الدكتور حاتم زاهر يكتب: نستلهم من سيدنا يوسف استراتيجية وقاية البلاد والحفاظ على أمنها المائى مشاريع ضخمة تسد حاجة البلاد من المياه أبرزها "خزانات" الأمطار وشق ترع من البحار وتحليتها لتصلح للشرب

نحاول فى الحلقة الرابعة من حلقات رحلتنا البحثية المستمرة، أن نغوص فى أعماق المحيط المتجدد من المعرفة وهو قصة نبى الله يوسف، والتى كلما تمعنا فيها أكثر وأكثر، كلما اكتشفنا أنها تحتوى على حلول سلسة لكل مشكلاتنا المعاصرة.

هناك تشابها كبيرًا قد يصل إلى حد التطابق بين ما واجهته الدولة المصرية من تحديات فى عصر سيدنا يوسف منذ أكثر من 3500 عام، وبين ما تواجهه اليوم، ولعل أكبر تحدى قد تواجهة أى دولة فى تاريخها، هو التعرض للنقص مائى، والذى كان هو التحدى الرئيسى الذى واجه الدولة المصريه فى عصر سيدنا يوسف، والذى نجح نبى الله فى التغلب عليه بطريقته المبتكرة فى التفكير والتخطيط العلمى السليم، والاستعانة بالشباب المصرى الطموح لتنفيذ خطته للوقاية من الأزمة (خطة السبع سنوات).

واتّبع يوسف بعد ذلك خطة "الثمان سنوات" لإدارة الأزمة، والتى أعطى لنا بها يوسف أفضل الأمثله لسهولة الإدارة والقدرة على تخطى أصعب الأزمات بأسهل الطرق، بشرط واحد وهو التفكير بطريقة مبتكرة بعيدة عن التعقيدات والروتين، وهذه هى سمة الشباب الرئيسية، والذى يمثلهم فى هذه القصة الشاب يوسف.

ونستلهم من قصة يوسف عبر حلقاتنا، الحلول الممكنة لتدحديات الدولة المصرية فى تاريخها الحديث، فمهما حدث، ومهما كاد لنا خصومنا فإن الله قد وعد مصر بأنها محروسة منها إلى يوم الدين، وأن الحل سيأتى بأيدينا نحن وليس بأيدى غيرنا.

فى عصر سيدنا يوسف، كانت تسقط كمية الأمطار على مصر وبلدان الشمال الأفريقى والآسيوى، وقلت لدرجة أدت إلى انخفاض منسوب النيل للدرجة التى أصبح معها استحالة استعماله فى الرى بالغمر، حيث أن المصريين فى عصر سيدنا يوسف، لم يكونوا قد اخترعو "الشادوف" الذى يمكنهم من الوصول للمياه، حتى ولو كان منسوب النيل منخفض، لذلك حينما قَلَّت الأمطار على مصر، قل منسوب النيل للدرجة التى صعبت معها الزراعة باستخدام النهر، واستعمل المصريون المياه الجوفية فى الشرب، وهذا هو نفسه ما قد تواجهه مصر فى السنوات القادمة، وسط وجود احتمالية انخفاض منسوب مياه النيل حال استمرارية بناء سد النهضة الإثيوبى، فالوقاية الدائمة من آثار هذه المشاريع هى الحل، ومصر بأبناءها قادرة على فعل ذلك بمنتهى البساطة، ولكن بكثير من التخطيط.

اللافت للنظر، أن المدة الزمنية المتوقع الاتفاق عليها لملء بحيرة خزان السد، هى 7 سنوات! فهى نفس المدة التى حددها الله لمصر فى سورة يوسف للوقاية من الأزمة، وعلينا أن نلتفت بشدة إلى هذه النقطة وهذا التوجيه الإلهى، بالاستعداد القوى واتخاذ جميع الاحتياطات اللازمة للوقاية من الأزمة ومثيلاتها فى المستقبل القريب والبعيد.

هل هذه هى الأزمة الأولى من نوعها التى تواجهها مصر؟ كلا، فقد مرت البلاد عبر تاريخها القديم والحديث بـ26 أزمة مائية قَلَّ فيها منسوب النيل بشكل كبير، ولعل أسوأ هذه الأزمات ما حدث فى عصر الخليفة الفاطمى المستنصر بالله، والتى عُرِفَت بـ"الشدة المستنصرية" فى بداية النصف الثانى من القرن الخامس الهجرى، والتى تعرضت مصر خلالها لأسوأ أزمة مائية على مر تاريخها، واستمرت أيضًا لمدة سبع سنوات، وكان السبب الرّئيسى هو سوء الاستعداد للأزمة، وسوء الإدارة حينما وقعت بالمقارنة بما حدث فى عصر سيدنا يوسف.

والآن إليكم بعض الحلول المقترحة، وأنا غير متخصص فى هذا المجال، وأرجو من المتخصصين أن يعطوننى رأيهم فيها، وإن كان فيها ما يصلح للتطبيق فلنطرحه للنقاش تمهيدا للتنفيذ إن شاء الله.

لم لا نجعل مياه النيل للرى فقط؟ ونمنع استعمالها تمامًا كمياه للشرب، ونبحث عن البدائل الآمنة لمياه الشرب؟ على سبيل المثال المياه الجوفية، ومياه الأمطار، والمياه المحلاه من البحر الأبيض أو الأحمر. وهنا أتساءل "لماذا لا نضع فى عين الاعتبار ان تلوث مياه النيل كان سببًا رئيسيا فى إصابة ملايين المصريين بالفشل الكلوى؟ ولماذا لا نلتفت إلى أن هذه الأزمة قد تكون نعمة كبيرة على مصر والمصريين، لأنها قد تدفعنا إلى الاعتماد على مصادر مياه أخرى غير النيل فى الشرب، ومهما كانت درجة تلوث هذه المياه فلن تصل إلى درجة التلوث التى وصل إليها النيل، والتى أدت إلى أن مصر هى الدولة الأولى عالميًا فى معدل الإصابة بالفشل الكلوى، ولذلك إذا استطعنا توفير بديل آمن لمياه الشرب غير مياه النيل، حينها سنسجد لله شكرًا على وجود أزمة فى مياه النيل الذى سنوفر كل مياهه للرى فقط، والتى أرى أن منسوب النيل مهما قل بسبب سد النهضة أو غيره، فإنه لو تم توجيه مياهه فى اتجاه واحد وهو الرى فستكفى، مياهه لزراعة أى رقعة زراعية، بل والتوسع فى استصلاح الأراضى بدرجة كبيرة، وستوفر الدولة مليارات الجنيهات التى تنفقها على علاج مرضى الفشل الكلوى فى المستشفيات، وحينها سنكتشف أن الأزمة هى أكبر نعمه أنعم الله بها على صحة المصريين.

ثانيًا: كيف يمكن الاستفادة من مياه الأمطار حتى ولو كانت قليلة، بالمقارنة بالكثير من الدول؟ الإجابة تكمن فى مثال حى تطبقه الكثير من الدول ومنها ألمانيا، فهناك يخططون مسارات للأمطار داخل المدن، ويخزنون مياه الأمطار فى خزانات تحت الأرض، بحيث يتم عمل خزان مستقل لكل مجموعة من الأبنية لتخزين المياه، واستعمال أدوات الرفع والتنقية لرفع المياه إلى المنازل واستعمالها فى كافة الأغراض.

ولكن كيف نطبق هذه الفكرة فى مصر؟ يمكن أن نخطط مسارات للأمطار بداخل كل محافظة، وإنشاء مجموعة من الخزانات تحت الأرض لتجميع هذه المياه، وننظم هذه الخزانات بحيث يكون الواحد منها كافيا لمجموعة من الأحياء المتجاورة، وبدلاً من المعاناة فى الطرق عند سقوط الأمطار، ستتحول هذه المياه إلى أكبر نعمة لنا جميعا، فسنوفر مياه نقية للشرب وللاستعمال اليومى، إن نُظِّمَت هذه الخطة بطريقة علمية مثلما يفعل الألمان.

حينها سيكون بداخل كل محافظة بحيرة كاملة من مياه الأمطار، أى أنه بدلاً من وجود بحيرة واحدة لتخزين المياه فى مصر (بحيرة ناصر) ستكون هناك 28 بحيرة مثلها، وحينها نكون قد فعلنا ما فعله سيدنا يوسف، ولكن بطريقة جديدة مبتكرة، فيوسف أنشأ صوامع لتخزين الغلال والقمح فى معظم محافظات مصر، ونحن اليوم سنبنى خزانات لمياه الأمطار فى كل محافظات مصر للوقاية من أى أزمة قد تواجهنا ولو بعد 100 عام، وهذا ما تلفت السورة الكريمة إليه وهو أن الحل بين أيدينا هنا وليس هناك فى إثيوبيا، أو أوغندا، أو كينيا، أو غيرها من البلدان الإفريقية.

ثالثًا: ما هى الطرق البديلة فى حالة النقص الشديد فى منسوب النيل لأى ظرف حاليا أو مستقبلاً حتى ولو بعد قرون من الآن؟ الإجابة هى أن الله قد وهب لمصر بحرين هما الأبيض فى الشمال، والأحمر فى الشرق، فلماذا لا نحاول الاستفادة من مياه هذين البحرين عبر مشروع قومى جديد، يكون الهدف منه الوصول إلى أرخص وأوفر الطرق لتحلية مياه هذه البحار واستعمالها فى الرى أو الشرب حين الحاجة؟ لماذا لا نجعل لكل محافظة قناة خاصة بها من مياه البحر القريب منها، وهذه القناة توصّل المياه إلى كل محافظة بعد معالجتها بطرق مبتكرة؟ وأعتقد أن هناك الكثير والكثير من الأبحاث لمصريين نستطيع بها الوصول لأفضل وأرخص الطرق فى تحلية مياه البحار.

مشروع بهذا الحجم يحتاج إلى سنوات لتطبيقه، ويحتاج لكل يد عاملة مصريه شابة تساهم فيه، ويحتاج للعقول المصرية المفكرة والمبتكرة، ويحتاج لتمويل ضخم ولكن ما هى الفوائد التى ستجنيها البلاد إذا طُبِّقَ هذا المشروع؟ وكيف ستنظر لنا الأجيال القادمة إذا وفرنا لهم الوقاية من أى تهديد مائى ولو بعد ألف عام من الآن؟ وكيف سيكون رد الفعل النفسى للمصريين على موضوع سد النهضة أو غيره من المشكلات التى من المحتمل أن تواجهها مصر فى المستقبل؟ الإجابة هى أن سد النهضة سيشعل حماس المصريين ليقدمو للعالم مشاريع مائية جديدة غير مسبوقة، يبهرون بها العالم، فسد النهضة سيحيى روح البطل فى نفس كل مصرى ليتحدى المستحيل.




الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;