بالطبع فإن الدولة تعرف قيمة المجتمع الأهلى والجمعيات الأهلية والخيرية، ودورها فى التنمية، وهناك عشرات الآلاف من الجمعيات تعمل فى مصر، ويسهم المصريون فى الكثير من المشروعات الخيرية، لدينا جمعيات مثل مركز مجدى يعقوب للقلب ومستشفى سرطان الأطفال ومراكز ومستوصفات، وجمعيات لرعاية المرضى، وصندوق تحيا مصر.. وقد رأينا علاج مرضى الكبد ونقل سكان العشوائيات وغيرها، وكل هذه الجمعيات والمنظمات وثق فيها المجتمع، وفى المقابل هناك عشرات من تجار التمويل ممن حصلوا على ملايين الدولارات ولا يعرف المواطن لهم فائدة واحدة غير أنهم أصبحوا مليونيرات، وهذا هو الفرق بين العمل الأهلى والاسترزاق، وكان مهمًّا أن يكون هناك قانون ينظم هذا العمل حتى تتم الاستفادة منه.
ولهذا يمكن معرفة أسباب المناحة التى نصبها بعض كبار تجار التمويل الأجنبى بعد أن اقر مجلس النواب قانون المنظمات الأهلية، وكما جرت العادة هم يصنعون ضجيجًا حول أن القانون يمنع المنظمات الأهلية والخيرية من العمل، بينما الحقيقة التى لا يريدون إعلانها أنهم يرفضون وجود أى رقابة على تدفق الأموال الأجنبية ولا يريدون أى محاسبة على ما يحصلون عليه من أموال، وهو أمر غير موجود فى أى دولة فى العالم، والحقيقة أن العمل الخيرى والأهلى مفتوح أمام الجميع، لكن السادة كبار تجار التمويلات الخارجية تلقوا مليارات الدولارات خلال السنوات الأخيرة، ولا يمكنهم أن يدلونا على مشروع واحد خيرى أو اجتماعى قدموا من خلاله خدمة للناس.
ولحسن الحظ أن المجتمع أصبح لديه من الوعى ما يمكنه من التفرقة بين الصادق والمدعى، هؤلاء التجار المتمولون لا يريدون أى رقابة، ويريدون الاستمرار فى نفس السلوك الذى اتبعوه طوال عقود، أن يحصلوا على ملايين يضعونها فى جيوبهم ويستعملونها لتنفيذ جدول أعمال الممولين تحت تسميات مختلفة. واليوم يتباكى كبار المتمولين على العمل الخيرى ولم يسبق لأى منهم أن قدم عملا خيريا أو إنسانيا واحدًا، فقط أنفقوا الملايين على أنفسهم وكونوا ثروات كانت مفاجئة للرأى العام عندما بدأت التحقيقات، واكتشف الناس أن مدعى الدفاع عن المجتمع وضعوا عشرات الملايين فى حساباتهم ولم يقدموا للغلابة والمجتمع مليما.
المدهش أن هؤلاء الحقوقيين يعلمون أن الدول التى يضربون بها الأمثلة فى الديمقراطية تحظر دخول أى أموال من الخارج لأغراض سياسية أو اجتماعية من دون إعلان، ورأينا فى أمريكا وأوروبا تحقيقات فى أموال دخلت للمنظمات من الصين أو روسيا، ورأينا هذا أثناء الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
قانون الجمعيات الأهلية يحدد ضوابط لتلقى وإنفاق الأموال، وهو أمر موجود فى كل قوانين العالم، لكن مدعى الحقوقية وسيادة القانون يرفضون وجود قانون ويريدون الاستمرار فى الحصول على ملايين واكتنازها، وكل ما يطلبه منهم القانون أن تتضح مصادر أموالهم ومصارفها حتى يمكن أن تكون منظمات أهلية بالفعل وليست مجرد «سبوبة».