كان العالم الكبير أحمد زويل مدافعا قويا عن مصر فى الخارج، ولم يترك فرصة إلا وسعى فيها إلى إعلاء شأنها والدفاع عنها، لاسيما فى فترة ما بعد ثورة يناير وما أعقبها من اضطرابات.
وخلال السنوات الخمسة الماضية، كتب العالم الجليل الذى رحل عن عالمنا أمس الثلاثاء عن عمر يناهز 70 عاما، بضع المقالات تحدث فيها عن مصر وآمالها وآلامها، واستغل مكانته المرموقة فى الولايات المتحدة ليدعو الإدارة الأمريكية إلى عدم التخلى عن مصر عقب الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين عام 2013.
حذر أمريكا من قطع مساعداتها لمصر
ففى صحيفة لوس انجلوس تايمز الأمريكية، كتب زويل مقالا فى نوفمبر 2014، دعا فيه الولايات المتحدة إلى عدم قطع المساعدات عن مصر، مؤكدا أن هناك الكثير من الآمال فى إدارة الرئيس عبد الفتاح السيسي وحاجة واشنطن إلى الشراكة مع القاهرة أكثر من أى وقت مضى.
وتحدث زويل عن الموقف المتشدد داخل الكونجرس من الرئيس السيسي والدعوة إلى تخفيض أو قطع المساعدات العسكرية لمصر كسبيل لمعاقبة إدارته، لكنه أكد أن بعد لقائه بالرئيس السيسي فى هذا الوقت والحديث مع قطاع واسع من المواطنين فى مصر، استطاع أن يفهم لماذا يدعمه أغلب المصريين، وأضاف أنه يعتقد أن قطع المساعدات الخارجية عن مصر فى ذلك الوقت من شأنه أن يضر بالعلاقات المصرية الأمريكية وسيكون له عواقب خطيرة على الشرق الأوسط.
وأشار إلى أن التاريخ يظهر ذلك الخطر. ففى عام 1955، فى أعقاب ثورة يوليو 1952، وافقت الولايات المتحدة على مساعدة مصر فى بناء سد أسوان لتوليد الكهرباء، لكن بعد أشهر قليلة، كان وزير الخارجية الأمريكية جون فوستر، فى هذا الوقت، على قناعة أن الرئيس جمال عبد الناصر لا يمكن الوثوق فيه، ومن ثم سحب العرض الأمريكى لتمويل السد، والنتيجة وقتها كانت تحويل مصر بوصلتها السياسية من الغرب إلى الشرق، حيث سارع الاتحاد السوفيتى لملء هذا الفراغ ولم يتغير هذا الاتجاه حتى عام 1973 عندما أتى الرئيس السادات للسلطة.
وشدد زويل فى هذا المقال أن الولايات المتحدة بحاجة إلى الشراكة مع مصر اليوم أكثر من أى وقت مضى. ففضلا عن السلام مع إسرائيل، المهم لمصالح الولايات المتحدة داخليا وفى الشرق الأوسط، فإن الولايات المتحدة كانت ولا تزال بحاجة لتعاون مصر فى الحرب على الإرهاب، موضحا أن هذه الشراكة أمر حاسم للبلدين، لكن لا يمكن بناؤها على التلاعب السياسى والتهديد بسحب المساعدات.
وحذر زويل الولايات المتحدة من ضرورة أن تعلم أنها لم تعد المزود الرئيسى للمساعدات الخارجية لمصر، فلقد باتت دول الخليج تقدم لها أكثر من 10 أضعاف ما تقدمه واشنطن.
ويقول العالم المصرى إنه عندما تم انتخاب محمد مرسى، رئيسا عام 2012، كان لديه آمال مثل الكثيرين فى مصر، أن الرئيس الجديد سوف يكون رئيسا ديمقراطيا لجميع المصريين، لكن لسوء الحظ، فإن الرئاسة سرعان ما تحولت إلى وكيل لجماعة الإخوان المسلمين، وباتت البلاد تحت قيادة مرسى على وشك السقوط فى حرب أهلية، ومن ثم خرج الملايين إلى الشوارع فى 30 يونيو 2013 للمطالبة بالتغيير والمزيد من الاستقرار.
مدينة العلوم والتكنولوجيا.. السد العالى الجديد
وفى عام 2011، كتب زويل مقالا فى صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" عن آماله لمصر بعد ثورة يناير، وقال فيه إنه بعد مرور 100 يوم تقريبا على الثورة، تختلف مصر كثيرا عن البلد الذى عهدته عندما نزل الملايين إلى الشوارع يطالبون بسقوط نظام حسنى مبارك، وعلى الرغم من وجود مشكلات عدة، إلا أن هناك طاقة الآن، أو كما يقول المصريون هواء جديدا، والسؤال المهم هو كيف توجه هذه الطاقة لتشكيل مصر جديدة تكون ديمقراطية وقوية سياسيا واقتصاديا.
ورأى زويل أن مفتاح المضى قدما هو بناء الثقة بين الناس بمشروع كبير وفورى يأسر خيالهم ويرمز لما يمكن أن يحمله المستقبل، ومثلما كان مشروع السد العالى بالنسبة لجيل سابق، فإن مدينة العلوم والتكنولوجيا التى يجرى الإعداد لها الآن يمكن أن تفعل الأمر نفسه لشباب اليوم.
يقول زويل إنه عايش بنفسه تجربة بناء السد العالى كشمروع قومى للتحكم فى مياه النيل وتوليد الكهرباء، وكما كتب الصحفى عماد أحمد فى مقال له مؤخرا حول جسور مصر للمستقبل، فإن المشروع القومى لمصر فى مرحلة ما بعد الثورة والذى يقارن بالسد العالى يجب أن يكون التعليم، فكل عائلة فى مصر تفهم ذلك لأنهم خاضوا بشكل شخصى تجربة تدهور النظام التعليمى على مدار 30 عاما من حكم مبارك.
لا علاقة للدين بالاضطرابات السياسية
وفى نفس الصحيفة، هاجم زويل سياسيات الإخوان المسلمين فى الحكم فى يناير 2013، وكتب يقول أنه لا علاقة للدين بالاضطراب الذى تشهده الساحة السياسية المصرية.. قائلا، إن الإسلام ليس هو المشكلة.
وقال زويل إن الاضطراب مبعثه الهوة بين الطموحات المتغيرة بإيقاع سريع من جانب الذى قاموا بالثورة، وبين الطريقة القديمة ذات الإيقاع البطىء التى يراد انتهاجها فى بناء مجتمع جديد.
وأكد زويل، أنه طيلة حياته لم ير المصريين على تلك الحالة من الشعور الحاد بالانتماء، معتبرا ذلك بمثابة الثمرة الأهم بين جنى الثورة، وأن الشعب المصرى متعطش للديمقراطية الحقيقية بعدما أعادت إليه الثورة حق المطالبة بحقوقه.
وأوضح أن الشعب بعد صبر 30 عاما فى ظل نظام الرئيس السابق حسنى مبارك، لم يعد بإمكانه تحمل المزيد.. مشيرا إلى المنوال البطىء الذى أديرت به الأمور حتى الآن، والذى لم يرق إلى المستوى الذى طمح إليه الشعب الثائر.