الفساد لا يرتبط ببلد بعينه أو ثقافة شعب دون آخر، حيث بات المقصلة الرئيسية التي تطيح بعدد غير قليل من الرؤساء والوزراء وموظفين عموميين في دول العالم المختلفة.
آخر الرؤساء الذين أقيلوا من مناصبهم على خلفية اتهامهم بالتورط في قضايا فساد، كانت رئيسة البرازيل "ديلما روسيف"، ويبدو أنها لن تكون الأخيرة، حيث ينخر الفساد في أركان معظم المؤسسات والحكومات على مستوى العالم.
"روسيف" أقيلت اليوم وبعد أيام قليلة فقط من ختام الألعاب الأوليمبية "ريو دي جانيرو"، التي نظمتها بلادها، وحققت نجاحًا كبيراً، والتي كانت قد قاطعت رئيسة البلاد حضور حفل افتتاح دورة الألعاب، والتي أقيمت في الخامس من أغسطس الحالي على ملعب ماراكانا، في سابقة تعد الأولى من نوعها.
مجلس الشيوخ البرازيلي صوت، بأغلبية ثلثي أعضائه، على إقالة "روسيف" حيث صوت 61 سناتورًا من أصل 81 لصالح إقالة الرئيسة اليسارية التي كانت قد أنتخبت عام 2010، على أن يتسلم السلطة مكانها نائب الرئيس السابق "ميشال تامر" الذي ينتمي إلى يمين الوسط.
أما عن التهمة التي أقيلت على أثرها رئيسة البرازيل، فكانت انتهاكها قوانين الموازنة العامة للبلاد، من أجل إخفاء العجز قبل إعادة انتخابها للرئاسة في انتخابات عام 2014، حيث قامت بالاقتراض من بنوك تابعة للدولة، إضافة إلى إجراء تغييرات على الموازنة دون موافقة الكونجرس هناك.
رئيسة البرازيل أقيلت وتم الإطاحة بها من منصبها على الرغم نجاح البلاد تحت رئاستها من تنظيم الألعاب الأوليمبية "ريو دي جانيرو" لهذا العام، وسط الأزمة الإقتصادية التي تمر بها البلاد في الوقت الحالي، ناهيك عن الأزمات السياسية والإجتماعية وفي مختلف مناحي الحياة العامة، وخاصة في ظل إنتشار فيروس "زيكا"
أما عن الأزمة الإقتصادية التي مرت بها البرازيل والتي زامنت ولاية "ديلما روسيف"، فقد تجلت في إنكماش النمو المحلي لهذا العام بنحو 4% وفقاً تقرير البنك المركزي، فيما ارتفع معدل التضخم ما أدى إلى تأثر القطاع الإستثماري في البلاد وتكبده خسائر كبيرة، ناهيك عن انخفاض الطلب من شريكها التجاري الرئيسي "الصين"، كما بلغت نسبة البطالة مستويات قياسية حيث سجلت 10.2% وفقا للبيانات الرسمية هناك.
وكانت أبرز ردود الفعل على إقالة "روسيف" فكانت سريعة فور إعلان مجلس الشيوخ عن نتيجة تصويته وعزله لرئيسة البلاد، حيث قام مناصروها من حزب العمال بقطع وإغلاق الطرق في مدينة "سان باولو"، فيما كنوا قد نظموا تظاهرات كبيرة مؤيدة لـ "روسيف" أمس في المدينة نفسها، ما دفع الشرطة إلى تفريقهم عرب إطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع عليهم.
أما المتهمة الأولى في قضية الفساد تلك وهي الرئيسة "ديلما" فكانت قد أكدت براءتها من التهمة الموجهة إليها، جاء ذلك في رسالة وجهتها إلى جموع الشعب، في مؤتمر صحفي، ثم نشرتها في مواقع التواصل الإجتماعي، مشددة على استعدادها التام إلى الدعوة إلى تنظيم استفتاء على إجراء انتخابات مبكرة إذا لم يتم عزلها من منصبها.
محللون كثر أكدوا أن ديلما أضاعت تاريخ حزب العمال اليساري والذي كان قد أسسه الرئيس "لولا دا سيلفا" والذي يحظى بشعبية كبيرة في البرازيل وخاصة من جانب الطبقة الفقيرة، حيث أطلقوا عليه لقب "بطل الفقراء" حيث تمكن من اقناع العديد من رجال الأعمال والطبقة المتوسطة بالالتفاف حول الفقراء.
رئيسة البرازيل "ديلما روسيف" والتي لقبت بسيدة البرازيل الحديدية، بسبب شدتها وسلوكها المزاجي، فقد عرف عنها تعنيف وزرائها على الملأ، كما صنفتها مجلة "فوربس" عام 2015 ضمن مجموعة من أقوى سبع نساء في العالم، كانت قد أكدت منذ لأيام قلائل بأنها لن تقدم استقالتها من منصبها تحت أي ظرف، واصفة محاولة عزلها بالانقلاب على الحكم الديمقراطي، بيد أن دائمًا تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن.