دمرنا للإسرائيليين 18 دبابة وعربة مجنزرة يوم 24 أكتوبر وجثثهم كانت تملأ شوارع المدينة
قائد المقاومة الشعبية: الماء تدفق من بئر جافة قديمة بالغريب وغطت احتياجات كل فى السويس طوال فترات الحصار وجفت فور فضه
أردنا نقل جثمان صاحب أول طلقة فى المقاومة الشعبية بعد 3 أشهر من استشهاده فوجدناه مبتسما وكأنه توضأ منذ لحظات
على الرغم من مرور 43 عاما على انقضاء أحداث الملحمة الشعبية التى سطرها شعب السويس فى 24 أكتوبرعام 1973، إلا أنه لم يستطع أى من الكتاب أو المؤرخين، أن يرصد بشكل دقيق تطور الملحمة بأحدثها وأماكنها وشخصياتها الحقيقية، بمثل الدقة التى وصفها الزميل صبرى الديب فى كتابة (خفايا حرب أكتوبر) التى أوردها على لسان قائد المقاومة الشعبية بمدينة السويس الشيخ(حافظ سلامة)، وذلك خلال عدة ساعات قضاها معه على جلسات متعاقبة، داخل مسجد الشهداء بمدينة السويس، سرد خلالها الملحمة بكامل تفاصيلها وأبطالها، منذ محاصرة القوات الاسرائيلية للمدينة، مرورا بالمعارك البطولية التى خاضتها المقاومة، وانتهاء بالقضاء على كامل القوات الاسرائيلية وتحرير كامل تراب المدينة.
يقول صبرى الديب فى كتابة، روى لى الشيخ حافظ: أن بداية المواجهات بين المقاومة الشعبية وقوات الاحتلال الإسرائيلى قد بدات ليلة 23 اكتوبر 73، الموافق 27 رمضان، وتحديد عندما دخل علينا الشيخ(عبدالله رضا) احد رجال الازهر فى مسجد الشهداء مسرعا، واخبرنا انه شاهد الاليات الاسرائيلية، وهى تدخل المدينة وتتجه إلى منطقة الزيتيات.. فسألته فى لهفة: انت متأكد؟.. فقال:لقد شاهدتها وكان معى العميد(عادل اسلام).. وهنا ادركت حجم الخطر الذى بدأت تتعرض له المدينة.. فقبل يومين حاصر اليهود المدينة ضاربين بقرارات مجلس الامن عرض الحائط، واليوم يريدون احتلال المدينة.. فخرجت مسرعا وجمعت عدد كبير من المدنيين والجنود، ولا تصدق مدى الاستجابة الكبيرة، وفى زمن قياسى نجحنا فى اعداد عدد من الكمائن فى اماكن مختلفة من المدينة، وزودنا افرادها بما تيسر من الاسلحة المتاحة لدينا.
وجاء موعد صلاة الفجر، وفوجئنا بحضور (محمد بدوى الخولى) محافظ السويس فى ذلك الوقت، وبصحبته مدير الامن اللواء (محيى الدين خفاجة) وفور انتهاء الصلاة، تحدث المحافظ إلى المصليين الذين اكتظ بهم المسجد، مؤكدا (أن القوات الاسرائيلية لم تأتى لاحتلال المدينة، ولكنها جاءت هاربة امام تضيق الخناق عليها وإنها الان محاصرة) فتعجت من كلام المحافظ، وانتظرت حتى انصرف وطلبت من المصلين الذين جاءوا لانضمام الينا الانتظار.. ووقفت وأكدت أن المحافظ يريد ألا يرعب الناس ولكننا بالفعل فى خطر.. وأمرت شاب كان بجوارى شاب يدعى (أشرف عبد الدايم) بقيادة عدد من الشباب وجمع اكبر عدد من السيارات وتحطيمها وإغلاق كل مداخل المدينة بها بعد اشعال النار فيها.. وبالفعل نجح الشباب فى ذلك فى وقت قياسى، وملأوا كل مداخل المدينة بالمتاريس، وما هى إلا دقائق حتى فوجئنا بطلعات جوية اسرائيلية دكت مناطق متفرقة من المدينة، وأشعلت الحرائق فى كل مكان.
فى الوقت الذى أخبرنى شاب يدعى (محمد عبدالقادر) أنه موجود بشركة السويس لتصنيع البترول، وأن القوات الاسرائيليه قد مرت من امامة فى اتجاهها إلى شركة الاسمدة وميناء الادبية.. فأمرته أن يظل فى مكانه ليبلغنا بتحركاتهم اولا بأول.. وما هى إلا دقائق حتى ابلغنى بدخولهم إلى شركة السويس للأسمدة.. فأمرت الشباب بالتمركز فى الاكمنة، وعدم الدخول مع الاسرائيليين فى اشتباكات فى الاماكن التى دخلوا اليها، وتركهم يطمئنون تماما أن المدينة مستسلمة ولا يوجد بها مقاومة، حتى يبدأوا فى التجول والمرور فى طمأنينة امام الكمائن، وحين ذاك يبدأ التعامل معهم.. وبالفعل كان لنا ما اردنا.
واذكر انه فى تلك اللحظات جاءنى (غريب الليمونى) مسرعا، وأكد لى أن الاسرائيليين فى طريقهم لدخول قلب المدينة عن طريق شارع الاسماعيلية فأمرته مع عدد من الشباب بالتحرك سريعا وإبلاغ الكمائن.. واذكر أن خبر دخول الاسرائيليين قد اثار الشباب داخل المدينة فتدفقوا على المسجد بأعداد كبير وهم ثائرون مطالبين بتزويدهم بالسلاح.. وهنا وجدت انه لا مفر من الاستعانة بأسلحة المصابين من افراد القوات المسلحة فى المستشفيات، وبالفعل أمر مجموعة من الشباب بالمرور على المستشفيات وجمع السلاح من المصابين وزودت بها الشباب.
أولى طلقات المقاومة الشعبية
وما هى إلا دقائق حتى بدأت شرارة المقاومة.. حيث دخلت القوات الاسرائيلية إلى المدينة بكول مكون من 13 دبابة وعربة مجنزرة وهم مطمئننون تماما انه ليس هناك مقاومة.. ولكنها عندما وصلوا إلى منطقة(زر وشارع الجبش) وبالتحديد بجوار(سينما رويال) كان فى انتظارهم كمين مكون من الابطال(ابراهيم سليمان ـ محمود عواد ـ محمد البهنسى ـ محمود عبدالقادر) فأطلق(ابراهيم سليمان) أول قذيفة للمقاومة الشعبية من مدفع اربجية كان يحمله فأصاب الدبابة الاولى فى الكول الاسرائيلى، وأطلق القذيفة الثانية على سيارة مدرعة تسمى طوباز فدمرها بمن فيها.. ولان المدفع الدى كان يحمله لم يكن به سوى طلقتين فقد اندفع والقى بقنبله ملز كانت بيدة إلى داخل الدبابة ففجرها بمن فيها، فارتعب أفراد الكول الإسرائيلى وتركوا اسلحتهم وهربوا فى شوارع المدينة وسط مطاردات من ابطال المقاومة، إلا انهم ما يزيد عن 40 جنديا منهم استطاعوا الاختفاء داخل قسم الاربعين.
واشتدت المعركة وحاول كول اخر من القوات الاسرائيلية الدخول إلى المدينة، إلا انه استصدموا بكمين كان بداخلة الأبطال (احمد ابو هاشم ـ وسيد حافظ ـ وابراهيم محمد يوسف) حيث دارت معركة شرسة بين الطرفين، دمر ابطال المقاومة الشعبية خلالها 6 دبابات اسرائيلية.. وانتهت باستشهاد البطل(احمد ابو هاشم).
وظلت المقاومة تؤدى دورها الجليل من كمين إلى كمين، إلا أن 7 دبابات اسرائيلية نجحت فى الدخول إلى منطقة الزيتيات، وحصار مسجد الشهداء ومبنى المحافظة، إلى أن تمكن ملازم اول بطل يدعى (صفوت) من التسلل وتصويب قذيفه من آربى جيه لم يكن به سوى طلقة واحدة، فدمر احدى هذه الدبابات وفرت الدبابات الـ 6 وتم فك الحصار، الا انه عند عودته رأته دبابة فصوبت قذيفة كاملة فى اتجاهه فأسقطته شهيدا.. وهربت الدبابات إلى منطقة بورتوفيق، إلا أن رجال كتيبة الصاعقة الذين كانوا فى تلك المنطقة استطاعوا بث الغام فى طريقهم فدمروا 4 دبابات وفرت دباباتين إلى خارج المدينة.
معركة قسم الاربعين.
وهنا وجد الإسرائيليون انفسهم فى حيرة، فقد انتهى اليوم الاول من مواجهاتهم مع شعب السويس وجثث قتلاهم تملا الشوارع بالمئات، ونجحت المقاومة فى تدمير 18 دبابة و5 عربات مدرعة، إلى جانب وجود مايزيد عن 40 جنديا مازالوا محاصرين داخل قسم الاربعين.. ولذلك بدأوا مع حلول الظلام فى دك اجزاء كبيرة من المدينة..فى الوقت الذى اشتبك فيه ابطال المقاومة مع الجنود الاسرائيليين فى قسم الاربعين، ودارت معركة شرشة بينهم امتدت ليلة 25 اكتوبر بالكامل، حاول خلالها صاحب اول طلقة فى ملحمة المقاومة الشعبية فى السويس البطل(ابراهيم سليمان) أن يقفز اليهم من السور الخلفى للقسم، مع كل من الابطال (محمد يوسف وحافظ ابراهيم) إلا انه على الرغم من نجاحهم فى قتل العديد من الجنود المحاصرين، إلا انهم جميعا لقوا شرف الشهادة فى تلك المعركة.. خاصة مع اشتداد الدك الجوى الإسرائيلى واسقط علامات فسفورية مضيئة مكنت باقى الجنود الاسرائليين من الخروج والهروب إلى خارج المدينة
ويسترجع الشيخ حافظ سلامة شريط ذكرياته ويقول: ما إن انتهت معارك ليلة 25 أكتوبر حتى بدأنا فى تدعيم الكمائن بمزيد من الاسلحة، وكلفت نقيب شرطة يدعى( حسن اسامة عسر) بالبحث عن اربجيهات فى المدينة، وبالفعل نجح فى جمع 13 اربيجية تم توزيعهم على 13 كمينا .
و حاول اليهود دخول المدينة من محاور جديدة، ظنا منهم انها قد تكون خالية من المقاومة، إلا انهم فوجئوا بمقاومة شديدة.. ورغم ضعف إمكانياتنا إلا اننا كنا نفاجأ انه مع اول دبابة او عربة يم تدميرها نجد باقى قواتهم تسرع هاربة، لدرجة انه مع الساعة 8 من صباح ذلك اليوم كانت حصيلتنا 8 قطع ما بين دبابة وعربة مصفحة.. وظل الحال على ما هو عليه إلى أن نجحت القوات الاسرائيلية فى دخول شركة مصر للبترول.
لقاء بين المحافظ والقائد الاسرائيلى
فى تلك اللحظات ابلغنى(محمد عبدالقادر) انه لن يستطيع أن يظل فى مكانه وابلغنى أن القائد الإسرائيلى قام بالاتصال بـ(سعد الهاكع) مدير شركة مدير شركة السويس للبترول واخبره انهم قد جاءوا لاحتلال المدينة، وان عليه أن يبحث عن المحافظة ليعلن استسلام المدينة ويسلمها للقوات الاسرائيلية حقنا للدماء، وانصرف محمد عبد القادر متسلسلا دون أن نعرف باقى التفاصيل، التى شاء القدر أن اعلم باقى تفاصيلها من القائد العسكر للمدينة العميد(عادل اسلام) بعد دقائق.
فقد ارتعد(سعد الهاكع) وظل يبحث عن المحافظ فى المدينة إلى أن علم انه موجد بمنزل(الحاج مصطفى) بحى الاربعين
وبالفعل اصطحب الهاكع القائد الإسرائيلى إلى منزل الحاج مصطفى للقاء المحافظ.. ودون مقدمات قال القائد الإسرائيلى للمحافظ:(اننا جئنا لاحتلال المدينة، واذا لم تسلمها الينا خلال نصف ساعة من الان نسوف نأمر الطيران بدكها وتكون انت المسئول).
فرد عليه المحافظ: أعطنى مهله لاستشير القاهرة.
فرد القائد الإسرائيلى بحدة: لا القاهرة ولا تل أبيب.. موعدنا بعد نصف ساعة فى الاستاد الرياضى، فاذا لم تحضر ومعك الراية البيضاء فتحمل مسئولية ما يحدث.
وبالفعل انصرف القائد الإسرائيلى تاركا المحافظ فى رعب وحيره، فالمغامرة بالدخول فى مواجهة عسكرية بحجم القوات الموجودة فى المدينة، امام كم الدبابات والقوات الاسرائيلية المدججة بالسلاح التى تحاصر المدينة، قد يؤدى إلى مأساة، وخاصة أن قواتهم قد نجحت بالفعل فى الدخول إلى خلف الاستاد الرياضى.
المحافظ يقرر تسليم المدينة
واذكر انه فى تلك الحظات جاءنى القائد العسكرى للمدينة العميد(عادل اسلام) وهو فى منتهى الانزعاج والتوتر، فوجدنى اوزع السلاح فى صحن المسجد على شباب الكمائن.. فطاب منى الصعود بمفردنا إلى مكتبى بالطابق الثانى.. واخبرنى بما حدث بين المحافظ والقائد الإسرائيلى.. واكد لى أن المحافظ قد وافق على التسليم، وانه لم يتبق من المحله التى منحها القائد الإسرائيلى سوى عشر دقائق.
فقلت له منفعلا: إننى لن أسلم، وسأواصل القتال، والموت شرف لنا عن الاستسلام.. وكيف اسلم وقد نجحنا امس فى تدمر 18 دبابة وعربة مدرعة وقتل مئات الجنود، واليوم نجحنا فى تدمير 8 قطع وقتل من فيها.. فكيف أسلم.
وطلبت منه أن يبلغ المحافظ بهذا القرار.. وبمجرد أن اتصل بالمحافظ صاح فيه: انت فين يا عادل لم يتبق من المهله سوى 5 دقائق، والقائد الإسرائيلى فى انتظارنا والموقف متأزم.
فقال له العميد عادل: انا عند الشيخ حافظ بستشيره يا فندم، وياريت تمر علينا لنتشاور فى الامر لان الشيخ والشباب يرفضون التسليم.
فرد عليه: هو حافظ قائد عسكرى يا عادل علشان تسيشيره.. يا عادل القائد الإسرائيلى فى انتظارنا، وانا لا أدرى عواقب التأخير ولا بد أن نذهب.
وهنا صحت فى العميد عادل: أعلم من الآن أنت والمحافظ ومدير الأمن أننى من الآن مسئول عن المدينة عسكريا ومدنيا، وعلى كل منكم أن يظل فى مكانه، وسأتولى أنا والشباب مسئولية القتال
فرد العميد عادل: وأنا معكم يا شيخ.
الإسرائيليون يعلنون تسليم المدينة من مكبرات الصوت بالمساجد
وفى تلك الحظات سمعنا الاسرائيليين يعلنون من خلال مكبر الصوت بمسجد المعهد الدينى أن السويس قد استسلمت.. وان المحافظ قد سلم المدينة.. وعلى المدنيين التوجه إلى الاستاد الرياضى حيث ستقوم القوات الاسرائيلية بترحيلهم خارج المدينة.
فنزلت مسرعا من المكتب، وتحدثت إلى شعب السويس من خلال مكبر الصوت بمسجد الشهداء، خوفا من أن يؤدى ما اعلنه الاسرائيلين إلى زعزعة عزيمة المقاومة.. وصحت بأعلى صوتى: (ايها الشباب.. أن الله وعدنا النصر، وما علينا إلا أن نستمر فى المقاومة إلى اخر قطره من دمائنا.. فلنجعل شعارنا الموت فى سبيل الله خير من الاسر فى يد الاعداء.. واعلموا اننا سنقاوم مع رفضنا للإنذار الاسرائيلى، اما انتم ايها اليهود الجبناء فاعلموا أن ارض السويس فى حاجة إلى أن تروى بدمائكم).
وبفضل الله احدث الرد الذى وجهته من خلال مكبر الصوت فعل السحر ودويا فى المدينة، وظن الاسرائيليون أن هناك تعزيزات قد وصلتنا.. ولذلك لم ينفذوا تهديداتهم بضرب المدينة، ومر يوم 25 اكتوبر 29 رمضان، بهدوء وظلت المقاومة تؤدى دورها حتى يوم 30 اكتوبر حينما بدأت قوات الطوارئ الدولية الدخول إلى المدينة، وتواطئت مع القوات الاسرائيلية وأدخلتها إلى المدينة ضمن قواتها، حيث احتلت جزء من منطقة المثلث، ورغم ذلك تمكنت المقاومة من صدها وتدمير عدد من القطع العسكرية واضطرت القوات الاسرائيلية إلى الهروب خارج المدينة.. ثم عاودت الدخول من منطقة الزيتيات مع قوات الامم المتحدة ايضا، إلا أن شباب المقاومة اشتبك مهم مره اخرى ودارت معركة شرسة عند مدرسة السويس الثانوية ومساكن الملاحة، ونجح شباب المقاومة ايضا فى طردهم.
جثمان صاحب أول طلقة لم تتحلل
وعن المواقف التى لا ينساها قائد المقاومة الشعبية بالسويس خلال ملحمة السويس قال: انه بدخول قوات الطوارئ انتهت المقاومة العسكرية.. لنجد انفسنا امام معركة اخرى لا تقل اهمية عن العمليات العسكرية، وهى وجود اكثر من 20 ألف مواطن ما بين مدنيين وعسكريين بالمدينة فى حالة حصار ودون مياه أو طعام، بعد أن قطعت القوات الإسرائيلية المياه عن المدينة، ودمرت كل مخازن المواد الغذائية الكبيرة..ولذلك كان علينا أن نبحث على مخرج وألا فسيكون مصيرنا جميعا الهلاك.
ولكن سبحان الله..اذكر واننى من حيره من امر توفير مصدر المياه، جاءنى رجل يزيد عمره عن 85 عاما، اقسم اننى لم أره قبل أو بعد ذلك.. واخبرنى أنه يوجد فى منطقة الغريب بئر قديمة كان يستخدمها اهل المدينة منذ مئات السنين، وان تلك البئر فيها سر من أسرار الله، وأنه ما علينا إلا أن نلقى بها بعضا من السكر ونقرأ الفاتحة، وسيتدفق منها الماء بأمر الله.. وبالفعل ذهبت إلى مكان البئر، وفعلت ما قاله الرجل.. ونظرت فى البئر فلم اجد فيه سوى بعض الماء لا بزيد عن 70 او 80 سنتمترا، فقلت انه لن يكفى اكثر من 10 جراكن.. ولكن ما أن علم الناس بأمر البئر حتى تدفقوا بآلاف وبدأوا يملئون من تلك الماء العذبه، وأنا انتظر أن تجف، فلا تجف، وظل اهل السويس يشربون منها إلى أن تم رفع الحصار عن المدينة.
وأذكر فى أنه فى تلك الفترة قررنا حفر بئر بجوار مسجد الشهداء نستخدم ماءها فى الوضوء، ونحن نعلم انها سوف تخرج ماء مالحة نظرا لطبيعة أرض المدينة، إلا أن المفاجأة أن ماء البئر الجديدة خرجت عذبه.
وعندما تم فك الحصار، عادت بئر الغريب جافة كما كانت قبل الحرب، وتحولت ماء البئر التى كانت بجوار المسجد إلى مالحة سوداء
ويضيف الشيخ حافظ: كذلك من المواقف التى لا انساها بعد فك الحصار، انه جاءنى اهل صاحب طلقة فى المقاومة الشعبية فى السويس (الشهيد ابراهيم سليمان) وطلبوا منى نقل جثمانه إلى مكان آخر، بعد نحو شهرين من استشهاده.. وبالفعل ذهبت معهم بعد أن جهزت كثيرا من العطر وكفن ابيض، حيث كنا وقت المعركة لم نجد ما نكفنه به سوى بطانية صوف.. وأشهد الله أننا عندما فتحنا القبر على إبراهيم، وجدنا جثته كما هى دون أدنى تحلل، ووجدناه مبتسما ولحيته مبللة وكأنه يتوضأ منذ لحظات.. فنظرت إليه وقلت لمن معى انظروا إلى شهيدكم، لقد صدق الله فصدقه الله.