صدمة كبيرة تلقاها الشعب المصرى، مساء أمس الثلاثاء، بخبر رحيل العالم المصرى المرموق أحمد زويل عن عمر يناهر 70 عاماً بعد صراع مع المرض، صدمة رحيل زويل الحاصل على جائزة نوبل فى الكيمياء عام 1990 عن اختراعه "فيمتو ثانية" بالإضافة إلى حصوله على 31 جائزة دولية، تفتح الباب أمام سؤال لماذا تهاجر عقول مصر النابغة إلى الخارج؟.
والخبر المنشور فى "انفراد" بعد يوم واحد من وفاة أحمد زويل، عن حصول إسلام محمدين ابن كفر الشيخ صاحب الـ 18 عام على منحة كاملة لدراسة الفيزياء فى جامعة "ناجويا" اليابانية لمدة 4 سنوات مقابل حصوله على نصف مليون ين يابانى، وهى الجامعة المصنفة رقم 60 فى قائمة أفضل الجامعات على مستوى العالم، يؤكد أن العقول المصرية النابغة لا تنضب رغم الإمكانيات الضعيفة وأنها مستمرة فى مغادرة البلاد، ويشير بأصابع الاتهام إلى الحكومات المتوالية بأنها السبب وراء ضياع هذه الكفاءات على مصر، وإهدار إمكانية الاستفادة منها.
مئات من المصريين النوابغ تفقدهم مصر سنوياً لصالح دول العالم المتقدم دون محاولات حاسمة لمنع استمرار هذه الظاهرة، ومحاولة البحث عن حلول واضحة وناجزة للقضاء عليها، وتوفير المناخ اللازم للاستفادة من هذه العقول، لمنع عملية الاستنزاف المستمر لموارد مصر الأساسية دون جدوى.
تقرير صادم أصدره اتحاد المصريين بالخارج عام 2013 أكد خلاله، أن مصر تأتى فى المركز الأول فى عدد العلماء بالخارج على مستوى العالم، حيث يبلغ عددهم 86 ألف عالم، كما أن هناك أكثر من 42 عالمًا مصريًا فى وظيفة رئيس جامعة، وكذلك يوجد 3 آلاف عالم مصرى فى أمريكا من كافة التخصصات، وأن هناك 1250 عالم فى التخصصات النادرة نسبياً، مثل الهندسة الوراثية وفيزياء الفضاء والفيزياء الطبيعية والكمبياء الطبيعية والنانو والهندسة الوراثية والاقتصاد والرياضيات وغيرها من التخصصات النادرة، أمريكا لديها الجزء الأكبر منهم، حيث اعتمد الاتحاد فى معلوماته بشأن تلك الإحصائيات على مركز الاتحاد والإحصاء التابع للأمم المتحدة، وبعض المراكز البحثية فى أوروبا، وأمريكا، وروابط العلماء، ورؤساء الجاليات الإسلامية فى الخارج.
لماذا تهاجر عقول مصر النابغة إلى الخارج؟
السؤال الأبرز هنا، لماذا تهاجر عقول مصر النابغة إلى الخارج؟، العديد من الأسباب على رأسها المناخ السئ للبحث العلمى، وضألة المبالغ المنفقة عليه، جامعة الدول العربية تشير إلى أن 54 % من الطلاب المصريين الذين يدرسون فى الخارج لا يعودون إلى بلدهم وأن 34% من الأطباء الأكفاء فى بريطانيا من العرب منهم 10% مصريين، وتقرير التنافسية العالمى 2014 / 2015 الأخير بالمنتدى الاقتصادى العالمى فجر مفاجأة، وهى تراجع ترتيب مصر من المركز الـ127 فى البحث العلمى فى 2013 من بين 144 دولة إلى المركز 135، حيث تأخرت 8 مراكز كاملة ليتبقى لها 10 مراكز وتتذليل التصنيف العالمى.
التدهور الاقتصادى والبيروقراطية والفساد، يدفع أيضاً العديد من العقول النابغة للهجرة، فالعالم يبحث دائماً عن مكان يوفر له الأسباب التى تدفعه للأبداع، بحيث يعيش حياة كريمة، كما أنه لا يريد سيل من القوانين التى تعطل أبحاثه، لدرجة أن يضطر إلى إنفاق جزء كبير من وقته فى الحصول على توقيعات من المسئولين حتى يتوفر له الحد الأدنى من المناخ الذى يستطيع أن يبدع فيه، هذا بالإضافة إلى الدخول فى صراعات جانبية تافهة، يتسبب فيها عدد من المسئولين خوفاً على كراسيهم من المتفوقين والمبدعين.
عدم وجود الأمان العلمى، فالعالم لا يريد أن يجد فجأة من سرق أبحاثه وينسبها لنفسه دون وجود قانون رادع يحمى تفوقه، فى عام 2015 أكد الدكتور محمود صقر، رئيس أكاديمية البحث العلمى، إن الأكاديمية تدرس أسباب وقوع مصر ضمن الدول الأعلى فى سرقة الأبحاث العلمية، وذلك من منطلق دورها فى رصد مؤشرات العلوم والتكنولوجيا والابتكار، مشيرًا إلى أن ذلك يأتى بسبب نقص الخبرة لدى الكثير فى كتابة الأبحاث العلمية، وإعادة نشر البحث أكثر من مرة مع إجراء بعض التعديلات فى بعض الأحيان، وعدم توافر البرامج الحديثة للكشف عن الغش.
التجاهل أحد أهم أسباب هجرة العقول المصرية للخارج، فكثيراً من الشباب النابغ يشتكى دائماً من عدم التقدير، وعدم اهتمام المسئولين بأبحاثه، وعدم الاهتمام بالجوائز العالمية التى يحصل عليها، مقارنة بالاهتمام بالانجازات فى المجالات الأخرى، كما أن تسويق الاختراعات فى مصر غاية فى الصعوية، ولا يوجد اهتمام حقيقى به سواء من الحكومة أو حتى من رجال الأعمال، رغم أنه من الممكن تحقيق مبالغ طائلة من وراء اختراع واحد فقط، ونجد أن كل الشركات العمالقة التى تسطير على السوق العالمى لديها مراكز للابحاث تهتم بها وتصرف أموال طائلة عليها، وتستفيد منها فى تحقيق أرباح كبيرة، حيث أن مصر تحتل المركز 133 من بين 141 دولة فى مجال جودة البحث العلمى، وإنفاق الشركات على البحث العلمى.
انهيار العملية التعليمية فى مصر، خاصةً وإن ترتيبها فى جودة إدارة المدارس جاء مذرياً للغاية، حيث احتلت المركز الأخير عالمياً، وتراجعت جودة التعليم فى مِصْر للمركز الـ 141 من بين 144 دولة، وإلى المركز 113 دولياً من بين 144 دولة فى الابتكار والتطوير، وفى تطور الأعمال والابتكار جاءت مِصْر فى المرتبة 135، كما أن الجامعات المصرية جاءت فى مراتب متأخرة جداً بالتصنيف الجامعات العالمى البريطانى الأخير، وارتباط البحث العلمى بالتعليم، وانهيار العملية التعليمية فى مصر يؤثر سلبياً على العلماء النوابغ، والذى قد يدفعهم إلى البحث عن أماكن امكانياتها التعليمية أفضل حتى يستطيعوا تطوير أبحاثهم ودراساتهم.
عرف المصرى بتمسكه بأرضه ورفضه لفكرة الهجرة مهما كانت الظروف، حيث لم تعرف مصر الهجرة إلى خارجها فى العصور القديمة، إلا فى حالات نادرة كانت مرتبطة بفيضان النيل وجفافه، رغم أن المصريين من أوائل الشعوب التى عرفت ركوب البحر والسفر حول أفريقيا والشام والعديد من البلدان الأخرى، فما الذى يدفع 26.4 % من الشباب المصرى الذين لم يسبق لهم السفر طامحين فى الهجرة لأى دولة بغرض العمل أو الدراسة، حسب احصائية أصدرها الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء عام 2013.