يبدو أن غرب أفريقيا على مشارف تدخل عسكرى جديد، سيضيف إلى القارة السمراء مزيدا من الأعباء والتعقيدات ويخلق بؤرة جديدة من التوترات، بسبب الأزمة السياسية التى تعانى منها جامبيا بعد رفض الرئيس المنتهية ولايته يحيى جامع الذى تولى الحكم لـ22 عامًا، وكان يُوصف بأنه أعتى ديكتاتور فى العالم التسليم بنتائج الصناديق.
ورفض الرئيس الذى كان يعد بحكم بلاده "لمليار عام"، تسليم السلطة للرئيس الجديد المنتخب أداما بارو، ما يهدد بدخول البلاد دوامة الفوضى والحرب، فالأزمة أخذت خلال الساعات القليلة الماضية منحنى متصاعدا بعد أن أكد مصدر عسكرى فى نيجيريا، الثلاثاء، أن بلاده تعمل مع دول أخرى فى غرب أفريقيا على تشكيل قوة مشتركة للتدخل عسكريا فى جامبيا إذا أصر جامع على عدم التخلى عن الرئاسة. وقال المصدر بحسب ما نشرته رويترز: "اتُخذ قرار بأنه جامع لن يظل رئيسا لجامبيا بعد انتهاء فترته الرئاسية".
وجاءت هذه المبادرة النيجيرية قبل يومين من موعد تسليم السلطة، حيث من المقرر أن يشهد الخميس مراسم تنصيب الرئيس الجديد بارو وأداء اليمن الدستورية، ورغم ضعف الآمال حول مرور هذا اليوم بسلام بسبب تصاعد التوترات فى العاصمة بانجول، إلا أن الرئيس المنتخب - والذى غادر جامبيا إلى السنغال بسبب الاضطرابات ويٌتوقع أن يعود الخميس- يصر على أن مراسم أداء اليمين ستمضى قدما.
وقبل تدخل عسكرى وشيك فى جامبيا بدأ المحيطون بجامع القفز من المركب قبل الغرق، حيث أعلن التليفزيون الرسمى صباح اليوم أن وزراء المالية والخارجية والسياحة والثقافة والتجارة والبيئة بحكومة جامع، قدموا استقالتهم، وهى الخطوة التى جاءت بعد ساعات من امتناع كبير قضاة المحكمة العليا فى جامبيا أمس عن إصدار حكم فى التماس تقدم به جامع طعنا على هزيمته فى الانتخابات.
ولم يترك الرئيس المنتهية ولايته أى فرصة لحل الأزمة سلميا، حيث أفشل جامع جهود جميع الوسطاء الذين حاولوا التدخل وفى مقدمتهم بعثة الوساطة التى قامت بمفاوضات فى بانجول برئاسة الرئيس النيجيرى محمد بخارى ورئيسة ليبيريا إلين جونسون سيرليف، حيث تردد أن الرئيس النيجيرى عرض على جامع اللجوء السياسى إذا ما وافق على تسليم السلطة، كما فشلت محادثات مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (ايكواس)فى ديسمبر الماضى.
ويأتى عزم نيجيريا التدخل عسكريا فى الوقت تزامنا مع جهود إيكواس إلى نيل الموافقة الرسمية على إرسال جنود إلى جامبيا فى حال أصر جامع على عدم تسليم السلطة وفق ما أعلن محمد بن شمباس المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى غرب أفريقيا الأسبوع الماضى.
وقال جامع فور الإعلان عن خسارته الانتخابية أنه سيغادر السلطة ويسلمها للرئيس المنتخب، إلا أنه سرعان ما تراجع وتمسك بالسلطة التى تولاها فى عام 1994 عقب انقلاب عسكرى، وزعم وجود مخالفات فى عمليات التصويت وقدم طعنا فى النتائج إلى المحكمة العليا فى جامبيا.
وقال الاتحاد الإفريقى فى بيان له اليوم، إنه لن يعترف بيحيى جامع رئيسا لـ"جامبيا" بعد 19 يناير الجارى، حيث الموعد المقرر لتسليم السلطة، وأضاف مجلس الأمن التابع للاتحاد الافريقى أن جامع سيواجه عواقب وخيمة إذا سبب أى أزمة قد تؤدى إلى اضطراب سياسى وإنسانى وكارثة فى مجال حقوق الإنسان، بما فى ذلك فقدان الأرواح البريئة وتدمير الممتلكات.
وأضاف الاتحاد الأفريقى أن الحاكم المستبد، الذى يرفض قبول نتيجة الانتخابات التى جرت فى مطلع ديسمبر الماضى، وخسر خلالها السلطة لصالح بارو، يجب أن يتوقف عن تقويض العملية السياسية التى تسبق تنصيب بارو، كما نصح الاتحاد الأفريقى قوات الدفاع والأمن فى جامبيا بالالتزام الصارم بالدستور، والحفاظ على سيادة القانون ووضع أنفسهم تحت تصرف بارو، وبتمسك جامع بالسلطة أصبح هذا البلد الصغير فى غرب افريقيا بؤرة جديدة معرضة لصراع مسلح لا أحد يعلم متى قد ينتهى وأى عدد من النازحين واللاجئين سيخلف.