احتلالها المركز الثانى عالميا فى التعداد السكانى، لم يشكل عائقا أمام نهضتها وتقدمها، بقدر ما شكل عنصراً من عناصر قوتها وتفوقها.. وأصبحت الهند أرض المعجزات" الأولى عالميا فى توفير فرص العمل، ومكنها ذلك من تحقيق نهضتها بصورة سليمة مرتكزة على أهم أدواتها "العنصر البشرى".
فى ضوء تغير موازين القوى على الساحة العالمية، وتنامى دور الهند عالميا، وعودة مصر لدورها التاريخى والمحورى فى منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، وكذلك مساهماتها الفعالة فى دعم جهود تسوية المنازعات الإقليمية والدولية سلميا من خلال عضويتها غير الدائمة فى مجلس الأمن الدولى، تأتى زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى للعاصمة نيودلهى، خلال الفترة من الأول حتى الثالث من سبتمبر المقبل بناءً على دعوة من نظيره الهندي "براناب موخرجى"، بمثابة نقطة تحول فارقة فى تاريخ العلاقات بين البلدين سياسيا واقتصاديا وأمنيا، ولتعزيز العلاقات والشراكة الاستراتيجية مع دولة تحتل المرتبة السادسة اقتصاديا على مستوى العالم.
بداية علاقات البلدين
مواقف الهند تجاه مصر وشعبها اتسمت بالإيجابية، حيث أيدت نيودلهى خريطة الطريق التى أعلنت عقب ثورة 30 يونيو عام 2013 والتى تمثلت فى إقرار الدستور وإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، فى دعم واضح وصريح لإرادة الشعب المصرى.
لكن العلاقات "المصرية- الهندية" ليست وليدة اللحظة، حيث تربطهما علاقات تمتد إلى أوائل القرن العشرين، من خلال الزعيمين سعد زغلول والمهاتما غاندي، والذين كان هدفهما مقاومة الاحتلال البريطانى فى بلديهما.
وتوطدت العلاقات بين البلدين بشكل أكبر مع قيام ثورة 23 يوليو 1952، ونشأت صداقة قوية بين الرئيس الراحل جمال عبدالناصر ورئيس وزراء الهند الأسبق جواهر لال نهرو، وكلاهما تبنى سياسة عدم الانحياز و الحياد الإيجابي، والتى نشأ عنها حركة عدم الانحياز.
وعند وقوع العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، ساندت الهند مصر، حيث دافع نهرو عن القضية المصرية، وهدد بانسحاب بلاده من رابطة الشعوب البريطانيّة "الكومنولث البريطانى"، وفي أعقاب انكسة 1967، أيدت الهند الموقف المصري والحق العربي ضد إسرائيل وطالبت بعودة الأراضى المغتصبة، كما أنها أيدت فى 1977مبادرة السلام للرئيس السادات، واعتبرتها بمثابة الخطوة الأولى في طريق التسوية العادلة لمشكلة الشرق الأوسط.
الاستفادة من تجربة الهند
بعد أن عرفت الهند طريق الديمقراطية الحقيقية، اختلفت الصورة التى كانت راسخة فى الأذهان لسنوات طويلة عن تلك الدولة، فبعد أن كان الجهل والفقر والتخلف أبرز ملامحها، تغير الوضع بصورة كلية، ولا يكاد يمر يوم إلا ونسمع عن معجزة هندية جديدة.. كان أبرزها النجاح فى تطوير أرخص كمبيوتر محمول فى العالم عام 2010، وهو جهاز يعمل بتقنية اللمس ثمنه ٣٥ دولاراً فقط.. ومن قبله قدمت الهند أرخص سيارة فى العالم بسعر لم يتجاوز ٢٠٠٠ دولار.
الحكومة المصرية تسعى للاستفادة من التجربة الهندية لإنعاش اقتصاد البلاد، وتنسيق الجهود لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية، خاصة مكافحة الإرهاب وتباطؤ نمو الاقتصاد العالمى، وستتناول مباحثات الرئيس السيسى مع الجانب الهندى، سُبل تطوير التعاون الثنائي في مختلف المجالات، خاصة الاقتصادية والاستثمارية والتنموية في ضوء التجربة الهندية المتميزة في تحقيق التنمية الشاملة وتنويع قاعدة صناعتها الوطنية.
الهند، التى تعد ثالث أكبر مستورد من مصر بعد إيطاليا والمملكة العربية السعودية وعاشر أكبر مصدر لها، شهدت تجارتها واستثمارات مع مصر، نموا ملحوظا خلال الأعوام الخمس الماضية، حيث حققت نموا قدره 60 % خلال الأعوام الخمس الأخيرة لترتفع من 3.3 مليار دولار عام 2010/2011 إلى 4.7 مليار دولار عام 2014/2015، وبلغت قيمة صادرات الهند إلى مصر 3.02 مليار دولار بينما بلغت قيمة واردات الهند من مصر 1.74مليار دولار .
ويبلغ عدد الشركات الهندية العاملة فى مصر أكثر من 50 شركة باستثمارات تصل الى 3 مليارات دولار ( غالبيتها فى القطاع غير النفطى) ،وتوفر حوالى 35 ألف فرصة عمل للمصريين وتساهم بشكل كبير فى نمو قيمة الناتج المحلى الإجمالي والصادرات بمصر .
قوة الهند الاقتصادية
البيانات الرسمية، أظهرت أن اقتصاد الهند حقق نمواً بنسبة 7.9 % خلال الربع الأول من 2016، في الوقت الذي حقق فيه اقتصاد الصين، ثانى أكبر اقتصاد فى العالم، نمواً بنسبة 6.7% .
ومن المقرر أن يعقد مجلس الأعمال المصرى الهندى، اجتماعات بالعاصمة دلهى مطلع سبتمبر المقبل لبحث فرص الاستثمار بالسوق المصرية فى إطار رغبة حكومتى مصر والهند فى تعزيز الاستثمارات الهندية بمصر لترتفع إلى 10 مليارات دولار وحجم التجارة الثنائية إلى 8 مليارات دولار بحلول عام 2017 ، كما أن وفدا من إحدى الشركات الهندية الكبرى العاملة فى مجال الآلات الزراعية سيزور مصر الشهر المقبل للقاء الشركات المصرية العاملة بمجال الحاصلات الزراعية لبحث إمكانات التعاون المشترك.
تتمثل أهم الصادرات المصرية للهند في البترول الخام ومنتجاته، الغاز الطبيعى ،القطن الخام، الفوسفات الصخري، فحم الكوك، خردة الحديد والمعادن الأخرى ، الجلود المدبوغة، اليوريا، بذور البرسيم، وتشمل كذلك الإطارات ،ألواح الحديد ،أسلاك النحاس، الرصاص، خيوط النايلون المستخدمة في صناعة الإطارات.
بينما تتمثل أهم الواردات المصرية من الهند فى الزيوت ومنتجات بترولية، الخيوط والغزول القطنية المصنعة، اللحوم ،المركبات، السيارات، الإطارات، مضخات المياه، قطع غيار السيارات والمحركات، الشاي ،الأصباغ والكيماويات ،التبغ ،الأدوية والأمصال واللقاحات، ورق ومنتجات ورقية.