كأمراء الحروب الصليبية، قرعوا الطبول ورفعوا رايات القتال، متسترين خلف شعارات مواجهة الإرهاب لتحقيق أهداف شخصية، بينهم من يراوغ للاستمرار فى السلطة والهرب من رياح التغيير، ومن يرغب فى تصفية الأقليات التى تؤرق نظامه من داخل وخارج الحدود.. وفى صفوفهم من يحمل حقدًا يضرب جذوره فى التاريخ إلى كل ما هو عربى وسنى.. تلاقت مؤامراتهم على الأراضى السورية والعراقية حيناً، واشتبكت حيناً.. إلا أن جميعهم وجدوا فى تنظيم "داعش" قبلة الحياة.. إنهم بشار الأسد، رجب طيب أردوغان، وعلى خامنئى.
الأسد.. سفاح يحارب الإرهاب
لم يكن كافياً للرئيس السورى بشار الأسد أن يكون وريثاً لمقاتل شارك فى تحرير أراض عربية خلال حرب أكتوبر، لينجو من رياح التغيير التى اجتازت تونس والقاهرة محملة بالثورات الشعبية، ولن يغنى عنه مقعده الذى اختاره فى "محور الممانعة" وقدم من خلاله الدعم لحركات وتنظيمات كانت ترفع قبل عقود لواء المقاومة، وتتصدر طليعة النضال ضد الاحتلال الإسرائيلى مثل حزب الله فى لبنان وحماس فى الأراضى المحتلة، خاصة بعدما تورطت تلك التنظيمات نفسها فى حروب بالوكالة وجرائم قتل وتصفية لرموز سياسية داخل وخارج حدودها.
آثر الأسد أن يصمد قليلاً أمام الاحتجاجات الشعبية، وألا يلوذ بالفرار مثلما فعل زين العابدين بن على فى تونس، وأن يراوغ أكثر مما فعل مبارك، وأن يسمح - بقصد أو غير قصد - بتسلل التنظيمات المسلحة، وفلول الهاربين من الغزو "الأنجلو – أمريكى" فى العراق، والمنشقين عن تنظيم القاعدة، لتفقد رياح التغيير التى هبت على دمشق سلميتها ويقدم نفسه أمام الرأى العام العالمى، فى صورة رئيس يحارب الإرهاب، ويصون وحدة التراب السورى.
5 سنوات، اختبر خلالها "الأسد" الصبر ولم يخذله، وجد فى ميلاد تنظيم "داعش" على التراب السورى قبلة الحياة لنظامه، فأطلق وزير خارجيته، العجوز المخضرم وليد المعلم فى عواصم القرار، وخاض معارك النفس الطويل على الصعيدين العسكرى والدبلوماسى، ونجح فى انتزاع الحليف تلو الحليف، بالأمس كانت روسيا داخل معسكره، واليوم استقطب السلطان العثمانى رجب طيب أردوغان الذى كان قديماً من الرافضين لفكرة بقاءه فى قصر الرئاسة السورى.
أردوغان.. للسلطان فى "داعش" مآرب عدة
للسطان فى داعش مآرب عدة.. لم يستمد بقاءه من وجود التنظيم مثلما فعل بشار الأسد، وإنما استغل "داعش" فى إنهاك دول الجوار، ومحاربة الأقليات الكردية داخل وخارج الحدود التركية.
تأمل رجب طيب أردوغان تكوين داعش، وآثر ألا يكون فى طليعة المنضمين للتحالف الدولى للحرب على التنظيم، تزايدت التقارير الإعلامية التى تحدثت عن تقديمه التمويل والدعم اللوجيستى، وفتح مستشفياته لعلاج عناصره، فضلاً عن تورطه فى صفقات نفط مع عناصر بارزة بـ"داعش".
وبمرور الوقت تزايدت العمليات الإرهابية التى نفذها التنظيم على التراب التركى، إلا أن اللافت أن غالبية تلك العمليات لم تستهدف إلا مقار وتمركزات الأكراد، سواء فى بلدة ديار بكر، على الحدود التركية - السورية، أو غيرها من التجمعات الكردية، بما يؤكد وجود تنسيق بين النظام التركى وقيادات "داعش".
وفى مرحلة لاحقة، من عمليات التنظيم الإرهابى، أعلن السلطان العثمانى انضمامه لقائمة الدول المشاركة فى الحرب على داعش، وقبل ما يقرب من أسبوعين، قرر أردوغان اجتياح الحدود السورية برياً، باسم الحرب على التنظيم، إلا أن نتائج العمليات التركية داخل التراب السورى حتى الآن، لم تسفر إلا عن تصفية الأكراد، مثلما هو الحال فى بلدة.
خامنئى وداعش.. وشرعية السلاح الشيعى
محكوماً بنزعات الكراهية إلى كل ما هو عربى وسنى، يتأمل المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية على خامنئى المنطقة العربية، مهد الكثير على مدار عقود لاحتجاز مكانه فى وجدان الشعوب العربية بتقديم إيران فى صورة الدولة الداعمة لحركات المقاومة العربية، والتى لا تبخل على الكيانات التى تتصدر طليعة الصراع العربى - الإسرائيلى بالمال والسلاح، إلا أن ذلك سرعان ما تبدد بعدما بدأت ملامح المؤامرات الإيرانية فى الوضوح بداية من الغزو الأنجلو أمريكى للعراق، ودور طهران فى تفكيك عراق ما بعد صدام، فضلاً عن إثارة النزاعات داخل لبنان وسوريا على حد سواء من خلال تنظيم حزب الله اللبنانى.
يدرك خامنئى أن سلاح التنظيمات الشيعية - العربية المحسوبة على إيران يحتاج إلى شرعية على المستوى الشعبى، ويعلم أنه لن يجد ما هو أفضل من توغل داعش فى الأراضى العراقية مبرراً لوجود مليشيات الحشد الشعبى، ولن يجد ما هو أفضل سيطرة داعش على أراض سورية حجة للدفع بعناصر حزب الله لمشاركة قوات الحرس الثورى الإيرانى فى الحرب داخل سوريا.