أصدر " ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان " تقريره حول فساد المحليات في مصر خلال النصف الاول من عام 2016 تحت عنوان "الفساد في المحليات ..غياب الضمير وانعدام الرقابة " ويرصد التقرير في مقدمته خطورة الفساد في المحليات، وعلاقة ذلك بالديمقراطية وحقوق الإنسان .
وفي القسم الأول نعرض نتائج الدراسة التحليلية، التي أجراها ملتقي الحوار للتنمية وحقوق الإنسان لتناول عينة من الصحف المصرية لقضايا الفساد في المحليات خلال الفترة من 1 يناير - 30 يونية 2016 والتي توصلت لعدة نتائج وإحصائيات خطيرة جدا نضعها أمام الجهات الرقابية والشعبية ووسائل الإعلام وتدق ناقوس الخطر من إهمال هذه الظاهرة المستفحلة خاصة ونحن علي أبواب انتخابات المحليات حتى يعي الناس مدي أهمية هذه الانتخابات ويحرصوا علي المشاركة الايجابية في التصويت ، لأن هذه هي أولي الخطوات الايجابية نحو مكافحة الفساد ، إلي جانب التوصيات التي خرجت بها الدراسة .
ويؤكد التقرير أنه إذا كان تناول ظاهرة الفساد في الصحف يعد مؤشرا إيجابيا لأهمية الدور الذى تلعبه الصحافة فى ممارسة الرقابة الشعبية فإن حرص منظمات المجتمع المدني علي هذه القضية و ملتقي الحوار للتنمية وحقوق الإنسان يعد أكثر إيجابية ومؤشرا سياسيا إيجابيا لمسار عملية التطور الديمقراطي في مصر ، إذ لا يمكن الحديث عن ديمقراطية أو إصلاح حقيقي بدون التناول الجرئ لنواحي القصور التي يعاني منها مجتمعنا وسبل مواجهتها وفي مقدمتها قضية الفساد خاصة وأنها ظاهرة يعاني منها المجتمع المصري ،ورغم أن الحديث عن الفساد في قطاع معين لا يعني إغفالنا خطورة الفساد في القطاعات الاخري ،لكن الفساد في المحليات لا يزال يحتل الصدارة في عدد وحجم قضايا الفساد ،مقارنة بالهيئات والأجهزة الحكومية الأخرى، خاصة في الإدارات الهندسية والإدارات التي تتعامل مع الجماهير وتقوم بمنح تراخيص البناء وتوصيل المرافق. كما اكدت منظمة الشفافية تعرف الفساد بأنه سوء إستغلال للسلطة من أجل تحقيق مكاسب شخصية فإن الفساد في المحليات قد تجاوز التربح الشخصي عبر الاستيلاء علي المال العام إلي الفساد المرتبط بإهدار الموارد وسوء استغلال السلطة.
وعلي الرغم من أن بعض قضايا وقائع الفساد التي تناولتها الصحف تنظرها جهات التحقيق إلا أن رصدها وإثارتها ضروري لحث الجميع علي ضرورة تبني حزمة من الإجراءات والسياسات والتشريعات التي تحول في المستقبل دون تكرار هذه الوقائع وتحاصر ظواهر الفساد في المحليات لاستئصاله ،مع الوضع في الاعتبار ومن خلال الدراسات ثبت أن ما تنشره الصحف من وقائع فساد لا يتعدى 5 % مما يحدث في الواقع لان هناك آلاف القضايا التي لا يتم الكشف عنها أو لا تصل للصحف إلا أن ما تم نشره كارثة حقيقية ويكشف خطورة الموقف .
حيث قام ملتقي الحوار للتنمية وحقوق الإنسان بعمل دراسة تحليلية لتناول عينة من الصحف المصرية وهى( الاخبار - الاهرام - الجمهورية - الوفد - الاهالى - اليوم السابع - الشروق - المصرى اليوم - البوابة - جورنال مصر )لقضايا الفساد في المحليات والكشف عن المبالغ المهدرة والمختلسة والرشاوى داخل القطاعات المحلية وكذلك داخل المحافظات وكانت أبرز النتائج التي توصلت لها المنظمة إهدار 494 مليون جنيه و إختلاس 17 مليون جنيه في المحليات خلال مدة التقرير وبلغ عدد حالات الفساد في قطاع المحليات والتي تم نشرها في الصحف عينة الدراسة 93 حالة في حين وصل إجمالي المبالغ المهدرة 494 مليون و183 ألف و788 جنيه ، بينما وصل إجمالي المبالغ المختلسة والرشاوى 16 مليون و898 ألف و168 جنيه.وتم تقسيمها كوحدات محلية وقطاعات.
درجات فساد القطاعات في المحليات
فقد حصلت الوحدات المحلية علي المركز الأول في قضايا الفساد في الصحف بنسبة 65 % حيث بلغت حالات الفساد 54 حالة وكان إجمالي المبالغ المهدرة في هذه الحالات 387 مليون و959 ألف و966 جنيه ،بينما وصلت المبالغ المختلسة والرشاوى إلي 2 مليون و789 ألف و400 جنيه.
احتل قطاع الإسكان المركز الثاني في قضايا الفساد في الصحف بنسبة 10.8 % حيث بلغت حالات الفساد 9 حالات وكان إجمالي المبالغ المهدرة في هذه الحالات 44 مليون و775 ألف و956 جنيه بينما وصلت المبالغ المختلسة والرشاوى إلي 3 مليون و694 ألف و250 جنيه .
وأحتل قطاع الزراعة المركز الثالث في قضايا الفساد في الصحف بنسبة 7.4 % حيث بلغت حالات الفساد 6 حالات وكان إجمالي المبالغ المختلسة والرشاوى إلي 7 مليون و35 ألف جنيه.
احتل قطاع الأوقاف المركز الرابع في قضايا الفساد في الصحف بنسبة 7.4 % حيث بلغت حالات الفساد4 حالات وكان إجمالي المبالغ المهدرة في هذه الحالات مليون و272 ألف و869 جنيه.
وأحتلت قطاعات الري والشباب المركز الخامس بالتساوي في قضايا الفساد في الصحف بنسبة 2.4 % حيث بلغت حالات الفساد حالتين في كل قطاع علي حدة ، وكان إجمالي المبالغ المختلسة في قطاع الرى 35 ألف و518 جنيه، بينما كانت في قطاع الشباب 10 آلاف جنيه، وكانت المبالغ المهدرة في قطاع التموين 20 مليون و257 ألف جنيه .
وأحتلت قطاعات المياه والصرف الصحي والثقافة والمجالس النيابية والمحلية والنقل والمواصلات المركز الأخير بالتساوي في قضايا الفساد في الصحف بنسبة 1.2% حيث بلغت حالات الفساد حالة واحدة في كل قطاع علي حدة ، حيث وصلت المبالغ المختلسة في قطاع الصرف الصحي مليون و334 ألف جنيه والمهدرة في النقل والمواصلات 107 ألف جنيه.
وأكدت المنظمة أن 25 % من قضايا الفساد التى تم رصدها بالجيزه وحدها يليها القاهرة بنسب 14%: وبلغ عدد حالات الفساد في المحافظات عينة الدراسة (18 محافظة ) والتي تم نشرها في الصحف 38 حالة ووصل إجمالي المبالغ المهدرة 454 مليون و373 ألف و792 جنيه ، بينما وصل إجمالي المبالغ المختلسة والرشاوى 14 مليون و898 ألف و168 جنيها.وهي مقسمة كالتالي :-
فساد المحليات في المحافظات
احتلت محافظة الجيزة المركز الأول في قضايا الفساد في الصحف بنسبة 25.3 % حيث بلغت حالات الفساد 21 حالة وكان إجمالي المبالغ المهدرة في هذه الحالات5 مليون و840 ألف و745 جنيه، بينما وصلت المبالغ المختلسة والرشاوى 61 ألف جنيه .
وجاءت محافظة القاهرة المركز الثاني في قضايا الفساد في الصحف بنسبة 14.4 % حيث بلغت حالات الفساد 12 حالة وكان إجمالي المبالغ المهدرة في هذه الحالات 556 ألف و956 جنيه بينما وصلت المبالغ المختلسة والرشاوى إلي 539 ألف و768 جنيه .
فيما كانت محافظة الإسكندرية المركز الثالث في قضايا الفساد في الصحف بنسبة 12 % حيث بلغت حالات الفساد 10 حالات وكان إجمالي المبالغ المهدرة في هذه الحالات 311 مليون جنيه وكان إجمالي المبالغ المختلسة والرشاوى 7 مليون و364 ألف و400 جنيه .
بينما جاءت محافظة الغربية المركز الرابع في قضايا الفساد في الصحف بنسبة 9.6 % حيث بلغت حالات الفساد8 حالات وكان إجمالي المبالغ المهدرة في هذه الحالات 21 مليون و136 ألف جنيه.
فيما ظهرت محافظة الدقهلية المركز الخامس في قضايا الفساد في الصحف بنسبة 7.2 % حيث بلغت حالات الفساد6 حالات ،وكان إجمالي المبالغ المهدرة 6مليون و22 ألف و869 جنيه بينما وصلت المبالغ المختلسة والرشاوى 450 ألف جنيه .
وكانت محافظة قنا المركز السادس في قضايا الفساد في الصحف بنسبة 4.8 % حيث بلغت حالات الفساد 4 حالات وكان إجمالي المبالغ المهدرة 9 مليون جنيه بينما وصلت المبالغ المختلسة والرشاوى 3 مليون و683 ألف جنيه.
وجاءت محافظات المنيا وبني سويف والقليوبية المركز السابع بالتساوي في قضايا الفساد في الصحف بنسبة 3.6% حيث بلغت حالات الفساد 3 حالات في كل محافظة علي حدة ، حيث وصلت المبالغ المهدرة في المنيا 3مليون و775 ألف و817 جنيه بينما وصلت في بني سويف 47 مليون و450 ألف جنيه،أما في القليوبية 12 ألف جنيه .
واحتلت محافظات دمياط وبورسعيد والإسماعيلية والفيوم المركز الثامن بالتساوي في قضايا الفساد في الصحف بنسبة 2.4% حيث بلغت حالات الفساد حالتين في كل محافظة علي حدة ، حيث وصلت المبالغ المهدرة في دمياط 48 مليون و946 ألف 404 جنيه بينما وصلت في بورسعيد 583 ألف جنيه ،أما في الإسماعيلية 50 ألف جنيه.
احتلت محافظات الوادي الجديد والمنوفية والسويس ومرسي مطروح وأسوان المركز الأخير بالتساوي في قضايا الفساد في الصحف بنسبة 1.2% حيث بلغت حالات الفساد حالة في كل محافظة علي حدة ، حيث وصلت المبالغ المختلسة في الوادي الجديد مليون و790 ألف جنيه بينما وصلت في المنوفية 10 آلاف جنيه.
ثالثا 58 % من المتهمين في قضايا فساد هم من كبار الموظفين :.
بلغ عدد حالات الفساد بين شرائح الموظفين 154 حالة والتي تم نشرها في الصحف عينة الدراسة وهي مقسمة كالتالي :.
احتل كبار الموظفين المركز الأول في ارتكاب جرائم فساد سواء كانت اختلاسات أو رشاوى أو استغلال سلطات بنسبة 57.8 حيث بلغ عدد الحالات التي تم نشرها في الصحف عينة الدراسة 89 حالة ، بينما احتل صغار الموظفين المركز الثاني في ارتكاب جرائم فساد بنسبة 42.2 % حيث بلغ عدد الحالات التي تم نشرها في الصحف 65 حالة .
وأوضحت المنظمة أن أنماط وأشكال الفساد في المحليات متعددة لكن وفق الدراسة التي قام بها الملتقي اتضح أنها متمثلة في الرشوة مقابل إرساء مناقصات علي شركات معينة غير مسجلة بسجل الموردين للجهات المختصة لطرح أعمال التجميل وإنارة الطرق وإختلاس مبالغ مالية وطبع إيصالات نقدية علي ورق أبيض باسم المديرية والرشوة مقابل تنفيذ قرارات بهدم الأسوار أمام مداخل العقارات .
وكذلك إستيلاء مهندسي الأحياء علي مبالغ مالية كبيرة من أصحاب المحلات بزعم استخراج تراخيص بدون معوقات .
والتعدي علي الأراضي الزراعية بالبناء دون الحصول علي ترخيص وتغاضي مسؤلي الجمعيات الزراعية عن ذلك وعدم تحرير مخالفات لهم مقابل رشاوى مالية .
والتغاضي عن تعلية العمارات بصورة مخالفة للقانون مقابل رشاوى مالية وهو ما يهدد أرواح المواطنين ولعل ما حدث مؤخرا في عمارة لوران بالإسكندرية لهو أكبر دليل و تحرير مخالفات للاستيلاء علي أراضي الدولة بوضع اليد مقابل رشاوى مالية ضخمة وإستغلال المنصب الوظيفي لإعطاء تسهيلات مقابل رشوة مالية وإهدار الأموال العامة سواء في الإنفاق علي خدمات لا تستخدم أو التغاضي عن تحصيل رسوم مقابل خدمات قدمتها الدولة والتزوير في الدفاتر والتلاعب في كمية الأصناف الموجودة في العهدة واختلاس الأموال.
-تخفيض قيمة أراضي تابعة للدولة لصالح شركات استثمارية مقابل الحصول علي رشوة
-تزوير أوراق رسمية كجوازات السفر وأختام شعار الجمهورية ومصلحة الأحوال المدنية والشهر العقاري مقابل رشاوى مالية .
-ممارسات فساد في عمليات البيع والشراء والتورط في المؤامرات والرشاوى والإتاوة .
-الفساد في أنظمة الدفع.
-البناء بدون ترخيص والتعلية بدون ترخيص والتعدي على أملاك الدولة وتجاوز قيود الارتفاع والبناء على موانع التنظيم.
وأشارت المنظمة أن الأسباب التي ادت إلي حدوث الفساد من اهمها
-ازدواجية الإشراف على الأجهزة التنفيذية بالمحليات وصعوبة حصول المواطن على تراخيص من خلال القنوات المشروعة وعدم وجود شرطة متخصصة لمخالفات البناء وكذلك ضعف أجور مهندسي الأحياء والذي فتح الباب أمام الرشوة والمساومات وهجرة الكفاءات الهندسية من العمل بالمحليات هربا من المسئولية الهندسية والتي تجعلهم دائما عرضة للمسألة القانونية وتضارب قوانين وتشريعات البناء وتعددها مما سهل من اختراقها والالتفاف حولها واستغلال ثغراتها وسيطرة البيروقراطية علي المحليات وإنشاء حسابات خاصة لبعض الأنشطة المحلية بعيدا عن الموازنة العامة مما ساعد علي انتشار الفساد وإهدار المال العام فضلا عن غياب الشفافية والمعلومات.
انعدام عدالة توزيع الميزانية والمخصصات بين المحافظات
-القصور التشريعي في القوانين الحالية بشأن ترميم العقارات وإزالتها غير مُلزِمةٍ للمالك ولا للمستأجر، بمعنى السماح لهما بالطعن عليها أمام المحاكم، والتي تستغرق نظر هذه الطعون أمامها سنواتٍ طويلةً قد يسقط العقار خلالها.
-استغلال المسئولين لمناصبهم والتي تسبَّبت في نشر الفوضى، خاصةً الفساد المتفشي في إدارات الأحياء وقلة الرقابة والردع لدرجة أنه تم وضع تسعيرة لكل خدمة بالرشوة.
وتؤكد المنظمة أن هذا التحليل يشير إلي أننا أمام ظاهرة مركبة من حيث الأسباب تتحمل مسئوليتها الدولة والقانون ومؤسسات الرقابة وثقافة المجتمع وهو تحليل يسهم في تحديد أشكال مواجهة الفساد ومسئولية كل طرف بشكل أكثر دقة فالمجتمع المصري يمتلك تشريعات وقوانين واجبة التطبيق والتي يجب أن تحترم بشكل صارم كما توجد وتتعدد المؤسسات الرقابية مثل الرقابة الإدارية والبرلمان والجهاز المركزي للمحاسبات ومباحث الأموال العامة والتي من سلطتها الإحالة لجهات التحقيق ثم القضاء المصري ..معني ذلك أن هناك مجموعة من الآليات التي يمكن تفعيلها لمكافحة الفساد خاصة وأن مصر شاركت بوفد كبير ضم خبراء من وزارات العدل والداخلية والخارجية والرقابة الإدارية في المفاوضات الخاصة باتفاقية مكافحة الفساد والتي تم التصديق عليها وأصبحت جزءا من النظام المصري ومعني ذلك أن مصر تمتلك قدرا من الخبرة في موضوع مكافحة الفساد وهو ما يفرض ضرورة التحلي بأقصى درجات اليقظة و الحذر في التعامل مع هذه الظاهرة بما لا يخالف نصوص الدستور المصري أو بنود اتفاقية مكافحة الفساد .
لذا فإن مكافحة ظاهرة الفساد تستلزم تكاتف واستنفار كل قوي المجتمع والدولة بمؤسساتها الرقابية والقضائية والإعلامية في متابعة تنفيذ القانون وكشف من ينتهكه ويتعين علي منظمات المجتمع المدني القيام بدورها في بناء الرقابة الشعبية وتشجيع المواطنين للمشاركة في الانتخابات المحلية .