"ادفنونى فى مصر واهتموا بمشروعى"، تلك كانت آخر وصية للعالم المصرى الجليل أحمد زويل، الحاصل على جائزة نوبل والذى وافته المنية أمس الثلاثاء بالولايات المتحدة الأمريكية عن عمر يناهز 70 عاما.
"أريد أن أخدم مصر وأموت عالما"، تلك المقولة عكست طموح الرجل الذى لم مجرد عالما بل "حلما كبيرا" لوطن عانى جمودا فى البحث العلمى، فقد كان يؤمن أن الخيال لا يُقتل وليست له حدود وكل المؤسسات تشجعه، والعالم الحقيقى المحب لعلمه لا بد أن يحلم، وإذا لم يتخيل العالم ويحلم، سيفعل ما فعله السابقون ولن يضيف شيئًا، بل كان على يقين أنه "لا يمكن أن يبدع الخائفون".
كان الحاصل على "نوبل" لديه أمل كبير أن هذه الجائزة سوف تلهم الأجيال الشابة في الدول النامية وتحثهم على الأخذ بأسباب العلم والاعتقاد بإمكانية الإسهام في دنيا العلوم والتكنولوجيا على المستوى العالمى، بل كان يدرك أن الأوروبيين ليسوا أذكى من المصريين والعرب لكنهم نجحوا فى تطبيق شعار "دعم الفاشل حتى ينجح".
"زويل"لطالما حلم بمنظومة تعليمية وتطوير للبحث العلمى بما ينعكس على ثقافة الوطن ( الحكومة والمواطن) ، وكان يآمل فى اليوم الذى يدون فيه على لوحات الإعلان فى الطريق إلى مطار القاهرة "فكر لتبدع" وليس "تايجر قرمش وسيطر".
مع فوز "زويل"، ابن مدينة دمنهور، بجائزة نوبل 1999 بدأ حلمه فى إنشاء مدينته العلمية، وعرض فكرة المشروع على الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، وتم تخصيص 270 فدانا من أجل إنشاء مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا، والذى سعى من خلاها بكل جهد مخلص دءوب لتحقيق نهضة علمية لمصر من خلال المشروع القومى الذى خطا خطوات واسعة ليتكامل مع المراكز والجامعات المصرية، ويمثل قاطرة للبحث العلمى فى مصر.
"إن التاريخ لن يغفر لهذا الجيل أن يترك الأمة العربية في حالها الراهن"، كلمات صدع بها "صاحب نوبل"، واقترح عام 2012، روشتة لإنقاذ البحث العلمى فى مصر، تضمنت ترسيخ مقومات صناعة النجاح، ومواجهة الواقع، ووضع منظومة تشريعية جديدة للبحث العلمى، والتحام مراكز ومعاهد البحوث والجامعات، وتطبيق نتائج أبحاثها على أرض الواقع، بالإضافة إلى تشجيع الاستثمار فى البحث العلمى.
وأكد زويل خلال لقاء عقده بحضور رؤساء المراكز والمعاهد البحثية فى مصر، بمقر وزارة البحث العلمى، امتلاك مصر كافة مقومات نجاح البحث العلمى من طاقات بشرية وموارد طبيعية، ولكنها تفتقر إلى ما سماه "صناعة النجاح"، وشرح زويل ما يعنيه بصناعة النجاح، قائلا: "إنها تتمثل فى وضع خطة ورؤية موحدة للنهوض بالبحث العلمى، والتعاون مع كافة المراكز والمعاهد البحثية والجامعات المصرية"، مؤكدا أن المشكلة الحقيقية التى تواجه البحث العلمى فى مصر وتعوق نجاحه تكمن فى عدم "مواجهة الواقع"، من خلال تحديد وإيجاد طريقة للتميز فى كل معهد ومركز وجامعة.
كان "العالم الكبير" يحلم بيوم تشرق فيه الشمس على أرض الكنانة ومراكز ومعاهد البحوث على المستوى القومى أكثر التحاما، للنهوض بمنظومة البحث العلمى، ودفع عجلة التنمية، قائلا:" أى مشروع يتم تنفيذه بصورة منعزلة لن يحقق الهدف المرجو منه"، وطالب بالقضاء على البيروقراطية والتغلب على الروتين، وتوفير مناخ علمى ملائم للباحثين والعلماء، وزيادة موازنة البحث العلمى التى تتسم بضعفها، بالإضافة إلى توجيه 80 فى المائة منها على مرتبات العاملين بهذا القطاع.
تطبيق نتائج الأبحاث العلمية فى المجالات التى تحتاج إليها مصر، كانت ضمن أحلام "ابن مصر البار"، مثل إنتاج العقاقير للأمراض المزمنة، خاصة فيروس التهاب الكبدى الوبائى سى، وإنتاج الطاقة الشمسية، حيث تقع مصر فى النطاقات العالمية لمعدلات الإشعاع الشمسى، وتتسم ظروفها المناخية بوفرة الأشعة الشمسية طوال العام.
رحم الله العالم الكبير أحمد زويل، الذى زرع الأمل والفخر ومنح المحبة لمصر ولم يتورط فى رغبة دنيئة أو فعل شرير أو تآمر هزيل.