كل يوم يثبت محمود عباس أبو مازن، رئيس السلطة الفلسطينية أن لديه قدرة فريدة على إبهار الجميع بأدائه المسرحى، بشكل يؤهله دون غيره للمنافسة على جائزة الأوسكار أحسن ممثل، فهو بارع فى إظهار انفعالاته ليوحى لمن يراه بأنه غاضب، حتى حينما يشير بأصبعه لأحد مساعديه ليمده بسيجارة ينفس من فمه دخانها يعبر من خلاله عن ضيقه من أمر ما، فهو يحاول تصدير صورة معينة لمن يجلس معه حتى وأن كانت هذه الصورة لا تعبر عن حقيقة ما يجول فى صدر أبو مازن .
هو ممثل جيد يلتزم دوماً بالنص الذى يعطى له، لكن ما يفرقه عن الآخرين قدرته على الإبداع الجسدى، لذلك لم يكن مستغرباً بالنسبة لى أو أى متابع لما يقوله ويفعله محمود عباس أن نرصد كل يوم تناقض فى أقواله وتصرفاته، فهذا هو أسلوبه الذى أعتاد أن يسير عليه، معتقداً أنه يحقق من ورائه ما يريده، ويثبت أركانه على كرسى السلطة الفلسطينية .
لم يكن غريباً بالنسبة لى أن أستمع لتقارير تؤكد أن محمود عباس كان عميلاً للإتحاد السوفيتى، وأن أسمه ظهر عام 1983، فى قوائم الاستخبارات السرية السوفيتية باعتباره "عميلاً فى دمشق"، وأنه تم تجنيده للعمل لحساب المخابرات السوفيتية حينما كان طالباً فا موسكو، حيث أنهى أطروحة دكتوراه فى علم التاريخ عام 1982، لأنه لم يكن غريباً للكثيرين التيقن من شخصية عباس غير المستقلة، والتى يبدو أنها تخضع لإملاءات خارجية تحدد له كيف وأين ومتى يتحرك .
أذا ربطنا هذه التقارير بما كشفته الوثائق التى نشرتها انفراد والتى تؤكد أيضاً العلاقة القوية التى تربط أبو مازن بالقيادة الروسية، سنصل إلى نتيجة منطقية تسير كلها فى اتجاه واحد، وهى أننا أمام واقع يقول أن أبو مازن ليس الا تابعاً لقوة تحركه من الخارج، قد تكون روسيا أحد المشتركين فى تحريكه، لكنها ليست كل شئ، فهناك حسب قيادات فتحاوية تركيا وقطر، اللتان يهمهما ضرب الدول العربية باستخدام أبو مازن، وهناك أيضاً إسرائيل التى أكدت قياداتها فى وقت سابق ترحيبها باختيار عباس رئيساً للسلطة .
الوثائق والمراسلات التى نشرتها انفراد أكدت التناقض فى مواقف أبو مازن، وهذا التناقض لا يأتى أبداً من شخصية تحظى بالأستقلالية، الا اذا كنا أمام شخص غير متزن، وهنا نكون أمام وضع مختلف يحتاج لترتيبات فلسطينية تؤمن لهم الحفاظ على وضعية السلطة الفلسطينية قبل أن تنهار على يد أبو مازن .
التناقض يكمن فى أن أبو مازن قبل أسبوع خرج ليعلن للجميع رفضه لأية تدخلات فى الشأن الفلسطينى، وقال نصاً "لنتكلم كفلسطينيين كفى الامتدادات من هنا وهناك، والذى له خيوط من هنا وهناك الأفضل له أن يقطعها و(إن لم يقطعها فنحن سنقطعا)، هذا وطنا وعلاقاتنا مع جميع العالم يجب ان تكون طيبة وجيدة لكن لا احد يملى علينا موقفاً ورأياً نحن أصحاب القرار ونحن الذين نقرر وننفذ ولا احد له سلطة علينا، وهذا ما نريده"، لكن ما نشر من وثائق أثبت أن الداعى للاستقلالية ليس الا شخص متورط فى الأزمتين السورية واللبنانية، حيث يسعى للدفع بأحد أصدقائه لتولى رئاسة لبنان، بمساعدة من روسيا والولايات المتحدة وفرنسا، فيما يحاول التوصل إلى حل فى سوريا وفقاً لخطة طرحها بالكامل على الجانب الروسى.
ففى التاسع من يونيو الماضى أرسل أبو مازن السفير أنور عبد الهادى، مدير الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية، إلى موسكو ليطلب من الروس "ضرورة التحرك بشكل جاد مع إيران وسوريا للتوافق على رئيس وسطى فى لبنان المقبول تقريباً من الجميع، وداعما لمصالح الجميع السيد جان عبيد"، وجا فى تقرير عبد الهادى لأبو مازن أنه أبلغ نائب وزير الخارجية الروسى ميخائيل بوغدانوف " يستطيع الرئيس عباس أن يأتى بالضمانات من السيد جان عبيد لضمان مصالح الأطراف فى لبنان وخاصة العماد ميشيل عون، لأن الوضع فى لبنان خطير وعدم انتخاب رئيس سيؤدى للفوضى"، ولم يكتف أبو مازن بذلك، وإنما حاول التحدث مع الفرنسيين للدفع بصديقه "جان عبيد" ليكون رئيساً للبنان بدعم روسى أمريكى فرنسى، وهو ما يتضح من رسائل السفير سليمان الهرفى، رئيس بعثة فلسطين لدى فرنسا إلى محمود عباس التى كشفت عن تفاصيل تحركات أبو مازن فى باريس .
وفى الشأن السورى فأن أبو مازن يحاول مع الروس التحرك على ثلاثة محاور، وهى السعى لعقد أوسلو سورى، وعقد مؤتمر وطنى فى دمشق بحضور 150 شخصية، ثلث من المعارضة، وثلث من النظام، وثلث مستقلين بضمانات روسية وأمريكية والأمم المتحدة، والاتفاق على فرض وفد واحد من المعارضة يتم اختياره من قبل روسيا والأمم المتحدة وأمريكا وفلسطين من كافة وفود المعارضة.
السؤال الأن هل نحن أمام شخصية متناقضة وغير متزنة، أم تنفذ أملاءات خارجية؟.. واذا كان خاضع للخارج فمن الذى يحركه من الخارج خلف المسرح السياسى؟.. وهل بالفعل عباس عميل سابق للمخابرات الروسية وهل لازال عميلاً لها؟.. ولماذا أنتقد المتدخلين فى الداخل الفلسطينى وهو متورط فى سوريا ولبنان؟.. هذه أسئلة لا يملك الأجابة عليها سوى أبو مازن نفسه وليس غيره .