واحدة من مفارقات القدر السياسى فى مصر، انشغال النخبة السياسية بما تفعله السلطة دون أن تنشغل بوضعها وموقفها ومستقبلها، وانشغال الإعلام بهمسات السلطة دون أن ينشغل بما تفعله النخبة السياسية ممثلة فى أحزاب وتيارات مختلفة، يتحدث كثيرون من أهل النخبة والإعلام طوال الوقت عن البديل وعن التنوع السياسيى دون أو يوجهوا اللوم أو حتى يدرسوا حالة الأحزاب والتيارات السياسية المختلفة التى تتحدث كثيرا عن التنوع دون أن تتحدث عن فشلها فى إثراء هذا التنوع وحجز مكان على الساحة السياسية، هل سألت نفسك يوما أين الأحزاب السياسية والنخبة والتيارات المختلفة مما يحدث فى مصر الآن؟ هل يجوز أصلا أن يكون لمواقع التواصل الاجتماعى صوت أعلى من أصوات الأحزاب السياسية؟ هل من المنطقى أن تمر مصر بكل هذه الأزمات وكل هذه النجاحات ولا نسمع صوتا من حزب سياسى يقدم حلولا مقترحة أو يساعد فى استكمال النجاحات أو الإنجازات أو على الأقل يعلن دعمه لمن يعمل وينجز وينجح من أهل السلطة؟
المحصلة النهائية أن الأحزاب السياسية التى يخرج رموزها للتنظير على الحكومة كل ليلة عبر الفضائيات أولى باهتمام رموزها من السياسيين وأولى بنقدهم حتى ينصلح حالها، ويكون لها دور فعلى فى الدولة المصرية، المصريون عاشوا سنوات كثيرة وهم ينتظرون من الأحزاب السياسية الكثيرة، بناء على الكلام المعسول الذى يسمعونه من نخبتها ومن رموزها السياسية دوما، ولكنهم لم يشهدوا لحظة تحول هذه الكلمات إلى واقع، ينتظر المصريون كثيرا من الأحزاب، ولكنهم لا يحصلون على شىء أبدا، سوى المزيد من الصراعات والكثير من الشكاوى، والتنظير والعديد من النداءات للحكومة وللرئيس، وكأن الأحزاب المصرية فى انتظار من يقودها.
قبل الثورة، كان أغلب القيادات الحزبية يتحججون بالقبضة الأمنية التى تمنعهم من العمل فى الشارع، ومشاركة الجمهور مشاكله بالحل أو النقاش، وبعد الثورة ظلت نفس الأحزاب القديمة على حالها، تشكو من تضييق ما لم يلمسه أحد، ثم تطورت حججها فى عدم تحقيقها لإنجاز ما على الأرض بأن الأحزاب الدينية تستغل الدين والسكر والزيت فى السيطرة على الشارع، هذا عن الأحزاب القديمة التى ما زالت تشكو حتى الآن دون أن تبذل مجهودا واضحا فى العمل على الأرض لجذب المزيد من الجمهور، أما عن الأحزاب الجديدة الوليدة التى ظهرت بعد الثورة، فقد ظلت لشهور طويلة تطالب بمزيد من الوقت والصبر حتى تحقق وجودا فى الشارع، وتتحجج بحداثة العهد حين يسألها أحد عن وجودها فى الشارع، لتكون المحصلة فى النهاية مجموعة أحزاب تصدر المشاكل وتتلذذ بمناقشة أخطاء الدولة ومناشدتها لحل كذا أو نقاش كذا، دون أن تلتفت إلى مشاكلها الداخلية، أو مشكلتها الكبرى بأنه لا حزب سياسى دون جمهور، ثم وصلنا جميعا إلى ذروة المشاكل الحزبية، حينما بدأت الأحزاب تطلب من الرئيس والحكومة التدخل لحل خلافاتها الداخلية، مثلما حدث فى قضية حزب الوفد الذى جمع الرئيس أطرافها المخالفين فى خطوة أظهرت حرصه على عدم انهيار أكبر الأحزاب المصرية وأقدمها، حتى فاجأنا قيادات الحزب أنفسهم بأن الرئيس أحرص منهم على تماسك حزبهم.
الأزمة هنا ليست فى حزب الوفد بمفرده، ولا فى الحياة الحزبية المصرية، الأزمة الآن تخص الوطن الذى خاض معركة 30 يونيو تحت مظلة شعار عريض هو المشاركة فى إنقاذ هذا الوطن، فوجد المواطنون أنفسهم سائرين مع السلطة بمفردهم لمواجهة الإرهاب والتحديات الاقتصادية والسياسية والدولية، بينما الأحزاب أغلبها مشغول بصراعاته الداخلية، ومعظمه كسول عن إعادة هيكلة تكوينه وإداراته للمنافسة فى الانتخابات، أو تقديم أى دعم للسلطة أو الحكومة عبر اقتراحات أو ملفات تخدم الشق الأمنى أو الاجتماعى أو تعين الدولة على مواجهة التحديات الخارجية، حتى الانتخابات البرلمانية التى تلعب الأحزاب على وتر اتهام الدولة بتأخيرها، هى فى الأصل انتخابات مؤجلة، لأن هذه الأحزاب لم تتفق فيما بينها على كيان موحد لخوضها، أو تحالف واضح للتعامل معها، كما لم يتفق كل حزب بمفرده على شكل خريطته فى خوض هذه الانتخابات، بدليل أنه حتى قبل تأجيل الانتخابات كانت أغلب القوائم الحزبية غير مكتملة المرشحين.