استغلت الولايات المتحدة الأمريكية أحداث الحادى عشر من سبتمبر ذريعة لتنفيذ مخططاتها الاستعمارية فى منطقة الشرق الأوسط، تحت غطاء "الحرب على الإرهاب"، وتمثلت سياساتها الخارجية فى التدخل المباشر مثلما حدث فى غزو العراق وأفغانستان، أو بطريق غير مباشر متمثلاً فى زرع بذور الفتنة والفوضى الخلاقة وصولا لأهدافها مثلما حدث فى سوريا، وهى الآن تواصل نفس الاستراتيجية ولكن بطرق مختلفة.
قبل أيام، أقر الكونجرس الأمريكى قانون "جاستا" أو ما يعرف بـ"العدالة ضد رعاة الإرهاب"، ويسمح القانون لأهالى ضحايا الهجمات الإرهابية، ومنها أحداث 11 سبتمبر، بمقاضاة الدول الأجنبية المتورطة فى تلك الهجمات والحصول على تعويضات، الأمر الذى أثار حالة من الجدل، خاصة بعد مطالبة البعض بمقاضاة السعودية، بموجب القانون الجديد، للحصول على تعويضات لأهالى الضحايا مؤكدين دعمها لتلك الهجمات، على الرغم من عدم ثبوت ضلوع المملكة فى هجمات 11 سبتمبر، إلا أن القانون يترتب عليه أبعاد سياسية واقتصادية خطيرة على كلا البلدين، ويغير خريطة السياسة الخارجية الأمريكية خاصة من منطقة الشرق الأوسط.
ومنذ الوهلة الأولى، كشفت طريقة إقرار القانون عجز إدارة أوباما، الذى يستعد لترتيب حقائبه للخروج من البيت الأبيض، حيث لم يستطع "الفيتو" الرئاسى منع إصدار القانون، بعدما تم نقضه الأمر الذى وضع إدارة أوباما فى موقف محرج وكان بمثابة انتصار للكونجرس على الرئيس، واكتفى أوباما بإصدار تصريحات يحذر خلالها من نتائج تطبيق القانون ويصفه بـ"الخاطئ"، وأنه يخلق خصومات لأمريكا مع حلفائها ويزيدها العداوات مع جيرانها، بالإضافة إلى أن التشريع الجديد غير قادر على حماية الأمريكيين من الهجمات الإرهابية، ويسمح برفع دعاوى ضد دول غير مصنفة إرهابية، الأمر الذى يضر بالمصالح الأمريكية ويفقدها بعض حلفائها.
أما موقف الاتحاد الأوروبى فقد حذر من خطورة إصدار قانون جاستا، مؤكداً أنه سيدفع بدول أخرى لتطبيق نفس القانون وبشكل أوسع، مشيراً إلى أن التحقيقات الأمريكية لم تثبت إدانة الحكومة السعودية، أو أى من المسئولين بها، فى تمويل أو المشاركة فى هجمات الحادى عشر من سبتمبر، الأمر الذى يجعلها تخسر الرياض، أحد أهم شركاء واشنطن فى مكافحة الإرهاب، ما يؤثر سلبا على الاقتصاد الأمريكى.
القانون الجديد سوف يعيد رسم خريطة السياسة الخارجية الأمريكية من جديد، خاصة أنه يمثل تصعيداً خطيراً فى العلاقات الأمريكية السعودية، وظهرت بوادر هذا التصعيد فى رد وزارة الخارجية وتأكيدها رفض الرياض لإقرار القانون الأمريكى، حيث وصفه عادل الجبير، وزير الخارجية السعودى، بأنه يشكل "مصدر قلق كبير للمملكة"، مهدداً بسحب بلاده 750 مليار دولار، موجودة على شكل سندات وأصول، من الولايات المتحدة، خوفاً من تجميدها قضائياً.
وتبدأ السعودية البحث عن حلول خارج الصندوق للخروج من تلك الأزمة، خاصة أنها أحد أكبر حلفاء الأمريكان فى الشرق الأوسط، سياسياً واقتصادياً، أبرز تلك الحلول ضرورة تخفيف التعاون الأمنى والعسكرى مع الولايات المتحدة، والذى تنامى بشكل كبير خلال الفترة الماضية، فضلاً عن ضرورة الضغط على مجلس التعاون الخليجى لاتخاذ إجراءات صارمة ضد الولايات المتحدة، وعدم استخدامها قواعدها العسكرية بالمنطقة.
أما على الجانب الاقتصادى فيجب تنويع الشراكات الدولية للرياض لإيجاد بدائل للأمريكان خلال الفترة المقبلة، الأمر الذى يتطلب تنويع سلتها الاستثمارية وعلاقاتها التجارية، ما يتطلب التركيز على العالم العربى والاقتصاديات الكبرى، فضلا عن تركيز علاقاتها الاستراتيجية والتجارية مع دول ذات ثقل اقتصادى، مثل اليابان والهند وكوريا والصين وإندونيسيا.