نقلاً عن اليومى..
أصبحت أزمة نقص الدولار هى الشغل الشاغل للجميع خلال الأيام الماضية، نظرا لارتباطها بتحديد أسعار السلع والخدمات، خصوصا الأساسية منها، وانتشر على مدار الأسابيع الأخيرة حول ماهية أسباب الارتفاع المبالغ فيه فى أسعار صرف الدولار أمام الجنيه المصرى وانتشار المضاربات عليه، وهو ما يعود فى الأساس إلى الارتفاعات المبالغ فيها وغير المبررة للدولار بالسوق الموازى التى جانب أساسى منها ناتج عن مضاربات وشائعات من أطراف تبغى الضرر بالوطن، ويجب محاسبة من يتفوه بمثل الأخبار الكاذبة، لأنه يضر بالأمن القومى والمواطن والاقتصاد المصرى ككل، ويحقق ضررا كبيرا بالصناعة المصرية وبالاستقرار .
ورغم ذلك فلا يمكن إغفال أن ارتفاع سعر الدولار فى السوق السوداء يعود أيضا إلى نقص المعروض منه فى البنك المركزى والبنوك المصرية، وأن ما يعلنه البنك المركزى من ضخ كميات من الدولار فى عطاءاته لا يكفى حاجة مصر من الاستيراد، كما أن تلك الضغوط فى الطلب على العملة الأمريكية تزامن مع تأخر التدفقات النقدية المتوقعة نتيجة أسباب داخلية وأخرى خاصة بالأسواق الخارجية، مثل العودة البطيئة لاستثمارات الأجانب فى أدوات الدين الحكومى.
وقال محسن عادل، نائب رئيس الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار، إنه يجب التأكيد على أن البنك المركزى لن يعمل منفردا بعيدا عن الحكومة التى لم تتدخل فى وضع برنامج لجذب الاستثمارات فى ظل انخفاض قيمة الجنيه المصرى، الذى يعتبر بيئة جاذبة للاستثمار، فمع استمرار نقص موارد العملة بعد انهيار السياحة وتراجع الصادرات وعدم قدرة الحكومة على طرح برامج استثمارية لجذب مشروعات تدر بالعملة مرة أخرى، سينفد الاحتياطى الدولارى بالبنوك، خاصة أن مصر دولة مستهلكة أكثر من وجود صناعات تغنى عن الاستيراد.
ونشير إلى أن هناك دلائل على قيام شركات وأفراد تقوم بتجميع الدولار من المصريين العاملين بالخارج فى دول الخليج مثل السعودية، والإمارات والكويت، وتعرض عليهم أسعار السوق السوداء لبيع الدولار مقابل منح ذويهم فى مصر للجنيه المصرى بضمانات كاملة فى الحصول على حقوقهم، وهذه الجهات هى الوسيلة المطروحة حاليا لجمع الدولار ومنع دخوله مصر، وهو ما تستفيد منه الشركات الوسيطة بعيدا عن الاقتصاد القومى، لهذا فهناك ضرورة لقيام البنك المركزى بتفعيل قيام فروع البنوك المصرية المنتشرة فى جميع دول العالم، أو أى جهة مصرفية أجنبية أخرى خارج مصر، يراها البنك المركزى لجذب وتجميع وشراء مدخرات وتحويلات المصريين العاملين بالخارج، حتى لا يتم استقدامها بطرق غير شرعية للمضاربة بها داخل مصر، ولمنع خلق سوق تحويلات موازية من جانب جهات مختلفة قد تستهدف الإضرار بالاقتصاد الوطنى، مع إلغاء أى رسوم للتحويلات من المصريين فى الخارج إلى مصر تشجيعا لهم لهذا فإن «المحتفظين بالدولارات لن يتخلوا عنها إلا إذا شعروا أن هناك مكسبًا ما أو أن تنخفض قيمتها، وكلا الأمرين غير متوفر فى الوقت الراهن»، كما أنه يجب الاستمرار فى تقديم محفزات لجذب استثمارات دولارية خارجية مثل طرح أراضى مشروع بين الوطن أو مزارع مميزة ضمن مشروع استصلاح المليون ونصف المليون فدان أو الإسراع فى بيع تراخيص الجيل الرابع للاتصالات.
من الواضح، أن سياسة الحفاظ على قيمة الجنيه عملت على إرساء مبدأ استقرار اسمى للعملة إلا أنها أيضا لها تأثير على زيادة تآكل القدرة التنافسية لمصر، حيث إن قوة الدولار الأمريكى وارتفاع معدلات التضخم المحلى نتج عنهما ارتفاع حاد فى سعر صرف الجنيه الحقيقى بشكل فعال بالمقارنة بمتوسط النسبة منذ عشر سنوات.
كما أن استمرار التقلبات المتعددة فى أسعار صرف العملة المحلية فى مقابل العملات الأجنبية يمثل قلقاً مستمراً لدى أصحاب رؤوس الأموال الراغبين فى الاستثمار بمصر، بالإضافة إلى أن هذه التقلبات تغير تقييمات الفرص الاستثمارية المتاحة كل حسب المجال الذى ينتمى له، ومدى ارتباط نشاطه سواء بالتصدير أو الاستيراد، مؤكدا أن أسعار صرف العملات الأجنبية فى السوق المحلية ما زالت التحدى الأكبر أمام المستثمرين الراغبين فى دخول مصر.
الأساس فى الأزمة الحالية سواء على المستوى النقدى أو الاقتصادى هو عدم قدرة الاقتصاد على تنمية مواردة بالعملات الأجنبية مع تراجع موارد الدولة من السياحة وعدم نمو الاستثمارات الأجنبية المباشرة بصورة كافية، وتراجع إيرادات الصادرات، وكذلك ضعف الطاقات المتاحة لإنتاج سلع أساسية أهمها الغذاء، مما يضطر الدولة لاستيرادها وأيضا اعتماد الكثير من الصناعات القائمة على المدخلات المستوردة وضعف المكون المحلى بنسب متفاوتة تصل فى بعض الأحيان إلى مجرد التعبئة.
وأكد عادل، أن إجراءات البنك المركزى لن تكفى وحدها لمعالجة الأزمة الاقتصادية، ولابد من وجود سياسة مالية واستثمارية رشيدة ومحفزة لمساعدة المتضررين من محدودى الدخل، بالإضافة إلى ضرورة إصلاح اختلال هيكل ميزان المدفوعات الناجم عن خلل الميزان التجارى، وإعادة النظر فى سياسة التصدير.