الأهالى يتهمون الحكومة بالفشل وتهديد صحة المواطنين..والمحافظ يؤكد "الوزراء وافق على المعالجة الثلاثية"
"أسمع كلامك أصدقك أشوف أمورك استعجب" مثال شعبى يستخدمه الكثير من أبناء أسوان، تعجبا من الحكومة الحالية فى الوقت الذى تنادى فيه بالحفاظ على نقطة المياه وترشيد الاستهلاك والمفاوضات الدولية لإنهاء أزمة سد النهضة، هو الوقت نفسه الذى تعجز فيه عن مشكلة تصريف نحو 120 ألف متر مكب من مياه الصرف الصحى ومخلفات المصانع فى نهر النيل مباشرة بأسوان.
"انفراد" يكشف الإهمال بنهر النيل ومعاناة أهالى أسوان من مسلسل تلوث لا ينتهى منذ أكثر من 60 عاما، وعجزت الحكومات فى إيجاد حل لوقف تصريف مياه الصرف الصحى الناتجة من مخلفات مصنع كيما ومحطة الصرف رقم 10 فى مدينة أسوان ومخالفات المواطنين، فى نهر النيل مباشرة على مرأى ومسمع من الجميع.
العجيب أن هذا المشهد العلنى للكارثة بكورنيش النيل بمدينة أسوان، لم يحرك ساكناً لدى المسئولين والمحافظين الذين يتوالون على المنصب بمحافظة أسوان، وتعود تفاصيل الأزمة عندما أنشئ "مصرف السيل" فى ستينيات القرن الماضى، لحماية مدينة أسوان من مخاطر السيول التى تسقط بغزارة من الجهة الشرقية فى اتجاه النيل شمالاً، ويمتد طول هذا المصرف لنحو 9 كيلومترات من الجنوب الشرقى لمدينة أسوان لأقصى شمالها، حتى تصب مياه السيول فى هذا المصرف ومنها إلى النيل.
ومع مرور الوقت وتزاحم الكتلة السكانية بشرق مدينة أسوان، بدأ مصرف السيل يأخذ دوراً آخر عندما بدأ مجموعة من المواطنين المخالفين يستخدمونه كمصرف للمجارى ومياه الصرف، وبدأ مصنع كيما بأسوان فى التخلص من بعض المخلفات الخطرة للمصنع بالمصرف، وأيضاً استخدمه معسكر الأمن المركزى مصرفاً للتخلص من مياه الصرف، وتجمعت هذه المخلفات من مياه الصرف وغيرها فى هذه الترعة التى تصب يومياً ما يعادل 120 ألف متر مكعب "حسب ما ورده تقرير صادر عن جهاز شئون البيئة فى أسوان مؤخراً".
وحول مساعى اللواء مصطفى السيد، محافظ أسوان الأسبق، والذى بدأ فى السعى جاهداً للتخلص من هذه الأزمة، عن طريق تغطية مصرف السيل وإقامة مشروعات تنموية وحدائق ترفيهية فوق المناطق المغطاة وتعاقدت المحافظة مع هيئة الأوقاف لإقامة سوق سياحية فوق الجزء المغطى من المصرف يحمل اسم خان أسوان ويضم مواقع ترفيهية وبازارات ومحل عاديات وحدائق ومقاهى بتكلفة 185 مليون جنيه.
واتخذ محافظ أسوان الأسبق، قراراً بالتنسيق مع الوزارات المعنية بالبدء فى مشروع الحل العاجل، بإنشاء محطتى معالجة مياه الصرف الصحى "كيما 1 وكيما2" لرفع مياه الصرف الصحى من مصرف السيل، والاستفادة من المياه المعالجة فى إقامة غابات شجرية على مساحة 5 آلاف فدان، يستفاد من أخشابها، ولكن الإنفاق المادى على المشروع والذى تخطى الـ185 مليون جنيه، أصبح عائقاً لدى الحكومة فى دفع مزيد من الأموال لاستكمال المشروع.
وفى جولة رئيس الوزراء السابق، المهندس إبراهيم محلب، لمحافظة أسوان، مطلع شهر يوليو من العام الماضى، غير "محلب" من مسار الزيارة فجأة، وتفقد مشروع إحلال وتجديد ورفع كفاءة محطة معالجة مياه الصرف الصحى "كيما 1 وكيما2"، وعبر رئيس الوزراء عن استيائه الشديد، من الكارثة، وكلف على الفور المهندس مصطفى مدبولى وزير الإسكان، بتعنيف مسئولى الشركة المنفذة لتأخر الأعمال، وطالبهم بتوقيع غرامة ومحاسبة المقصرين، كما وجه رئيس الوزراء بأن يتم العمل بالمشروع 24 ساعة على مدار اليوم، وإلغاء إجازات العيد للعاملين بالمشروع حتى يتم تسليم المشروع فى موعد أقصاه 31 أغسطس 2015، وطالبهم بتقديم تقرير أسبوعى عن الموقف التنفيذى للمشروع، قائلاً "حرام عليكم.. ده مشروع مهم جداً.. ولازم يخلص بسرعة".
ومع مرور الوقت، وبلوغ موعد تسليم المشروع، أغلق اللواء مصطفى يسرى، محافظ أسوان السابق، يرافقه عدد من القيادات التنفيذية والشعبية بأسوان، المحابس الرئيسية التى تلقى بمياه الصرف الصحى إلى مجرى نهر النيل، ليتم تحويلها إلى محطة كيما 1 ومنها لمحطة الرفع رقم (56) لتمر منها إلى الغابات الشجرية بالعلاقى، بعد أن كان يتم تصريفها إلى نهر النيل مباشرة بدون معالجة.
وبعد ساعات معدودة من إغلاق المحابس وتحويل مياه الصرف، تعرضت محطتى كيما 1 و2 للانفجار، نتيجة زيادة تدفقات مياه الصرف الصحى بأحواض محطة الرفع للعلاقى، وذلك نتيجة تشغيل 8 محطات بمدينة أسوان بكامل طاقتها فى وقت واحد، مما أدى إلى رفع كميات كبيرة من الصرف الصحى وبالتالى لم تستوعب طلمبات الرفع هذه الكميات، وتسبب ذلك فى حرق المواتير الخاصة برفع مياه الصرف والتى لم تتحمل زيادة الضغط لشدة تيار المياه المتدفقة.
وقبل إجازة عيد الفطر المبارك، وافق المهندس شريف إسماعيل، رئيس مجلس الوزراء، على حل المعالجة الثلاثية لمياه الصرف الصحى بأسوان، والتى يتم تصريف كميات كبيرة منها فى نهر النيل مباشرة.
أهالى قرية أبو الريش بمركز أسوان، والتى تعد الأكثر ضرراً من هذا المصرف، قالوا أن منبع التلوث ناتج من مخلفات مصنع كيما للمواد الكيمائية، بالإضافة إلى مخلفات صرف معسكر الأمن المركزى بأسوان، والقمامات، مؤكدين بأن الضرر لا يلحق بأهالى مركز أسوان، وإنما يمتد للشعب المصرى كله الذى يشرب من مياه النيل.
وأكد أهالى أبو الريش، أن القرية كانت لا تعانى من أمراض بيئية إطلاقاً، إلا أن مياه الصرف تسببت فى إصابة عدد كبير من أهالى القرية بفيروس C نظراً لتحليل مجموعة كبيرة من الناس، الذين يعانون من هذه المشكلة طيلة الأعوام السابقة.
وأضاف الأهالى، أنهم استنفذوا صبرهم من تصريحات المسئولين، والذين يرون أن مشروع رى "الغابات الشجرية" هو الحل الأمثل للتخلص من مياه الصرف بدل من مصبها فى نهر النيل، إلا أن هذا المشروع لم يخرج للنور بصورته الكاملة منذ أن بدأ فيه محافظ أسوان الأسبق.
وهدد الأهالى المسئولين بالتجمهر وإغلاق هذا المصرف عن طريق أكوام رملية تلقى فى المصرف، وستؤدى فى هذه الحالة إلى غرق بعض المناطق مياه الصرف الصحى وتغطية منازل بأكملها فى حالة عدم استجابة المسئولين لحل هذه المشكلة خلال 15 يومياً.
ومن جانبه، أكد اللواء مجدى حجازى، محافظ أسوان، فى تصريحات صحفية له، أنه تمت موافقة رئيس الوزراء على تطبيق منظومة المعالجة الثلاثية، لاستيعاب كميات مياه الصرف الصحى فى محطتى كيما 1، وكيما 2، للاستفادة من كميات المياه بعد تطبيق منظومة المعالجة الثلاثية لها.
وأضاف محافظ أسوان، أن هناك اهتمام شخصى منه بحل مشكلة المياه الجوفية، والتى تساهم بنسبة كبيرة فى حل مشاكل مياه الشرب والصرف الصحى، لافتاً إلى أنه جارى عمل دراسة علمية من خلال أكاديمية البحث العلمى بوزارة التعليم العالى لوجود حل هندسى لهذه المشكلة وسوف يتم تمويل هذا الحل لتنفيذه.