إذا قارنا رؤساء مصر وأردنا ان نعرف كيف يفكرون فلننظر إلى حاشيتهم والمرافقون لهم ، فعبد الناصر كان مصاحبا لهيكل ، هذه القامة الشامخة في الفكر والثقافة، والسادات كان مرافقا لموسى صبري المتلون بكل ألوان الطيف ، أما حسني أفندي مأنظروا من يأخذ معه على طائرة الرئاسة (وكله على حساب صاحب المخل)، فهذا العبقري محمد علي ابراهيم رئيس تحرير الجمهورية كان مرافقا لسي حسني في زيارته للسعودية أثناء حرب لبنان الأخيرة والمفروض ان هذه الغمة (القمة) كانت للتباحث في كيفية تدارك الأزمة ووقف الاعتداء الغاشم على المدنيين في لبنان ولكن السيد محمد علي بعرور كان له رأي آخر فقد ترك كل ماحدث من مباحثات (هذا ان كانت هناك مباحثات أصلا") وتفرغ لوصف الموائد الملكية العامرة بكل مالذ وطاب من اللحوم والمقبلات .. حقا ما أشهى النضال في ظلال البعرور
جزء من المقال الأسبوعي للكاتب محمد علي ابراهيم ابراهيم(رئيس تحرير الجمهوريةفي عهد حسني أفندي وولده) يصف انواع الأطعمة والمشروبات الي تناولها في السعودية في الزيارة الرسمية,,,,
وتابع المقال ناشرا " مساء الاثنين الماضي عرفنا أننا مسافرون مع الرئيس مبارك إلي السعودية.. تصورت أن المحادثات ستكون في جدة أو الرياض.. واتضح أنها ستكون بمنطقة الباحة جنوب السعودية. وهي قريبة من حدودها مع اليمن. علي الطائرة خرجت الاجتهادات الصحفية.. والصحفيون بعضهم يحاول دائماً أن يبدو عليماً ببواطن الأمور.. بعضنا قال إن الرحلة ستشمل دولاً أخري.. وآخرون قالوا إننا سنتوجه لسوريا بعد السعودية. لتدعيم المحور الثلاثي الهام بين دمشق. القاهرة. الرياض وهو المحور الذي يعقد عليه العرب آمالهم في كل أزمة أو في الملمات والخطوب. لكن الاجتهادات اختفت. عندما علمنا أننا عائدون في نفس اليوم بعد لقاء الزعيمين مبارك وعبدالله بن عبدالعزيز في مزرعة رغدان الملكية القريبة من الباحة. هبطت الطائرة الرئاسية في مطار الباحة. وخرجنا لنجد أمطاراً كثيفة وجواً ضبابياً ونسيماً عليلاً. وقلنا محال أن تكون هذه السعودية الحارة دائماً. التي تشوي حرارتها الرءوس. ولا تستطيع أن تسير فيها دقيقتين. المسافة من مطار الباحة. حتي مزرعة خادم الحرمين الشريفين في رغدان تستغرق حوالي 30 دقيقة تقطع خلالها السيارة مسافة 40 كيلومتراً.. نزلنا من السيارات إلي الخيمة الملكية المقامة علي هضبة ترتفع عن سطح البحر بحوالي 150 متراً. الأمطار تنزل مدراراً علي رءوسنا. والجو لطيف جداً. الغابات تحيطك من كل مكان. ورائحة دخان تشمها في السماء. ويظهر أنها ناجمة عن حرق بعض الغابات والأشجار.. رائحة شبيهة بحرق الأرز عندنا.. والمنظر كله يتقاطع فيه الدخان مع المطر مع الضباب في صورة بديعية لمنطقة من أجمل مناطق الصحراء التي شاهدتها. ولا تشبهها من وجهة نظري سوي منطقة صلالة في جنوب عمان. حيث يكون المناخ قريباً ومشابهاً لما شاهدته في رغدان. صافحنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله والرئيس مبارك. قبل أن نأخذ أماكننا علي الموائد المنبسطة في الخيمة الملكية. والتي تصدرتها المائدة التي جلس عليها مبارك وعبدالله. كل مائدة كان عليها "أوزي". أو خروف صغير. وكان الخروف مسلوقاً. وليس مشوياً. لذلك كانت كمية الشحوم الملتصقة به كبيرة جداً ولا تشجع علي الاقتراب نظراً لظروف الضغط والسكر.. كانت المذيعة الرشيقة نهال سعد تجلس بجانبي وأمامي الجميلة رشا سري مذيعة النيل للأخبار وبجوار نهال جلست المتألقة هناء السمري. وأمامي جلس الأصدقاء محمد بركات رئيس تحرير الأخبار وخالد إمام رئيس تحرير المساء وعبدالله كمال رئيس تحرير روزاليوسف. بمجرد جلوسنا لاحظت أن "الأوزي" الذي يزين كل مائدة. ليس هو الملك المتوج. وإنما يوجد جمل صغير أو "بعرور" في كل ركن من أركان الخيمة المتسعة جداً. وكان البعض يقوم من مكانه "لاقتباس" أجزاء منه. والبعض الآخر ينتظر الجرسونات حتي يأتوا إليه بقطع من "البعرور". مائدة ملكية المهم أنني لم آكل لا "بعروراً" ولا "خروفاً".. أولاً لأنني خشيت من منظر الدهون المتراكمة حول "الأوزي" أو الخروف.. وثانياً لأنني لم أعرف أن الموجود في الركن هو لحم "جمل" إلا بعد أن تركت الخيمة.. وكنت أتصوره نوعاً آخر من اللحوم البرية.. وثالثاً أنني كنت مشغولاً بإملاء الجريدة وقائع المحادثات وأهميتها وخلفيتها. والهدف من توقيت القمة المصرية السعودية. خصوصاً وأن هناك خلطاً عجيباً بدأ يحدث في الأوراق. كما سادت مفاهيم خاطئة بين المواطنين في الوطن العربي. وانساق الجميع وراء حلم كاذب. ووهم فارس مغوار. راكباً لحصان أبيض. انشغلت في إملاء التفاصيل. فقد كان الوقت محدوداً والشغل كثيراً. ولا يوجد فاكس أو كمبيوتر يعينك علي نصف المهمة. بعد أن فرغت سألت نهال ورشا لماذا لا تأكلان؟ وذكرتا لي نفس السبب الذي امتنعت لأجله عن تذوق "الأوزي" وهو كثرة الدهون.. قلت لهما هل سنكتفي بالسلاطة والتبولة.. اقترحت نهال نوعاً من الخبز.. أخذت منه قطعة صغيرة ولم أستسيغه.. ولفتت رشا سري انتباهي إلي "معجنات" أو فطائر صغيرة محشوة لحماً وجبناً! والحقيقة أنها كانت لذيذة.. في النهاية أنقذني عبدالله كمال وألقي لي "بسترة نجاة" عبارة عن طبق من المشويات.. والمشويات وسط هذه الدهون المتراكمة. كانت كنقطة ماء في الصحراء لمن يلهث بحثاً عما يطفيء ظمأه.. لاأحدثكم عن فرحتي بطبق المشويات.. فقد سد جوعي وأنقذني من حالة "اللا لحم". وأنا من الناس اللحميين. الذين إذا لم يتناولوا اللحم "أبيض كان أم أحمر" مرة يومياً. أشعر بإعياء وعدم توازن وزغللة. وما أن تنزل في جوفي قطعة لحم أو دجاج خصوصاً لو كانت مشوية. حتي أشعر أنني استعدت وعيي بالكامل. وتتنبه مراكز الشعور والإحساس عندي وينطلق إبداع العقل. دعوت لعبدالله كمال الذي أنقذني من اليم. وتناولت موزاً وبرقوقاً. وشعرت بعد امتلاء "التانك" أنني محلق في السماء.. لكن الأكل اللذيذ كان يتطلب شاياً أو قهوة لتعمير الطاسة. إدمان دخل الزعيمان إلي جلسة المحادثات. وظللنا نحن الصحفيين وباقي أفراد الوفد في الخيمة.. كانت الشيكولاتة الملكية الفاخرة والبسكويت الممتاز في تلال أمامنا.. وأنا لا أتناول هذه "المسّكرات" لظروف المرض.. ومع ذلك ظللت أتوسل إلي كل الأخوة الذين يقدمون الشاي والقهوة أن ينفحوني من القهوة فنجاناً أو كأس شاي. لكن لا حياة لمن تنادي.. لفيت الخيمة ثلاث أو أربع مرات بحثا عن الشاي ولم أتمكن من الحصول علي مبتغاي!! والعجيب أن كل من في الخيمة كان ممسكاً بفنجان قهوة أو كأس شاي. ماعدا العبدلله.. توسلت للزملاء وتوسطوا لي عند حملة الشاي والقهوة. لكن بلا فائدة.. ويظهر أنهم نظروا إلي حجمي وقالوا لن ينفع مع هذا الضخم فنجاناً أو كأس شاي. إنه يحتاج دلواً.. وهكذا "طنشوني" عامدين متعمدين.. وأخيراً قدم لي صديقي اسماعيل منتصر رئيس تحرير أكتوبر كأساً اقتنصه لي من أحدهم. وكانت فرحتي بالشاي لا توصف. وقبل أن ارشف منه رشفة واحدة.. تم النداء علينا بسرعة التحرك إلي السيارات والتوجه للمطار. وتركت كأس الشاي مرغماً. كما لو كنت أهجر حبيباً التقيته بعد لوعة وشوق. ثم إذا به يغدر بي ويهجرني. وهكذا انتهت ساعاتنا الثلاث التي قضيناها في السعودية. نعمت فيها بمنظر أكثر من رائع. وأكلت فيها هنيئاً.. لكني مع الاسف غادرتها "خرمان شاي". وظل الصداع يطاردني. إلي أن وصلت منزلي وشربت براداً من هذا الساحر الأحمر الذي لا أعرف لنفسي علاجاً منه. فقد أصبح أخطر من البانجو والمكيفات بالنسبة لمن يدمنوه مثلي!غداء "الأوزي".. و"البعرور".. في مزرعة الملك عبدالله!