نقلا عن العدد اليومى...
يخوض الرئيس عبدالفتاح السيسى حربا شبه منفرد ضد غول الفساد الذى ينتشر فى مصر منذ سنوات طويلة، ويخوض حربا أشرس ضد هؤلاء الذين يعتبرون الكشف عن الفساد الآن دليلا على فساد الدولة بدلا من أن يعتبروه دليلا على طهارة يد النظام الحالى وقوته وإصراره على كشف ومكافحة الفساد، الأزمة تكمن هنا فى عقول هؤلاء الذين يرون كشف الفساد الآن دليلا على عجز الدولة وليس إنجازا لنظام وسلطة تدير دولة اعتاد حكامها السابقون «الطرمخة» على الفساد خوفا من الفضيحة، الرئيس يقود هذه الحرب بشجاعة، لذا مهم أولا الاعتراف بحقيقة تقول إن إرث الدولة المصرية من فساد وخلل فى مختلف المجالات، صحة واقتصاد وتعليم وبنية تحتية، يشكل عبئًا على الدولة الجديدة وخططها للتنمية، ويعطل ويؤجل شعور الناس بالإنجازات الحقيقية والمهمة التى تحدث على الأرض، والتأكيد على هذا الاعتراف بتأكيد جديد على أن الرئيس يواجه كل هذا بشجاعة منقطعة النظير وبدون حسابات.
السنوات الأخيرة من حكم مبارك شهدت فسادا لم تشهده مصر من قبل، وانهارت فيها أعمدة الدولة المصرية بشكل لا يستقيم معه السرعة التى نتمنى أن نخرج بها من نفق الروتين والخلل والارتباك إلى نور التقدم والنهضة وبناء دولة قوية، الاعتراف بأن إرث السنوات الثلاثين الأخيرة ثقيل حقيقة لا عيب فى تكرارها وتذكير الناس بها، حتى تكون الأمور على بينة وواضحة أمام الجميع، فلا مصر سويسرا ولا الرئيس الحالى تسلمها وهى كاملة المرافق، جيدة البنية التحتية، ولا جهازها الإدارى بالقوة التى تساعده على تحقيق أحلامه ومشروعاته، وبناء عليه يعلم الجميع أن كل بناء تريد أن تبدأ به مصر لأجهزتها ومؤسساتها وكل إنجاز يريد المصريون تنفيذه على الأرض سيحتاج فى البداية إلى تطهير الأرض المصرية من بقايا إرث السنوات الفاسدة الماضية، وهذا الإرث الفاسد مازال له حراس داخل بع المصالح الحكومية يدافعون عنه، ويسعون للإبقاء عليه، ويقاتلون كل من يقترب منه بشراسة، وفى هذا الإطار يمكنك أن تفهم دعوة الرئيس السيسى للناس بالصبر، فهو لا يطالبهم بالصبر لأنه تأخر أو أبطأ فى تحقيق ما وعد به بقدر ما يطالبهم بالصبر والمشاركة فى معركة تطهير الوطن من إرث الماضى الفاسد، الصبر لكى تتم عملية التطهير حتى يتم البناء على نظافة دون أخطاء.
تشجيع الدولة على البناء ومحاربة الفساد والصبر عليها لتنفيذ تلك المهمة الصعبة، أفضل بكثير من الضغط على الدولة لكى ترضى هذا أو تصدر قرارا سريعا يفرح ذاك، أو تعيد تجميل ميدان أو اثنين ومستشفى أو ثلاثة أو منح العمال منحة أو علاوة وتصوير ذلك على أنه هو الإنجاز.
الإنجاز الحقيقى فى رأيى هو الخروج من معركة الفساد بأكبر المكاسب، مصر كنز كبير يأكله الفاسدون من أهله سواء كانوا مسؤولين كبارا أو مسؤولين صغارا أو مواطنين يشاركون فى منظومة الفساد تحت مظلة اللامبالاة أو الرغبة فى تخليص المصالح.
الفترة الماضية شهدت الكشف عن العديد من قضايا الفساد الكبرى، وهذه خطوة تستحق الدعم والمشاركة والتشجيع، فالحرب على الفساد فى مصر أقوى وأشرس من الحرب على الإرهاب، خسائر وتحركات الإرهاب معروفة ووجهه القبيح واضح للعيان، أما وجوه الفساد فغالبا متغيرة ومتلونة وقادرة على إيهام الناس بغير الحقيقة.
باختصار تستطيع مصر أن توفر مليارات الجنيهات لو نجحت فى حربها ضد الفساد، وبناء عليه لن تنتظر مساعدات من أى طرف سواء كان عربيا أو أجنبيا، ولن تتأخر مشاريعها الكبرى، ولن يتأخر إحساس المواطن المصرى بالإنجاز لأن توفير المليارات التى يبتلعها وحش الفساد، سيصب بكل تأكيد فى مصلحة البناء.