الرابحون من تعثر ثورات الربيع العربى تيار الإسلام السياسى سعى للانقضاض على الحكم فى مصر وتونس والغرب يطمح فى الاستيلاء على نفط ليبيا وإسرائيل آمنة بسقوط سورياإيران تمد نفوذها فى المنطقة

نقلا عن العدد اليومى...

«الثورة يصنعها الحالمون، ويموت فيها الشجعان، ويستفيد منها الانتهازيون»، عبارة تنطبق على واقع ثورات الربيع العربى، التى بدأت بحراك شعبى ضد عقود من الحكم المستبد، قبل أن تتحول إلى نزاعات مسلحة كما فى حالة اليمن وليبيا وسوريا، وسط مطامع لا تنتهى لجهات حاولت استغلال هشاشة الوضع والفوضى، سواء كانت تلك الجهات خارجية أو داخلية.

ونجحت مصر وتونس فى منع اندلاع حروب أهلية، واقتتال داخلى، والوصول إلى فوضى شاملة، وإن لم تنجوا من محاولات وقف مسيرة بناء الدولة، خاصة من قبل تيارات الإسلام السياسى، التى كانت الأكثر تنظيما وقدرة على الاستفادة من الأوضاع لصالح تحقيق صعودها السياسى، وذلك إضافة إلى الأحداث الإرهابية المتفرقة، التى طالت كلا البلدين.

ويمكن حصر الانتهازيين فى ثورات الربيع العربى، والمستفيدين من تعثرها، فى تجار سلاح والإرهابيين، والدول الإمبريالية الكبرى، الطامعة فى مصادر البترول، و إعادة رسم خريطة المنطقة وفقا لأهوائها ومصالحها، وفى بعض الأحيان ظهرت الأطراف المستفيدة من تعثر الثورات، فى صورة عدو لدود، كما فى حالة الولايات المتحدة وروسيا، اللتين تسعيان لإشعال حرب باردة جديدة، تتخذ من الشرق الأوسط ساحة لها.

أما بالنسبة لدور العدو الإسرائيلى المتربص دائما، فإن تعثر ثورات الربيع العربى يعنى استمرار طغيانه فى المنطقة دون محاسبة، واستمرار انتهاكه للجانب الفلسطينى، دون مقاومة عربية تذكر، وهكذا نجد أن عشرات من اللاعبين، حاولوا اختراق دول الربيع العربى، وتقويض إرادة الشعوب فى التغير.

فى التقرير التالى لا نتعرض لوجهات النظر التى تتحدث عن ثورات الربيع العربى كمؤامرات خارجية، استغلت ظروف الركود السياسى والاقتصادى، والحكم الاستبدادى الممتد لعقود فى دول الثورات الخمس، وهى تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، لتحريك الشعوب وإسقاط الأنظمة، ولكن التقرير يركز على الجهات صاحبة المصالح فى تعثر تلك الثورات، التى نجحت فى إزاحة عدد من الدول عن مسارها الثورى والإصلاحى.

تيار الإسلام السياسى البداية كانت فى تونس، حيث اندلعت ثورة الياسمين، فقد نجح الحراك فى الشارع التونسى، عقب انتحار الشاب «محمد البوعزيزى»، إلى إحياء الأمل فى قلوب الشعوب العربية، حول إمكانية تحقيق التغير السلمى للحكومات، عن طريق الثورات الشعبية الحاشدة، وأدى تنحى «بن على»، وهربه من البلاد فى نهاية الأمر، بعد فشله فى محاولات إجراء تعديلات لا ترقى لطموحات الشعب التونسى، إلى إشعال موجة من الاحتجاجات الشعبية التى طالت كل الدول المجاورة، عملا بنظرية الدومينو.

ورغم محاولات انقضاض تيار الإسلام السياسى على الثورة التونسية، إلا أن المبشر فى مسار الثورة حتى الآن، هو التوافق التام على الديمقراطية، ورفض الصوت الواحد، والاحتكام إلى صناديق الانتخابات فى نهاية الأمر، وهو ما تم فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة عام 2014، حيث فاز «الباجى قائد السبسى» على «المنصف المرزوقى» رئيس الجمهورية الأسبق، الذى قلت شعبيته بسبب عجزه عن تحقيق الإصلاحات اللازمة فى البلاد، مع رفض الشعب التونسى تيار الإسلام السياسى الذى يمثله.

فى مصر كانت جماعة الإخوان، من أكثر الجهات المستفيدة من عدم وجود قيادة موحدة للثورة الشعبية، التى اندلعت فى الميادين فى الـ25 من يناير، وسرعان ما امتدت لباقى المحافظات، قبل أن تعلن مطالبها واضحة فى إسقاط النظام، خلال الـ28 من يناير، أو ما عرف بجمعة الغضب.

وقد نجح الجيش المصرى فى التقليل من الخسائر البشرية، بعد أن سقط ألف قتيل من المتظاهرين فى ميدان التحرير وحده، إذ نجح وجود قوات الجيش فى ميادين الثورة، فى إرسال رسائل تهدئة إلى الشعب المصرى وقتها، تؤكد مساندته للحراك الشعبى، وحمايته لحق الاعتصام فى الميادين.

وقد حاولت جماعة الإخوان الحصول على أكبر مكاسب ممكنة، بعد تيقنها من نجاح الثورة فى إسقاط نظام الرئيس السابق محمد حسنى مبارك، وقدمت نفسها إلى المجلس العسكرى، الذى حكم البلاد خلال الفترة الانتقالية، كالقوة المنظمة الوحيدة، التى تستطيع تهدئة الشارع ومنع انتشار الفوضى والحفاظ على مؤسسات الدولة.

ورغم نجاح الجماعة فى السيطرة على مجلس الشعب الأول عقب الثورة، بحصولها على نسبة وصلت إلى 70% من عدد المقاعد، جنبا إلى جنب مع تيارات الإسلام السياسى الأخرى، لتنجح فى الوصول إلى الحكم، بعد نجاح مرشحها، الدكتور محمد مرسى، فى الانتخابات الرئاسية، إلا أن الشعب المصرى وقف ضد مشروع الأخونة، الذى كاد أن يبتلع البلاد فى بضعة أشهر، إرضاءً لمصالح الجماعة، قبل سقوطه فى الـ30 من يونيو.

المشهد السابق تزامن مع ظهور قوة الجماعات التكفيرية والإرهابية المسلحة فى سيناء، مستغلة بذلك الفراغ الأمنى الذى أعقب قيام الثورة، وقد نجحت تلك الجماعات فى الحصول على أسلحة حديثة ومدمرة، عن طريق الحدود المصرية الليبية، وعبر الأنفاق مع غزة، فيما ساهم خروج عدد من التكفيريين من السجون، منذ قيام الثورة وحتى فترة حكم الإخوان، إلى استعادة قوة التشكيل لدى تلك الجماعات، وعلى رأسها أنصار بيت المقدس.

ولا يمكن هنا إنكار الدور الذى لعبه محمد الظواهرى، شقيق أيمن الظواهرى مسؤول القاعدة عقب اغتيال ابن لادن، فى ربط الجماعات التكفيرية فى سيناء، بتنظيم القاعدة، قبل أن يظهر داعش فى المشهد، ويبدأ الحديث غير العقلانى لتك الجماعات، عن إقامة ولاية إسلامية فى سيناء.

مطامع إيرانية تعرف ثورة اليمن بثورة الـ11 من فبراير، حين اشتعل عدد من الاحتجاجات الشعبية فى المدن اليمنية، للمطالبة بإسقاط نظام الرئيس على عبد الله صالح، وقد أدى الضغط المستمر فى الشارع، إلى إعلان الرئيس اليمنى، عدم ترشحه لفترة رئاسية جديدة، وأنه لن يورث الحكم لابنه، وأعقب ذلك استخدام قمع التظاهرات بعنف، وسقوط ما يزيد على 52 قتيلا، ما زاد الأمر سواءً.

صحيفة لوس أنجلوس تايمز نشرت تحليلا لأوضاع الاحتجاجات فى اليمن، مؤكدة أن تنظيم «القاعدة» سيكون أسعد الأطراف بانهيار اليمن، فقوات الأمن باتت مشغولة بقمع التظاهرات، ما يتيح للقاعدة حرية التحرك والتجنيد، ونقلت الصحيفة تصريحات للسفير الأمريكى فى اليمن، أدلى بها قبل اندلاع الثورة، حيث قال إن ضعف الحكومة اليمنية يتيح مجالا لتوسيع القاعدة من نشاطها.

وذكرت تقارير أخرى أن طبيعة اليمن تتشابه مع طبيعة أفغانستان، وأن الولايات المتحدة الأمريكية، تخشى من أن يسعى القاعدة إلى إعادة تشكيل التنظيم هناك، بسبب الفوضى بالبلاد، خاصة أن القاعدة فى اليمن قوى، وإنه سبق وأعلن مسؤوليته عن طرود مفخخة وعمليات إرهابية حدثت عام 2009، كما أن القوات الأمريكية سبق لها محاولة اغتيال أنور العولقى، أحد قيادات القاعدة باليمن.

وبما أن القاعدة كان المستفيد الأول من تعثر الثورة الشعبية فى اليمن، فإنه يمكن اعتبار جماعة الحوثيين، المستفيد الثانى، فالجماعة الدينية الشيعية، التى كانت تعد من أحد فصائل المعارضة، نجحت فى السيطرة على الدولة واختطافها، وتسببت فى تدخل عسكرى فى البلاد، فى ظل تأكيد الخبراء العسكريين دور إيران، فى مساندة الحوثيين، ضمن مخطط لفرض نفوذ شيعى فى منطقة الشرق الأوسط.

بترول ليبيا فى منتصف شهر فبراير، من عام الربيع العربى، اندلعت الثورة الليبية، قادها شباب ونشطاء ومدنيون، لكن استخدام النظام العنف فى مواجهة تلك التظاهرات، وسقوط ما يزيد عن 400 ليبى، ما بين قتيل وجريح، أدت إلى ارتفاع حدة الاحتجاجات.

ومع إصرار العقيد معمر القذافى على استخدام القوة ضد المدنيين، تحولت الاحتجاجات الليبية إلى ثورة مسلحة، نجحت فى إسقاط النظام بالكامل خلال شهر أغسطس من العام نفسه، بينما قتل القذافى فى أكتوبر، وذلك بمساعدة غطاء من القصف الجوى من قوات التحالف، بعد صدور قرار من قبل مجلس الأمن بذلك.

كما ساعدت القوات على إمداد الثائرين بأسلحة حديثة، تسببت فيما بعد فى تحول ليبيا إلى سوق لتجارة السلاح، ليصبح تجار السلاح بذلك أول المستفيدين من عدم استقرار الأوضاع فى الأراضى الليبية.

وبجانب ما سبق، فقد استفادت الحركات الإرهابية المسلحة من تعثر الثورة الليبية، لتكون بذلك المستفيد الثانى، فأعلن تنظيم «داعش» عن نفسه، ووفقا لتقارير ليبية، فإن الشباب الليبى التكفيرى، كانت تربطه علاقات وثيقة بتنظيم القاعدة، منذ عام 2003، حيث شارك فى معارك التنظيم، ضد القوات الأمريكية، إبان غزو العراق، وبخاصة فى فرق القاعدة تحت قيادة أبو مصعب الزرقاوى.

كما شارك الشباب الليبى التكفيرى أيضا، فى المعركة بين النظام السورى، و«داعش» و«النصرة» وغيرهما من الجماعات المسلحة، وقد أيدت عدد من الجماعات التكفيرية الليبية داعش، وانفصلت عن القاعدة، خاصة فى مدينة درنة، كما استغل تنظيم «داعش» الإرهابى القبائل الليبية غير المسلحة، وضم أفرداها إلى التنظيم، مقابل عدم مهاجمتها، كما حدث فى مدينة سيرت.

الدول الغربية ذات الأطماع فى بترول ليبيا، كانت المستفيد الثالث من تعثر الثورة، فقد أظهرت الأحداث التاريخية، فى أفغانستان والعراق، أن الذهب الأسود من الممكن أن يكون محركا أساسيا فى فرض حماية إحدى الدول الغربية على دول العالم الثالث، أو حتى التدخل العسكرى بها.

لذلك كان للقرارات السريعة التى اتخذها مجلس الأمن لمساندة التحركات الشعبية الليبية، بعد آخر غير مراعاة حق الشعوب فى تقرير مصيرها، خاصة إذا ما عرفنا أن ليبيا تنتج ما يقرب من 1,6 مليون برميل نفط يوميا، قابلة للزيادة لتصل إلى 3 ملايين برميل يوميا خلال السنوات المقبلة، كما تحتل إيطاليا المركز الأول فى قائمة زبائن النفط الليبى، تليها ألمانيا، ثم فرنسا، وقد سجلت الضربات الجوية لحلف الناتو على ليبيا إصابات عدد من المدنيين. إسرائيل محاولة إيران بسط نفوذها فى الشرق الأوسط، وسعى إسرائيل لحماية مكتسباتها الاستيطانية، بالقضاء على أحد الأنظمة العربية المعادية، وزيادة قوة حركة داعش بالمنطقة، ثلاث قوى استفادت من تعثر الثروة السورية، التى اندلعت فى النصف الثانى من شهر مارس، لعام الربيع العربى، عقب عقود من الركود السياسى والاقتصادى والاجتماعى داخل البلاد.

وبالرغم من الاستقرار الظاهرى للنظام فى سوريا قبل اندلاع ثورات الربيع العربى، إلا أن إدارة البلاد بالقمع وسياسة الحديد والنار، كان لها الأثر البالغ فى اندلاع غضب الشارع السورى، بالتزامن مع بدء موجات الاحتجاجات فى مصر وتونس، وبدلا من محاولة احتواء غضب الشارع، قام «الأسد» بالتحدث عن الغضب الشعبى بصفته مؤامرة، بالتزامن مع قمع الاحتجاجات السورية بوحشية، على مرأى ومسمع من العالم، وكانت هذه نقطة التحول فى المشهد السورى، فدخلت العناصر الإرهابية المسلحة، وجعلت من ثورة التغيير حربا أهلية. ويعيد الوضع فى سوريا اليوم إلى الذاكرة فترات الحرب الباردة، بين كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، فالأولى تسعى لحماية مصالحها فى المنطقة، وتحقيق الأمن للكيان الإسرائيلى.

ويرى المحللون أن أمريكا بدورها سعت إلى الاجتماع بعدد من قيادات المعارضة السورية فى بداية الثورة، لتحقيق انتقال سلمى للسلطة، واكتساب نظام صديق جديد فى المنطقة، وكانت دولة تركيا تحتضن تلك المعارضة، حيث أعلن فى أسطنبول فى شهر أكتوبر من عام 2011، تشكيل مجلس وطنى تحت إشراف الحكومة التركية، الذى تحول فيما بعد إلى الائتلاف الوطنى، اجتمع أفراد مع وزيرة الخارجية الأمريكية والسفير الأمريكى فى سوريا روبرت فورد فى محاولة لتجديد وجوه فى المعارضة، قبل ظهور قوة حركة داعش الإرهابية، وإرباك المشهد السورى.

إما إيران، فسعت أيضا إلى مد النفوذ الشيعى بالمنطقة، عن طريق مساندة النظام السورى، وحاول «رامين مهمان برست» الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية، تبرير دعم إيران لنظام بشار، مؤكدا أن «ما يحدث فى سوريا عمل شرير ينفذه الغربيون خاصة الأمريكان والصهاينة»، فى تغافل عن الدور الذى لعبته إيران نفسها إبان غزو العراق عام 2003، فى تسهيل دخول القوات الأمريكية، مقابل السماح برعاية الجماعات الشيعية هناك.

وقد أصاب الرعب إسرائيل أيضا، من استقرار الأوضاع فى سوريا، بسبب خوفها من مطالبة النظام السورى باسترداد هضبة الجولان، التى تحتل إسرائيل جزءا منها منذ حرب 67، وهنا ينبغى الإشارة إلى تضارب التحليلات حول المخاوف الإسرائيلية، ففى حين يذكر عدد من المحللين الغريبين أن إسرائيل سعت من البداية للإطاحة بنظام «بشار الأسد»، آخر الأنظمة التى كانت تهدد بمواجهة إسرائيل، يرى محللون آخرون أن خوف دولة إسرائيل، يرجع فى صعود نظام جديد، أكثر قدرة على المقاومة.






الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;