسمع أغانى هادية"، فرد عليها الشاب: "أنا خريج بكالوريوس تجار بتقدير جيد، لكن منها لله البطالة زمايلى خريجى هندسة وآداب شغالين نفس الشغلانة.. "مش شغلتنا بس أحسن من قعدتنا".
12.7% نسبة البطالة بين المصريين
وبحسب تقرير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء بمصر، والمنشور فى مارس الماضى، فإن معدل البطالة للذكور، فى الربع الثالث من عام 2014 وصلت نسبته إلى 9.6%، وفى الربع الثانى من عام 2015 بلغت النسبة 9.3%، أما فى الربع الثالث من عام 2015 فبلغت 9.3% أيضا.
وبحسب التقرير نفسه، فإن معدل البطالة للإناث فى الربع الثالث من عام 2014 بلغت النسبة 24.5%، وفى الربع الثانى من عام 2015 بلغت النسبة 24.1%، أما فى الربع الثالث من عام 2015 وصلت النسبة إلى 24.9%، وإجمالى معدل البطالة فى الربع الثالث من عام 2014 وصل إلى 13.1%، وفى الربع الثانى من عام 2015 وصلت النسبة إلى 12.7%، أما فى الربع الثالث من العام وصلت إلى 12.8%.
التوك توك وانقراض المهن الحرفية
وتعانى ورش السمكرة وكهرباء السيارات والميكانيكا التى يمتلئ بها حى الحرفيين بمدينة السلام، فى القاهرة، من مشكلة ستظهر تباعاتها فى المستقبل القريب، نتيجة هجرة "الصنايعية" و"الصبيان" من العمل والتعلم بالورش، نتيجة تفضيل العمال والنشء لقيادة التوك توك، بدل من العمل فى هذه المهن اليدوية التى تبدو شاقة.
بانفعال شديد يقول الأسطى "حسن السمكرى"، صاحب إحدى الورش فى منطقة الحريفيين: "مش لاقى "صبيان" أو مساعدين يشتغلوا معايا.. التوك توك خرب البلد.. كان "الصبى" اللى لسه جاي يتعلم الصنعة بياخد 20 جنيه فى اليوم وبعد فترة ومع شطارته ياخد يومية وأسبوعية أكتر.. لكن دلوقتى "الصبيان" هربوا عشان يشتغلوا على توك توك وياخدوا فى الوردية 50 جنيه".
عمرو صالح، استبدل التوك توك بالمنشار و"الشاكوش"، طلّق مهنة نجارة الباب والشباك، التى ورثها عن والده، وأغلق ورشته الصغيرة بحى المطرية، فى القاهرة، ويقول: كنت بكسب من 100 إلى 200 جنيه يوميا، وبعد الثورة، وضيق الحال، أغلقت الورشة وركبت توك توك لأوفر احتياجات أسرتى "مش شغلتنا بس أحسن من قعدتنا".
الأمر نفسه يتكرر فى منطقة كرداسة، بمحافظة الجيزة، الشهيرة بالملابس والمنسوجات اليدوية، وكانت مقصدا للسياح والمصريين لشراء منتجات المدينة، فبالإضافة لركود السوق وقلة المطلوب، خاصة بعد ثورة 25 يناير، إلا أن أصحاب هذه الورش والمهن الحرفية يعانون أيضا من هروب الصنايعية ومتعلمى "الصنعة" إلى التوك توك.
فى دراسة صادمة أعدتها شركة N Gage Consulting للاستشارات الاقتصادية والحكومية، نشرتها انفراد فى شهر يونيو الماضى، أكدت الدراسة أن التوك توك يوفر أكثر من 250 ألف فرصة عمل سنوياً، و3 مليارات جنيه دخولاً شهرية لـ1.5 مليون مواطن.
ورغم أن الدراسة أشارت إلى أن "التوك توك" أتاح العديد من الفرص الاقتصادية والاجتماعية خاصة للطبقات الفقيرة التى تعجز الدولة عن توفير فرص عملأ ومتطلبات الحياة الكريمة لهم، فى دول، كالبرازيل، والهند، وتايلاند، وجنوب أفريقيا، بعدما تعاملت هذه الدول مع قضية "التوك توك" بنجاح، إلا أن الحكومة المصرية لم تتعامل بجدية مع قضية التوك توك من منظور اجتماعى اقتصادى جاد.
وفى حين أن الدراسة أبرزت الفوائد الاقتصادية لـ "التوك توك"، وقالت إنه يشكل حلاً سريعا وغير مكلف لمشكلة البطالة، ويوفر 700 ألف فرصة عمل سنوياً، إلا أن الدراسة تجاهلت المردود الاجتماعى لغزو التكاتك لشوارع وعقول المصريين أيضا.