لقاء تاريخى ولأول مرة هذا الذى حدث فى شرم الشيخ، فمنذ محمد نجيب وحتى عدلى منصور لم يكن هناك لقاء مباشر بين الشباب بكل أطيافه وبين رئيس الدولة، ويذاع على الهواء مباشرة، ويدعى إليه المؤيد والمعارض ويوجه رئيس الندوة كلامه للرئيس وقتما يريد ويتكلم الجميع بحرية تامة دون أى ضوابط مسبقة.
وهذا حق تماما لأى مواطن فى الحديث لرئيسه، لكن للأمانة لا أحد حصل على هذا الحق من قبل، لا فى مصر ولا فى الدول العربية.
الرؤساء عادة يخشون المواجهة مع الجمهور على الهواء مباشرة، لأن احتمال الخطأ وارد، فقد يتجاوز أحد الحدود أو يفرط فى النقد، أو يتكلم بشكل غير مناسب، وكل هذا سيكون على الهواء ولا رجعة فيه، فالعالم كله العدو قبل الصديق يشاهد هذا المشهد، ويستعد لاستغلال أى خطأ فيه.
لكن، فعلها الرئيس السيسى وخيب ظن كثيرين من الذين كانوا يتوقعون أن يكون مؤتمر شرم شيخ كله عبارة عن تحيا مصر، وكلمتين حلوين من بتوع خالد عبد العزيز، وخطاب مطول للرئيس، والسلام عليكم.
الحقيقة أن الرئيس استمع أكثر بكثير من أن يتكلم، واستمع بشكل جعل هناك ارتياحا للمتكلم، فلو أشار الرئيس فى أى ندوة إلى ضيفه من كلام معين أو عبارات معينة لما استطاع أحد تكرارها ثانية، لكن الحقيقة لم يحدث، بل أحيانا يخرج الرئيس ورقة من جيبه ليكتب ما يقوله الشباب، وبعدين طبعا رئيس الوزراء والوزراء قلدوا الرئيس وطلعوا هما كمان ورقة وكتبوا، قال يعنى وإحنا كمان! ماشى حركه شكلها حلو وتدل على الاهتمام.
والمفاجأة كانت فى المدعوين، لأن فى أسماء من الذين تمت دعوتهم لو راجعنا أفكارهم، فمن المنطقى تماما أن تعترض على حضورهم كل الجهات الأمنية بما فيها إدارة المرور، لكن حضروا وتكلموا وبحرية شديدة.
ولا أستطيع أن أصف الرئيس السيسى فى أدبه وأخلاقه، فالجميع يعرف هذا الأمر، وكل من اقترب منه يعرف أنه رجل له من الخلق أجمله، لكن أيضا عندما يقال أمام الرئيس إن حبس الصحفيين لا يحدث إلا فى الأنظمة الفاشية، فهذه الجملة مع عدم دقتها إلا أنها لم تقابل بأى رد فعل من الرئيس! وهذا بالنسبة لى كان موقفا فارقا.
تخيل: رئيس الدولة وعلى الهواء مباشرة وأمام الجميع ويحاول أحد أن يتهم بمثل هذا الشكل! بالنسبة لى كان تجاوزا وعدم لياقة من المتحدث ومثالا كبيرا للتحمل من قبل الرئيس.
وهناك العديد من الإيجابيات لهذا المؤتمر وقليل من السلبيات منها الشكلى ومنها الموضوعى، فمثلا الخطأ التقنى أمام الرئيس أصبح شيئا متكررا وأمرا لا يليق، فالدول فى المؤتمرات والاجتماعات تظهر قوتها وليس من المفروض إطلاقا أن تحدث أخطاء تقنية فى حضور الرئيس ليس خوفا منه، ولكن حرصا على الكيان العام وعلى هيبة الدولة.
كذلك مازال لدينا بعد كبار السن الذين يستطيعون مقاطعة أى أحد فى أى وقت، بحجة أنهم كبار السن ويقولون مدحا فى أنفسهم ومدحا فى الحاكم ما يقولون، ولا يستطيع أحد أن يقول لهم لماذا تحدثتم بدون إذن أو لماذا تجاوزتم الوقت، فعلى الرغم من أنه مؤتمر للشباب لو كان أحد الشباب فعلها لقوبل بعاصفة من النقد لا تنتهى لكننا، تعودنا على ذلك فى مصر أن القاعدة يتم استثنائها لبعض كبار السن الذين سمعناهم على مدى عهود كثيرة وهم يتكلمون للرؤساء بنفس الطريقة.
إما أن يقرر الرئيس أن يعقد هذا المؤتمر سنويا وأن يكون هناك اجتماع شهرى لبحث نتائج وآليات تنفيذ توصيات المؤتمر السنوى، فهذا حقا إنجاز ومكسب كبير حصل عليه الشباب من هذا المؤتمر.
وعندما يكون الرئيس فى شرم الشيخ لم يفوته أبدا الاجتماع بأهل السياحة فى هذه المدينة من أول العامل إلى أكبر المستثمرين أيضا قى حديث مباشر دوان أى قيود.
كل ذلك شىء رائع ودون مجاملة خطوة إيجابية على الطريق الصحيح لكن «وبحكم التخصص»، أود أن أشير إلى أنه قد تكون حدثت مخالفة للقانون مصحوبة بدافع حسن النية، لكننى لم أكن أتمنى أن تحدث.
فالرئيس يريد أن يلبى كل طلبات الشباب، ومنها طلب الإفراج عن أصدقائهم الذين تم حبسهم فى قضايا مختلفة، وأنا أضم صوتى لصوتهم فى أن يتم الإفراج عنهم، لكن بالقانون ثم بالقانون ولا شىء إلا القانون.
فللأسف رئيس الجمهورية لا يملك إطلاقا أن يفعل لهم شيئا وهم محبوسون احتياطيا فى الجنح، أو يحاكمون أمام محكمة أول درجة أو محكوم عليهم بأحكام ابتدائية أو يحاكمون أمام محكمة الدرجة الثانية أو حكم عليهم أمام الاستئناف، وتبقى لهم الطعن بالنقض.
وأيضا فى الجنايات الرئيس لا يملك قانون أية صلاحيات للمحبوس احتياطيا أو للمحال متهما أمام محكمة الجنايات أو للمحكوم عليه من محكمة الجنايات أو للذى تنظر طعنه محكمة النقض أو للذى نقضت حكمه محكمة النقض أو للذى يحاكم أمام الجنايات مرة أخرى بعد عودة قضيته من محكمة النقض أو الذى ينقض حكمه للمرة الثانية.
كل هذه المراحل من التقاضى لا يملك الرئيس أية صلاحيات عليها «بل ولا يجوز أن يملك».
وغالبية المحكوم عليهم فى أحكام ليست نهائية، وبحكم تراكم القضايا لم يتمكنوا من عمل النقض الذى ينهى القضية بحكم نهائى بات لا طعن عليه، فجميعنا بحكم عملنا فى المحاماة نعلم أن أحكاما صدرت منذ سنوات ولم تنظرها محكمة النقض حتى يومنا هذا، ومن ثم فغالبية الشباب الذين يريد الجميع إخراجهم لا يستطيع الرئيس بحكم القانون أن يفعل لهم شيئا.
لكن متى يكون للرئيس تدخلا وفقا لصلاحياته، فوفقا للدستور الحالى فى الماده 155 تقول: لرئيس الجمهورية بعد أخذ رأى مجلس الوزراء العفو عن العقوبة، أو تخفيفها ولا يكون العفو الشامل إلا بقانون، يقر بموافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب، وهناك مواد من قانون العقوبات صريحة فى هذا الشان.
مادة 74
العفو عن العقوبة المحكوم بها يقتضى إسقاطها كلها أو بعضها أو إبدالها بعقوبة أخف منها مقررة قانوناً.
ولا تسقط العقوبات التبعية ولا الآثار الجنائية الأخرى المترتبة على الحكم بالإدانة، ما لم ينص فى أمر العفو على خلاف ذلك.
مادة 75
إذا صدر العفو بإبدال العقوبة بأخف منها تبدل عقوبة الإعدام بعقوبة السجن المؤبد.
وإذا عفى عن محكوم عليه بالسجن المؤبد أو بدلت عقوبته وجب وضعه حتماً تحت مراقبة البوليس مدة خمس سنين.
والعفو عن العقوبة أو إبدالها إن كانت من العقوبات المقررة للجنايات لا يشمل الحرمان من الحقوق والمزايا المنصوص عنها فى الفقرات الأولى والثانية والخامسة والسادسة من المادة الخامسة والعشرين من هذا القانون.
وهذا كله إذا لم ينص فى العفو على خلاف ذلك.
مادة 76
العفو الشامل يمنع أو يوقف السير فى إجراءات الدعوى أو يمحو حكم الإدانة، ولا يمس حقوق الغير إلا إذا نص القانون الصادر بالعفو على خلاف ذلك.
وبالتالى:
- لرئيس الجمهورية العفو عن العقوبة بالأحكام التى صدرت وأصبحت باتة ونهائية، فهذه الحالة الوحيدة فقط التى يحق لرئيس الدولة أن يعفو عن العقوبة.
هذا ما يسمى بالعفو الرئاسى، ويصدر به قرار عن رئيس الدوله تجاه المحكوم عليهم بأحكام باتة ونهائية، وغير قابلة للطعن.
وكذلك هناك حق لمجلس النواب فى أن يصدر تشريعا بالعفو الشامل، لكن لابد أن يؤسس لقاعدة ولا يشمل أشخاصا بأعينهم، لأن التشريع لابد أن يكون عاما.
لكن حتى تكون الصورة مكتملة صدر قانون عن الرئيس السيسى وافق عليه البرلمان الحالى يعطى الرئيس الحق فى التدخل فى أى مرحلة كانت عليها الدعوى أو التحقيقات حال كون المتهم أجنبيا لما تقتضيه مصلحة الدولة، وهو بالقطع الأمر الذى لا ينطبق فى الحالة التى نحن بصددها، لكنى ومع تقديرى لحسن النية التام، أخشى أن تكون هناك مخالفة للقانون، فعندما يصدر قرار نصه كالآتى:
قرر الرئيس تشكيل لجنة وطنية من الشباب وبإشراف مباشر من الرئاسة تقوم بفحص شامل ومراجعة لموقف الشباب المحبوسين على ذمة قضايا، ولم تصدر بحقهم أى أحكام قضائية وبالتنسيق مع الأجهزة من الدولة، على أن تقدم تقريرها خلال 15 يوماً على الأكثر لاتخاذ ما يناسب من الإجراءات بحسب كل حالة، وفى حدود الصلاحيات المخولة دستوريا وقانونيا لرئيس الجمهورية.
قطعا الجملة الأخيرة قد تجب ما قبلها، لكن أن تكون هناك لجنة لفحص شامل للقضايا هذا غير مفهوم قانونا ولا أعرف طبيعة هذا الفحص وكيف ستتعامل النيابة العامة أو المحكمة المختصة مع فعل الفحص؟ فكيف ستطلع هذه اللجنة على القضايا؟ ومن سيمكنها وبأى صفة؟ كذلك الحديث عن من لم تصدر بحقهم أحكام قضائية أمر يجعلنا نفهم أن المقصود هم المحبوسون احتياطيا، وهؤلاء على ذمة النيابة العامة، وهى وحدها صاحبة التصور والتصرف.
وأخشى أن نكون بحسن نية تام وواضح ومحترم ومقدر أن نكون تدخلنا فى عمل من أعمال القضاء.
على العموم المفترض أن هذه اللجنة خلال أيام ستقدم تقريرها، وهنا سيأتى الفعل القانونى من الرئاسة الذى بأثره من المفترض أن يتم الإفراج عن هؤلاء الشباب، فعلينا أن ننتظر، فقد يكون هناك مخرجا لا نعرفه فنزداد معرفة أو لم نتعلمه، فنزداد علما.
لكنها نية حقيقية وواضحة حتى مع اعترافنا بخطأ البعض، وتطاوله على الدولة، لكن وضع الرئيس فى حسبانه غيرة هذا الشباب على وطنه وحماسهم الزائد الذين لم يوفقوا فى التعبير عنه، فخالفوا القانون فى لحظة انفعال، وطبعا كل حسب قضيته، لكن أيضا تفكير زملائهم فيهم وفى إخراجهم من السجون وطرحهم لهذا الأمر أمام الرئيس بهذا الشكل الجاد والمستمر أمر يستحق الاحترام والتقدير.
وبكل موضوعية أشعر بمصداقية كبيرة لما حدث فى هذا المؤتمر، وأتمنى بحق أن يتكرر بنفس الروح، وأن تزال كل الموانع بين الرئيس وشباب الوطن وأن يستمعوا إليه مباشرة ليشعروا بصدقه، كما نشعر فى كل اللقاءات التى تجمعنا به.
يمكن أن تكون الأحلام كبيرة، والطموحات عظيمة، لكن الإمكانيات دائما هى التى تحكمنا، ومن بيده معطيات الأمور يرى أكثر بكثير من المتفرجين، وكلاهما معذور فى عشقه لوطنه، فهذا هو الداء الوحيد الذى لا يتمنى المريض أن يشفى منه.
فيا رب العالمين أدعوك إن كان حب بلادنا مرضا فلا تشفينا وأمتنا عليه.