الاستقلال والتعاون والتنوع ثلاث كلمات تستطيع بها أن تعبر عن العلاقات المصرية الخارجية فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى
الاستقلال ... فى الشخصية وعدم التبعية المطلقة لأى قوة عظمى أو حتى قوى عربية التعاون، فى كل المجالات اقتصاديا وعسكريا
التنوع، فلم تعد العلاقات المصرية الأمريكية هى الرهان المصرى الوحيد بل أصبحت علاقتنا بروسيا والصين كقوى موازية علاقات متميزة تماما.
بدأ العالم يعرف عبد الفتاح السيسى فى يوم 3 يوليو عام 2014 عندما خرج الفريق أول - يومها - السيسى باعتباره وزير الدفاع معلنا خارطة الطريق وتكليف رئيس المحكمة الدستورية بإدارة شؤون الدولة بعد أن أرغم الشعب الجميع على احترام كلمته.
وكان الأمر غير مفهوم بالنسبة لكثير من الدول التى تفاوتت مواقفها فبعضها تحدث عن أنها حركة للجيش والآخر تحدث عن أنها ثورة وقف وراءها الجيش وآخرون ذهبوا إلى أنها انقلاب عسكرى والدول القريبة تفهمت أنها إرادة شعب. وكان على الدولة منذ ذلك التاريخ أن تبدأ بمؤسساتها فى خطة لشرح هذا الأمر، لكن لا أستطيع أن أقول إننا فعلنا شيئا ملحوظا طوال عهد الرئيس عدلى منصور لا فى شرح طبيعة ما حدث فى مصر ولا فى أن نخلق شخصية للدولة المصرية، وهذا هو التعبير الذى استطاع رئيس الدولة الحالى عبد الفتاح السيسى أن يحققه.
لم أقل مثلا إننا أصبحنا دولة عظمى أو أن البحث العلمى فى بلادنا أصبح يخدم البشرية، لكن فقط أقول أصبح لنا شخصية، ووجود شخصية للدولة المصرية أمرا كان قد تعرض لمحن كثيرة بعد ثورة يناير فقد فقدنا البعد الأفريقى وكثيرا من البعد الدولى والإقليمى وكان السند الرئيسى لنا فى هذا التوقيت على الصعيد الخارجى السعودية والإمارات.
وبدأت تظهر الشخصية التى أقصد أن السيسى استطاع تكوينها لمصر منذ احتفال التنصيب وهو الاحتفال الذى أرى أن الأموال التى صرفت عليه كانت فى محلها تماما حتى وإن كانت أضعافا، ففى هذا اليوم لعبت الصورة دورا كبيرا داخليا وخارجيا فقد بدأ المواطن المصرى يشعر أن زمام الدولة فى يد رجل هو اختاره وراءه مؤسسات الدولة مجتمعة والعالم أجمع بكل قادته أتى إلى مصر كى يحتفل باختيار الشعب، وخارجيا أيضا وصلت الرسالة الأولى إلى العالم بأن فى مصر أصبح هناك رئيس قوى اختاره الشعب.
وللأمانة فقد كسبنا الجانب الروسى فى مرحلة مبكرة فالرئيس بوتين هو أول من لقب السيسى بالرئيس أثناء زيارة السيسى لروسيا كوزير دفاع ولم يكن الاستقبال الحافل له لأنه وزير دفاع بل كان معلوما على الأقل لدى القادة الروس أن هذا الرجل هو رئيس مصر القادم لاسيما وقد أصبحت شعبيته فى الشارع معروفة لدى الكافة.
وتبقت أوروبا وأمريكا، وبدأ الأمر بعلاقات محورية جديدة تربطنا بإيطاليا واليونان وقبرص وهو محور البحر الأبيض المتوسط الذى أعتقد أنه من إنتاج السياسة الخارجية الحالية فلم يكن محل اهتمام كبير من الإدارات السابقة.
وكنت شاهدا على زيارة الرئيس الأولى للولايات المتحدة أو بالتحديد لحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة هنا رأيت بعينى أن رئيس مصر هو شخصية مشهورة يسعى كثيرا من الرؤساء إلى لقائه للتعرف على هذه الشخصية، أذكر أن الجانب الفرنسى بعد أن قابل الرئيس قالوا لى فى مقر الأمم المتحدة إننا كنا نتوقع أن نقابل قائدا عسكريا يمتاز بالصرامة لكن الحقيقة وجدناه على المستوى الشخصى إنسانا ودودا وعلى المستوى السياسى على دراية كاملة بالأوضاع العالمية - والحقيقة أن فترة الرئيس عدلى منصور هى كانت فترة المذاكرة الرئيس السيسى استغلها تماما للاطلاع والبحث فى كل الملفات الداخلية والخارجية - مما ساعده على أن يكون جاهزا تماما للمجتمع الدولى.
وجاء لقاء الرئيس باراك أوباما مع رئيس مصر الجديد بناء على طلب الجانب الأمريكى وتوقعنا يومها أن اللقاء سيستغرق دقائق ولكنه استمر لما يقرب من ساعة وبدأنا نسمع تصريحات إيجابيه جدا من واشنطن عكس ما كان يحدث بعد 30 يونيو. ثم جاءت صفقة الطائرات مع فرنسا لتفتح بابا كبيرا للعلاقات المصرية الفرنسية التى اعتقد وبحكم القرب من المجتمع الفرنسى أنها فى عام 2015 شهدت تطورا لم نره فى تاريخ علاقات البلدين.
بعدها حضرت مؤتمر داڤوس الاقتصادى فى سويسرا وكان الرئيس السيسى لأول مرة يزور داڤوس ولأول مرة يلتقى المستشارة الألمانية ميركل ولم أكن متفائلا بعد اللقاء وأعتقد أنه لقاء لم يكن لطيفا، إلى أن زار الرئيس برلين وسمعت ميركل فى المؤتمر الصحفى تقول إنه لا يمكن لنا تجاهل رغبة الملايين من المصريين الذين نزلوا إلى الشوارع للمطالبة بالتغيير هنا عرفت إننا كسبنا هذه الجولة كآخر أهم محطة أوروبية مهمة. وشاهدنا زيارة الرئيس للصين ومؤخرا زيارة الرئيس الصينى لمصر وهو أيضا أمر لم يحدث منذ سنوات. واهتم الرئيس السيسى بالمحور الأفريقى وعادت مصر إلى أفريقيا وإن كنت أرى أنها عودة بروتوكولات وتحتاج إلى عودة حقيقية.
كل العالم فى أقل من سنتين أصبحت علاقاته جيدة بمصر باستثناء تركيا وقطر ويمكن إيران بحكم الظروف الأخيرة.
أيضا كانت هناك كلمة للرئيس السيسى أمام مشايخ الأزهر فى إحدى المناسبات الدينية وفيها قال الرئيس علينا إصلاح الفهم الخاطئ لدى البعض منا للنصوص الإسلامية، وهو تصريح شجاع جدا لأن عادة ما يحاول زعماء الدول الإسلامية الابتعاد عن هذه النقاط التى قد تؤثر على شعبيتهم، وهذه الكلمات جعلت المجتمع الغربى والأمريكى يقدر فكر الرئيس المتفتح ووصف بأنه قادر على المصارحة والمواجهة وأعتقد أن هذه الكلمه أكسبتنا احتراما كثيرا كما أكسبت الرئيس السيسى على الصعيد الدولى شهرة مبكرة، لكن الاختبار الحقيقى للسياسة الخارجية المصرية سيظهر فى قضية سد النهضة والعلاقات المصرية التركية والحدود مع السودان وسياسة مصر فى ليبيا، هذه هى القضايا الحقيقية التى تتعرض فيها السياسية المصرية لآخر اختبار وأصعبه والعبرة بالنتيجة.
كل التطورات الإيجابية فى السياسية الخارجية كان لشخص الرئيس دور كبير فيها، لكن أيضا كانت هناك وزارة الخارجية التى أعتقد أنها فى أروع حالاتها منذ أعوام ولدينا بعثات دبلوماسية كانت هى التى تضع أجندات لزيارات الرئيس الخارجية وكانت موفقة جدا فى ذلك وتم الدفع بعدد من السفراء المخضرمين فى البلدان الرئيسية فى العالم.
ما حدث على الصعيد الدولى لعلاقات مصر الخارجية كان إنجازا لأنه تم فى وقت قياسى لكن ذاكرة الشعب المصرى ضعيفة جدا فلو لم تنجح الإدارة فى ملف سد النهضة أو فى إقناع العالم بسياستها فى ليبيا أو لاقدر الله فى قضية حلايب، هنا قد ينسى هذا الشعب كل الإنجازات ولن يتذكر سوى لا قدر الله الإخفاقات، لذلك وجبت التحية وأيضا وجب التنبيه.