ونحن نستقبل 25 يناير خالطتنى مشاعر شتى.. مابين صفحة بطولة كتبها وسطرها للتاريخ رجال الشرطة المصرية فى عام 1952،الذين أمنوا بوطنهم وقدموا أرواحهم من أجل كبريائه وحريته.. وما بين ثورة ما زال المجتمع يختلف على وصفها بالثورة، ولكن شئنا أم أبينا فقد كانت تمثل نقطة تحول فى مسيرة الدولة المصرية، وصفها البعض بثورة الخراب، ووصفها آخرون بثورة المتآمرين، ونعتها البعض بالثورة التى غيرت مسارات التاريخ .
وفى خضم هذه الأحاسيس المختلطة والمتباينة قفز إلى ذهنى سلسلة من نضالات الشرطة المصرية، التى خلدها التاريخ ضمن ما خلدها فى عام 1952 عندما قدموا أرواحهم وأصروا على الموت عشقا لتراب هذا الوطن، فلم يكن يوم 25 من يناير يوما عاديا فى تاريخ مصر، ولكنه شهد على بسالة وشجاعة رجال الشرطة المصرية، حينما رفضوا تسليم محافظة الإسماعيلية للبريطانيين، رغم قلة أعدادهم، وضعف أسلحتهم، فسقط العديد من الشهداء، ومئات الجرحى، ولكن هذا اليوم اكتسب خصوصية ليكون عيدا لهم ولكل المصريين، إذ تمثل معركة الإسماعيلية واحدة من فصول النضال الوطنى.
ففى صباح يوم الجمعة الموافق 25 يناير عام 1952 قام القائد البريطانى بمنطقة القناة "البريجادير أكسهام" واستدعى ضابط الاتصال المصرى، وسلمه إنذارا لتسلم قوات الشرطة المصرية بالإسماعيلية أسلحتها للقوات البريطانية، وترحل عن منطقة القناة وتنسحب إلى القاهرة.. وما كان من المحافظة إلا أن رفضت الإنذار البريطانى وأبلغته إلى فؤاد سراج الدين، وزير الداخلية فى هذا الوقت، الذى طلب منها الصمود والمقاومة وعدم الاستسلام، فاشتد غضب القائد البريطانى فى القناة وثار، فأمر قواته المحتلة بمحاصرة قوات شرطة الإسماعيلية وأطلق البريطانيون نيران مدافعهم بطريقة وحشية لأكثر من 6 ساعات، فى الوقت التى لم تكن قوات الشرطة المصرية مسلحة إلا ببنادق قديمة الصنع، وحاصر أكثر من 7 آلاف جندى بريطانى مبنى محافظة الإسماعيلية والثكنات وكان يدافع عنهما 850 جنديا فقط، مما جعلها معركة غير متساوية القوة بين القوات البريطانية وقوات الشرطة المحاصرة، التى دافعت ببسالة عن أرضها بقيادة الضابط مصطفى رفعت حتى سقط منهم خمسون شهيدًا والعديد من الجرحى بعد أن قدموا ملحمة نضالية نرويها لأبنائنا.
كان هذا اليوم يوما خالدا فى سجل الشرطة المصرية فصار عيدا نحتفى فيه بأمن الوطن،وما أشبه الليلة البارحة ،عندما نشاهد فصولا جديدة من نضال رجال الشرطة المصرية فى مواجهة عدو هو أكثر شراسة ودونية من الاحتلال الإنجليزى على مصر آنذاك وهو العدو الإرهابى.. وتربطنى صداقات قوية ببعض ضباط الشرطة ويصرحون لى كثيرا أنهم يحملون أرواحهم على أكفهم كل صباح دون أن يبالوا إلا باستقرار هذا الوطن وأمنه، كل منهم مشروع شهيد من أجل مصر، وفى هذا الصدد لا يمكن أن ننكر أن هناك خروقات للقانون من بعض الأفراد ،كون الشرطة كغيرها من فئات الوطن فيها الصالح وبها الطالح، فلا يوجد مجتمع ملائكى الصفات، فلا المحامين أو الصحفيين أو الأطباء أو غيرهم ملائكة، وهو الأمر الذى نطالب عنده بضرورة إنفاذ القانون، لأن إنفاذ القانون هو أهم أوجه العدالة ،وأهم أشكال دولة المؤسسات.. لكن تبقى الشرطة المصرية فصيلا مؤمنا بالوطن وأمنه وأمانه واستقراره ووحدته.
وكان نظام مبارك قد ارتكب خطيئة كبرى فى حق الأمن المصرى، عندما قامت المظاهرات الفئوية لبعض الفئات للمطالبة بحقوقهم توارى منها وابتعد عنها رجال نظام مبارك وساسته، وتركوا الأمن فى مواجهة هذه المظاهرات، وعندما تكون حلول كل الأمور المعقدة حلولا أمنية فلا تنتظر غير الاحتقان والغضب، فتحمل الأمن أوزار نظام بأكمله لأن ساسته آثروا الاختباء.. حتى جاء العام 2011 ليحمل منذ ساعاته الأولى دعوات التظاهر ضد النظام الحاكم فى يوم عيد الشرطة، وهو الأمر الذى أثار التكهنات حول مدى مصداقية هذه الدعوة لأنه يأتى فى يوم خلده التاريخ، وظهرت دعواتهم مخلوطة بالخيانة وكأنهم يريدون محو هذا اليوم من سجل التاريخ ،وتبنى هذه الدعوة بعض الشباب الذين وصفوا أنفسهم بالنشطاء وتلقى معظمهم تدريبات فى دول خارجية على هذه المظاهرات وكيفية بث الشائعات لتأليب الشعب على السلطة ،ومعهم الإخوان الذين ظلوا ينتظرون هذا اليوم منذ تأسيس جماعتهم فى عام 1926 ليتمكنوا من تحقيق مآربهم على جثة الوطن الذى لا يعترفون به وطنا، ولكنه "كوبرى" لأغراضهم الخبيثة، وعلى جانب آخر راح الإعلام الغربى وإعلام قناة الجزيرة المسموم يحاصر المصريين وعقولهم .
وهنا أدرك مبارك أن المؤامرة قد فاقت قدراته وقدرات نظامه ،فتنحى عن الحكم ،ولو رفض التنحى لكانت مصر الآن مثل سوريا أو ليبيا أو اليمن ،فكان تنحيه إنقاذا للوطن ،وكانت المفاجأة التى أربكت متآمرى الخارج الذين كانوا يريدون إسقاط الدولة المصرية وليس نظام مبارك فقط، ولكن جاء التنحى بعد أن قام الخونة وعملاؤهم باقتحام السجون وأقسام الشرطة ،وحولوا مصر إلى حالة من الفوضى التى كانت نذيرا بسقوط مصر لولا يقظة ووطنية وشجاعة وبسالة الجيش المصرى.
وكانت ثورة 25 يناير كاشفة لفئة المجرمين والمتنطعين والخونة من الإخوان ،عندما انطلقوا يعبثون بتاريخ هذه الأمة بعد أن دانت لهم السلطة ،فأدرك الشعب الخديعة التى وقع فيها ،فاستجمع صفوفه ،وتوحدت قوته فى حماية الجيش المصرى حتى تخلصت مصر من هذا المرض اللعين المسمى بالإخوان ،وطردهم وشردهم الشعب بين بلاد الخونة أو فى السجون، وراحت مصر تقود ناصيتها رجال آمنوا بهذا الوطن، وواجهوا الإخوان وإرهابهم .
ونحن نحتفل غدا الأربعاء بيوم 25 يناير ، فإنه يأتى وقد استعادت الشرطة المصرية عافيتها ،وقوتها ، وفى الوقت ذاته فإننا نشكر ثورة 25 يناير التى كشفت المجرمين والمرتزقة، ولكننا فى نفس الوقت نحذر ونؤكد على أنه إذا كانت ثورة 30 يونيو قد قضت على السرطان المسمى بالإخوان فإن هناك فيروسات أخرى أطلقها الخونة نحو مصر والتخلص منها ضرورة، وهم الذين يصفون أنفسهم بالنشطاء رغم أن الشعب يصفهم بالعملاء، ولن يهدأ الداخل فى مصر إلا بعد أن يلقوا مصير الإخوان، أو ينال كل منهم جزاء الخيانة.