ماذا تملك شركات التكنولوجيا العملاقة كأبل وجوجل وسامسونج وغيرها كى تربح المليارات، وتمتلك ميزانيات تفوق دولًا غنية بالموارد الطبيعية؟
وماذا تملك دول مثل اليابان وسويسرا وسنغافورة ليس لديها سوى القليل بل النادر من الموارد الطبيعية؟ ورغم ذلك نجد اليابان أصبحت ثانى أقوى اقتصاد فى العالم، وسويسرا وسنغافورة فى قائمة أغنى دول العالم.
الإجابة، يملكون "العقول"، يصنعون "الفكرة" لديهم "الإبداع"، استثمروا فى "الإنسان" فأنتج لهم أفكار متطورة، وأبدع تقنيات عصرية أعطت لهم الفرصة للتقدم ودفعتهم لنهضة اقتصادية كبيرة، فالعقل والفكرة والإبداع، هو رأس مال هذه الشركات العملاقة والدول الغنية، فالاستثمار فى العقول هو الأقوى، وصناعة المستقبل تعتمد على "الأفكار" أكثر من اعتمادها على ما تخرجه الأرض من موارد طبيعية، والإبداع هو السبيل لدعم التنمية والتقدم فى المجتمعات والدول، فرأس المال البشرى لا يقدر بثمن، والأفكار الخلاقة تؤدى إلى ربح المليارات، كما أن العقول تصنع المال والنجاحات والتفوق العلمى يصنع من الأفكار الرائدة كيانات عملاقة تتفوق ميزانياتها وأرباحها عن دول يسكنها الملايين.
فمثلا شركة التكنولوجيا العملاقة أبل تجاوزت قيمتها السوقية حاجز الـ700 مليار دولار، وهو ما يفوق اقتصادات عشرات الدول فى العالم لكونها تستثمر فى الإنسان، وتعطى الفرصة للأبحاث حيث تنفق ما لا يقل عن 14 مليار دولار على الجانب البحثى، وهو ما يفوق الإنفاق البحثى لكثير من الدول المعروفة، كما تمتلك جيشا من الباحثين الشباب، وفرت لهم الفرصة، وهيأت لهم كل الأسباب ليبدعوا أفكارا خلاقة، أثمرت نجاحا منقطع النظير حقق لها دخلاً بالمليارات، فالفكرة الواحدة قد تربح مليارات الدولارات لهذه الشركات.
كما أن الدول الأفريقية تمتلك الكثير من الموارد الطبيعية بأشكالها كافة، بل أنها تعوم على بحور من المعادن والموارد، ورغم ذلك تعانى من التخلف عن ركب الحضارة، فى المقابل نجد أن دول أوروبا وأمريكا وبعض دول آسيا لا تمتلك ربع ما تمتلكه دول القارة السمراء من موارد طبيعية، ولكنهم يمتلكون العقول والأفكار التى قادتهم إلى التقدم والرقى والحضارة.
إذا صناعة المستقبل أصبحت لا تعتمد على ما تمتلكه الدول من موارد طبيعية، بقدر اعتمادها على الاستثمار فى الموارد البشرية، فالمال والموارد الطبيعية رغم أهميتهما إلا أنهما ليس لهما قيمة دون العنصر البشرى المدرب المبدع الذى يعتبر شرطًا أساسيًا لتحقيق النهضة الاقتصادية والتنموية والتكنولوجية.
والاستثمار فى "الإنسان" يأتى بإتاحة الفرصة له للتدريب والابتكار وتهيئة الظروف له للبحث والإبداع، لأن ذلك هو الطريق الوحيد والمضمون نحو تقدم حضارى ونهضوى لأى بلد، ويتطلب ذلك إيجاد منظومة تعليمية عالية الجودة، وإنشاء مراكز البحث المتكاملة لإلحاق المبدعين بها، وتهيئة الظروف كافة لهم لتصنيع "الأفكار" "والابتكارات" التى تصنع الفارق.
نحن نحتاج للاستثمار فى الإنسان، لأنه السبيل المضمون أمام مصر لدفع التنمية وإحداث النهضة الاقتصادية، ففى العالم الرقمى الذى يسود الآن يجب أن نحاول اللحاق بركب التقدم والحضارة، وهذا لن يأتى إلا إذا تسلحنا بالعلم والأفكار الخلاقة والمتطورة التى ستدر علينا مليارات الدولارات، وأن نهيئ الظروف لأصحاب المواهب للإبداع والابتكار، لأن أفكارهم وإبداعاتهم هى الجسر الذى سينقلنا إلى المستقبل.