فى تراجع لافت للتجربة الديمقراطية التونسية، أحالت السلطات اثنين من الصحفيين إلى المحاكمة العسكرية العاجلة، وسط انتقادات من اتحاد الصحفيين العرب، وعدة منظمات حقوقية من بينها هيومان رايتس ووتش.
ومثل الصحفيان راشد الخيارى، مدير موقع "الصدى"، والصحفى جمال العرفاوى، أمام النيابة العسكرية بتهم تشهير بسمعة الجيش و"تقويض الروح المعنوية" لأفراده، وذلك بعد التحدث الأول فى برنامج توك شو على قناة "الحوار التونسى" باسم "لم يجرؤ فقط"، عن وجود قاعدة عسكرية أمريكية فى تونس، فضلاً عن كتابة الآخير مقالاً فى موقع "تونس تليجراف"، وذلك برغم خروج الرئيس التونسى باجى قايد السبسى قبل أقل من أسبوع واعترافه بفتح المجال الجوى أمام مقاتلات أمريكية، واستضافة بلاده 70 عسكريا أمريكا لتنفيذ مهام خاصة.
وقبل شهر، قال الخيارى فى البرنامج: إنه لديه دليل على وجود قاعدة عسكرية أمريكية فى تونس، مشددا على أن أحد قياديى حزب نداء تونس أبرم عقدا لإنشاء قاعدة عسكرية لمدة 99 عاما.
وتم إحالة الصحفى جمال العرفاوى إلى التحقيق أمام القضاء العسكرى وذلك على خلفية مقال صحفى نشره بتاريخ 14 يوليو 2016، بتهمة المس من كرامة الجيش بانتقاد أعمال القيادة العامة أو المسئولين عن الجيش بصورة تمس من كرامتهم طبقا للمادة 91 من مجلة العقوبات العسكرية ونسبة أمور غير قانونية لموظف عمومى طبقا للمادة 128 من المجلة الجزائية التونسية.
وأمام جهات التحقيق العسكرية، أكد العرفاوى أن غايته هى كشف الحقيقة لا غير، وأن ما نسب إليه من تهم لم يتعد انتقاده تقصير الجيش فى التحقيق بحادث تحطم طائرة عسكرية أودى بحياة ضابطين.
وبحسب تقارير إعلامية فإن العقوبة المنتظرة للعرفاوى قد تصل للسجن 3 سنوات، لكن "الخيارى" لديه تهمة إضافية تتعلق بتشويه سمعة موظف عمومى بموجب المادة 128 من قانون العقوبات، وهى تحطيم معنويات الجيش بنية إيذاء الدفاع الوطنى، وهى تهمة تصل عقوبتها إلى الإعدام.
وفى تعلق لها، دعت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، النيابة العسكرية فى تونس، إلى "إسقاط التهم الموجهة للصحفيين، راشد الخيارى وجمال العرفاوى واللذين انتقدا القوات المسلحة وهما فى حالة سراح، بانتظار المحاكمة.
وقالت المنظمة: إن محاكمة الخيارى والعرفاوى أمام محكمة عسكرية هو "انتهاك لمعايير القانون الدولى التى تنص على أن المحاكم العسكرية ليس لها صلاحية محاكمة المدنيين".
من جانبه، انتقد خالد ميرى وكيل نقابة الصحفيين المصريين وأمين عام اتحاد الصحفيين العرب، حالة الصمت فى مواجهة إحالة الصحفيين التونسيين راشد الخيالى وجمال العرفاوى إلى المحكمة العسكرية بتهمة الإضرار بالمؤسسة العسكرية وتحطيم معنويات الجيش التونسى، وهى التهم التى تصل عقوبتها إلى الإعدام.
وقال ميرى فى تصريحات صحفية له، كان يجب على نقابة الصحفيين بتونس أن تتفرغ للدفاع عن الزميلين بدلا من استهلاك جهودها فى إصدار بيانات تهدف للإساءة إلى مصر بالمخالفة لكل القواعد المهنية والنقابية والعلاقات بين الدول العربية.
وطالب خالد ميرى وكيل نقابة الصحفيين المصريين وأمين عام اتحاد الصحفيين العرب، بوقف المحاكمة العسكرية للزميلين وإحالتهما إلى قاضيهما الطبيعى.
وبرغم محاكمة الصحفيين التونسيين بتهم تتعلق بالإساءة للجيش، وحديث إحداهما عن وجود اتفاق لإنشاء قاعدة عسكرية أمريكية فى تونس، إلا أن الرئيس التونسى باجى قايد السبسى، فجر قبل أقل من أسبوع مفاجأة من العيار الثقيل باعترافه أمس بأنه سمح لطائرات أمريكية دون طيار باستغلال الأجواء التونسية لمهمات خاصة فى ليبيا مبررا ذلك بالتعاون فى مجال مكافحة الإرهاب وحماية حدود بلاده من تسلل المتطرفين، وقصف معسكرات داعش قبل أن يتسللوا لتونس.
وأكد السبسى أنه هو من منح الولايات المتحدة تصريحا بهذا الخصوص، وأن مهمة الطائرات الأساسية هى جمع معلومات استخباراتية عن المسلحين، تحصل تونس على نسخ منها.
وأكد أن تونس تشهد منذ أكثر من عام إعادة هيكلة لقطاعها الأمنى بهدف تحسين إمكانياتها فى مكافحة الإرهاب وتعزيز الرقابة على الحدود مع جارتها ليبيا التى يوجد بها المعقل الرئيسى لتنظيم "داعش" فى شمال إفريقيا، مضيفا أن وجود قوات أجنبية "وتنفيذها فى هذا الجزء من العالم أمر بالغ الحساسية، وغالبا ما يقابل بانتقادات شعبية".
وكشف عن وجود 70 عسكريا أمريكيا فى تونس يؤدون مهمات تدريبية، مؤكدا أن "من مصلحة تونس التعاون مع الولايات المتحدة فى الحرب ضد الإرهاب"، مجددا نفيه لوجود قاعدة عسكرية أمريكية فى بلاده.
السبسى وضع حكومته فى مأزق سياسى بعد اعترافه بوجود "مارينز" على أراضيه وينفذ مهمات خاصة فى ليبيا فى تعاون لم يكن مكشوف عنه سابقا، بعدما ظلت حكومة يوسف الشاهد تنفى كل التسريبات التى روجت عن بداية الاستغلال الأمريكى لقاعدة عسكرية تونسية.
حيث طالبت بعض القوى السياسية التونسية البرلمان بضرورة التحرك لاستجواب وزيرى الدفاع والخارجية لاستجلاء حقيقة الأمر، وطالب حزب تيار المحبة فى بيان له أنه كلف عضو مجلس نواب الشعب ورئيسة مكتبه السياسى بتقديم استجوابين عاجلين إلى كل من وزيرى الدفاع الوطنى والشؤون الخارجية للكشف عن بنود الاتفاقية بين تونس وواشنطن.
ودعا حزب الهاشمى الحامدى إلى تحقيق برلمانى عاجل حول المعلومات بشأن سماح تونس للولايات المتحدة الأمريكية باستخدام قاعدة عسكرية تونسية لطائراتها دون طيار لعدة أشهر، معتبرا أن هذه الخطوة تهدد استقلال تونس وسيادتها وعلاقاتها بمحيطها والأمن الإقليمى فى المنطقة.
وقال بشير النفزى النائب عن حزب حراك تونس الإرادة، إن وزارة الدفاع التونسية نفت بداية أن تكون هنالك أية عمليات عسكرية أمريكية تنطلق من التراب التونسى، ثم تغيرت صيغة النفى بالحديث عن غياب قواعد أمريكية فى تونس، وهذا لم يطرحه أحد رغم وجود نقاش حول إنشاء قاعدة بعد مذكرة التفاهم التونسية الأمريكية، متابعا اليوم، يتم الإعلان عن حصول وزارة الدفاع على طائرات دون طيار وطائرات تجسس من الجيش الأمريكى.
وقالت صحيفة المحور التونسية إن تصريحات الرئيس التونسى أكدت بما لا يدع مجالا للشك أن الطلعات الجوية التى تم تنفيذها قبل أيام فى الأراضى الليبية وسط تكتم رسمى ونفى حكومى متلازمين قد سيّرها أمريكيون، خاصة فى ظل تقارير رسمية تونسية كشفت عن عدم قدرة الجيش التونسى على تسيير الطائرات دون طيار، لافتقاده إلى التجربة والكفاءة المطلوبتين.
ومن المرجح أن يؤدى إعلان السبسى عن التعاون العسكرى مع واشنطن إلى أزمة مع الجزائر خاصة بعد أن سبق وقدم وزير الخارجية التونسى خميس الجهيناوى توضيحات إلى نظيره الجزائرى رمطان لعمامرة بشأن ما تردد عن تسيير ضباط من البنتاغون لعمليات عسكرية نحو الأراضى الليبية عبر تونس، ووصف الجهيناوى الأخبار بالكاذبة التى لا يمكنها أن تتجسد على الأرض.
واعتبرت وسائل الإعلام التونسية أن إعلان السبسى عن العمليات الأمريكية بهذا الشكل يمثل مراوغة سياسية للجزائر التى أظهرت رفضا علنيا وصريحا لإقامة أية قاعدة عسكرية فى الجوار، واشترطت على الجارة الشرقية عدم اللعب بملف الأمن القومى والتعاون المشبوه مع الولايات المتحدة الأمريكية مقابل مساعدات مالية للاقتصاد التونسى المنهار.
وقال السبسى إن الجزائر غير معنية بمنطقة طيران الطائرات الأمريكية دون طيار، "وقد قمنا استباقا بإبلاغ الطرف الجزائرى، وليس لدينا أى لبس فى العلاقات مع الجزائر ونحن نتعاون منذ فترة فى مجال مكافحة الإرهاب" .
وتحدثت تسريبات إعلامية فى وقت سابق عن شروع البنتاجون فى استغلال قاعدة عسكرية فى تونس، لتسيير طائرات دون طيار ومنها من توجهت إلى سرت الليبية فى مهمة عسكرية ضد تنظيم داعش، ورجّح مراقبون أن تكون واشنطن قد استخدمت القاعدة العسكرية فى تونس وفقا للاتفاق العسكرى الموقع فى 2015 بين تونس وواشنطن، الذى يمنح تونس صفة الشريك العسكرى خارج حلف الناتو.
ولعب محسن مرزوق أمين عام حزب نداء تونس السابق والمستشار الرئاسى بقصر قرطاج، دورا محوريا فى هذا الاتفاق، وتعرض لهجوم سياسى وإعلامى من دوائر تونسية غاضبة على صفقة مرزوق المعروف بعدائه للجزائر وصداقته مع الرئيس الفرنسى السابق نيكولا ساركوزى.