بعد أقل من شهر من التهديدات الصريحة التى أعلنها المرشح الجمهورى لانتخابات الرئاسة الأمريكية دونالد ترامب ضد إيران وتعهده بإلغاء الاتفاق النووى الذى تم إبرامه بين الولايات المتحدة وطهران، ووقف قرار رفع العقوبات الاقتصادية حال فوزه، كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" فى تقرير لها أمس، عن قيام الإدارة الأمريكية الحالية بمنح الحكومة الإيرانية 1.7 مليار دولار، تم تسليم 400 مليون دولار منها بالفعل.
وكشفت "وول ستريت جورنال" عن تفاصيل الدعم الأمريكى الأخير، الذى يأتى قبل أشهر من مغادرة باراك أوباما البيت الأبيض، وسط مخاوف من استخدام تلك الأموال فى تمويل أنشطة إيران المشبوهة فى المنطقة وفى مقدمتها دعم ميليشيات الحشد الشعبى فى العراق، بجانب تمويل التحركات العسكرية لحزب الله اللبنانى داخل سوريا، فضلاً عن تدريب وإعداد العناصر المسلحة لجماعة عبد الملك الحوثى فى اليمن.
وتعد المنحة الأمريكية انتهاكًا لقرار تعليق التحويلات المالية بين البنوك الإيرانية والمؤسسات المالية الدولية، بسبب عدم امتثال طهران لشروط "مجموعة العمل المالى" (Financial Action Task Force) الخاصة بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار التسليح، ومماطلة البرلمان الإيرانى فى إقرار القانون المالى الخاص بمكافحة الإرهاب، بسبب ضغوط المرشد الأعلى للجمهورية آية الله على خامنئى، وتمسكه بدعم وتمويل حركات حزب الله والحشد الشعبى، التى تنفذ حروبًا وأعمال قتل وإرهاب بالوكالة فى سوريا والعراق.
وبحسب تقرير "وول ستريت"، اعترف مسئولون من وزارات الخارجية والخزانة والعدل الأمريكية أمام الكونجرس، بنقل إدارة باراك أوباما 400 مليون دولار إلى إيران خلال العام الجارى كدفعة أولى، ومن المقرر نقل شحنتين أخريين بقيمة 1.3 مليار دولار، موضحين أن تلك الأموال تم نقلها "نقداً" عبر خطوط الطيران بعملات الفرانك السويسرى واليورو وغيرها.
وبرغم عدم دخول قرار رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران حيز التنفيذ، إلا أن المتحدثة باسم الخزانة الأمريكية، دون سيلاك، بررت الواقعة بالزعم بأن تحويل الأموال تم خارج النظام المصرفى، "نقدًا" وعبر عملات أخرى غير الدولار، لا يعد مخالفة للعقوبات المفروضة على النظام الإيرانى، موضحة أن تلك الأموال تأتى فى إطار تسوية قضائية جرت فى محاكم هولندية منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضى بين الولايات المتحدة الأمريكية وطهران، وهى قضية تعود إلى عهد الشاه محمد رضا بهلوى، الذى دفع 400 مليون دولار لصندوق ائتمان تابع لوزارة الدفاع الأمريكية قبل أشهر من الإطاحة به، وأن تلك الأموال كانت مخصصة لشراء أجزاء من الطائرات لكن عملية التسليم لم تتم بسبب اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979.
وأوضحت الصحيفة فى تقريرها، أن بموجب نقل تلك الأموال، أفرجت السلطات الإيرانية عن مسجونين أمريكيين، دون أن تشير إلى أسمائهم أو أسباب اعتقالهم، وهو الأمر الذى علق عليه السيناتور الجمهورى ماركو روبيو، معلنًا تقدمه بتشريع من شأنه منع استكمال دفع تلك الأموال إلى إيران فى المستقبل، والعمل على استرداد ما تم إرساله من مبالغ، معتبرًا أن إدارة باراك أوباما تدفع "فدية" لإيران.
ويأتى قرار إدارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما، بالتزامن مع استمرار النظام الإيرانى فى دعم وتمويل ميليشيات شيعية مسلحة فى سوريا ولبنان والعراق واليمن، حيث حلت إيران فى صدارة قائمة عام 2016 فى مؤشر بازل لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب والتى تضم 149 دولة، وهو ما كشفته أيضًا دورية فوربس الأمريكية فى تقرير لها منذ أسبوع، مشيرة إلى استمرار شركة "ماهان إير" الإيرانية للطيران، المقربة من الحرس الثورى فى تنظيم رحلات سرية لتهريب السلاح والمقاتلين إلى سوريا والعراق عبر أرقام رحلات مزيفة.
وكان المرشح الجمهورى لانتخابات الرئاسة الأمريكية دونالد ترامب، قد أعلن صراحة اعتزامه إلغاء الاتفاق النووى مع إيران حال وصوله البيت الأبيض، وقال فى تصريحات سابقه إن "إدارة باراك أوباما، حولت إيران الراعية للإرهاب إلى قوة فاعلة فى المنطقة"، متهمًا النظام الإيرانى بتمويل الإرهاب، والعمل على زعزعة الاستقرار فى الشرق الأوسط.
وتأتى المنحة الأمريكية الأخيرة، فى الوقت الذى يعانى فيه الاقتصاد الإيرانى العديد من الأزمات، حيث كبدت العقوبات التى فرضتها الأمم المتحدة قبل أكثر من 10 سنوات الحكومة الإيرانية خسائر بلغت 160 مليار دولار من عائدات النفط المجمدة، فيما تسجل البطالة نسبة 13.5% من تعداد السكان، بواقع 2.2 مليون عاطل، تحتاج الحكومة إلى 800 ألف وظيفة سنوياً لاستيعاب تلك النسبة.