أصبح عدد كبير من القطاعات الاقتصادية المصرية هدفا قويا لعمليات استحواذ خلال الفترة المقبلة، خصوصا بعد الأحداث السياسية خلال الـ5 أعوام الماضية وتعديل عدد من القوانين الخاصة بالاستثمار، بالإضافة إلى الإجراءات الاقتصادية الأخيرة فى عهد الرئيس السيسي فى برنامج الإصلاح الاقتصادى الشامل لمصر.
هذا البرنامج الإصلاحى كانت أهم إجراءاته تعويم العملة المصرية وجعل تحديدها يعتمد على آليات العرض والطلب، وهو ما خلق فرصا استثمارية ضخمة، خصوصا بعد تراجع قيمة الشركات السوقية نتيجة تراجع قيمة الجنيه، وهو ما يستدعى ضرورة تشديد الرقابة على التعاملات خلال هذه الفترة مع وضع آلية قانونية جديدة لتخارج كبار المساهمين.
توقعات عمليات الاستحواذات والدمج فى العالم
توقع تقرير اقتصادى لشركة بيكر ماكينزى، خلال نشرة التوقعات المعدة بالاشتراك مع "أكسفورد إيكونوميكس"، أن يرتفع إجمالى الناتج المحلى إلى نسبة 2.6%فى عام 2017 والى نسبة 2.8% فى العام 2018، نظرا لتراجع التهديدات حول استقرار الاقتصاد العالمى مما حول المستثمرين من حالة التخوف إلى الرغبة فى الاستثمار.
وأوضحت الشركة فى نشرة التوقعات الثانية أن أداء الصفقات -على المدى القصير- مر بحالة عدم يقين بسبب عوامل جيوسياسية ولكنه أظهر مزيداً من التفاؤل خلال السنوات القادمة بسبب تحسن فى نشاط الصفقات على مدى السنوات الأربع المقبلة نتيجة الانتعاش التدريجى فى معدل النمو الاقتصادى العالمى خلال السنوات المقبلة.
وتستند النشرة إلى التوقعات حول قيام مسئولى الاتحاد الأوروبى والمملكة المتحدة بإحراز تقدماً فى توطيد علاقة جديدة خلال عام 2017، وكذلك التوقعات بشأن قيام الإدارة الأمريكية الجديدة باتخاذ موقف واقعى نحو السياسة التجارية والهجرة الدولية، كما ستضع خططا لتوفير الحوافز المالية، بالإضافة إلى استمرار الصين فى إدارة تحولها إلى اقتصاد ناضج، وكذلك استمرار الانتعاش الاقتصادى فى منطقة اليورو، بالإضافة إلى استمرار الأسواق المالية فى تحقيق مستويات قياسية جديدة وارتفاع ثقة المستثمرين.
وقال "بول رولينسون، رئيس مجلس الإدارة بالشركة، إن العالم يشهد حالة من عدم الاستقرار؛ ولكن أنشطة الصفقات تلوح فى الأفق وستتبلور قريباً حيث تشير الميزانيات العمومية القوية للشركات والتمويل منخفض التكلفة والنمو المعتدل فى الأسواق والقطاعات الرئيسية إلى انتعاش عمليات الاندماج والاستحواذ على المدى المنظور فى العام 2017 بعد فترة من الحذر فى الربع الأول تليها توقعات بالنمو فى عام 2018.
وتباطأت عمليات الدمج والاستحواذ وأنشطة الطرح العام فى عام 2016 بشكل حاد وسط حالة عدم اليقين الاقتصادى والسياسى، حيث أدت التقلبات فى سوق الأسهم فى الولايات المتحدة والمخاوف المتزايدة بشأن التباطؤ الاقتصادى فى الصين وكذلك انخفاض أسعار النفط والسلع إلى جعل صانعى الصفقات أكثر حذرا ثم تفاقمت هذه المخاوف بعد تصويت المملكة المتحدة على مغادرة الاتحاد الأوروبى وفى أعقاب الانتخابات الرئاسية فى الولايات المتحدة.
وتوقع "مايكل دى فرانكو"، الرئيس العالمى لعمليات الدمج والاستحواذ بالشركة، أن تستمر حالة عدم اليقين خلال الربع الأول من العام الحالى، وكذلك تشير توقعات النشرة إلى انخفاض طفيف فى عقد الصفقات خلال 2017 لتصل قيمة الصفقات إلى 2.5 تريليون دولار أمريكى بعد أن كانت 2.8 تريليون خلال عام 2016 ويعود ذلك إلى أن ترقب المستثمرون لوضوح الرؤية حول علاقة المملكة المتحدة بالاتحاد الأوروبى وتأثير سياسات الادارة الامريكية الجديدة على التجارة والاستثمار."
ويتوقع التقرير حدوث انتعاش فى عمليات الدمج والاستحواذ العالمية لتصل إلى ذروتها بمبلغ 3 تريليونات دولار أمريكى فى العام 2018 (أقل من مستوى الذروة فى الولايات المتحدة البالغ 3.4 تريليون دولار أمريكى حسب التوقعات السابقة) ومن ثم ستتباطأ أنشطة عقد الصفقات تدريجيا فى العام 2019، حيث ستنخفض إلى حوالى 2.8 تريليون دولار أمريكى فى ذلك العامالى 2.3 تريليون دولار أمريكى فى العام 2020، نظراً لزيادة تكلفة التمويل العالمى وستبدأ التوقعات بالانخفاض.
وتتوقع النشرة ارتفاعاً طفيفاً فى أنشطة الاكتتابات العامةخلال2017 بعد تباطؤ فى العام 2016 وسترتد مجدداً فى العام 2018 و2019 نظراً لأن الشركات التى أرجأت إدراجها فى الأسواق ستعود إلى أسواق الطرح العام من جديد. وتشير التوقعات إلى ارتفاع نشاط الاكتتابات العامة العالمية من 133 مليار دولار أمريكى فى العام 2016 إلى 167 مليار دولار أمريكى فى عام 2017 ثم تبلغ ذروتها لتصل إلى 275 مليار دولار أمريكى فى كل من عامى 2018 و2019.
وقال "كوين فانهارينتس"، الرئيس العالمى لأسواق رأس المال فى "بيكر ماكينزي": "إن تحسن معنويات السوق وتطلع عدد من الدول إلى إدراج شركات حكومية بهدف جمع رؤوس اموال وتحديداً فى أوروبا الوسطى والشرقية ورابطة الدول المستقلة والشرق الأوسط وأفريقيا، سيؤدى إلى توفير بيئة اقتصادية أكثر اعتدالا فى عام 2017 مع توقعات بحدوث انتعاش خلال النصف الثانى من 2018."
وأضاف السيد"زاهى يونس"، شريك فى قسم أسواق رأس المال وعمليات الدمج والاستحواذ فى الشركة الزميلة لبيكر ماكنزى فى المملكة العربية السعودية: "يوجد حالياً بعض التردد تجاه أنشطة الاكتتاب العام لحين توافر السيولة النقدية وتحسن ثقة المستثمرين ولذلك فنحن لا نزال نرى على المدى القصير حالة من عدم الوضوح فى الأسواق وخصوصا فى ظل استمرار انخفاض أسعار النفط ومع ذلك -على المدى المتوسط- سيكون لإصلاحات الحكومة السعودية التى تنطوى على عدد من عمليات الخصخصة إلى جانب رغبة هيئة السوق المالية فى زيادة عدد الشركات المدرجة فى سوق الأسهم السعودية، تأثيرا إيجابيا على نشاط الاكتتابات العامة فى المملكة.
توقعات عمليات الاستحواذات والدمج فى مصر
محسن عادل نائب رئيس الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار أشار إلى أنه يشهد العالم عمليات استحواذات كبرى خلال الفترة الأخيرة برؤوس أموال عربية وأسيوية غالبا فى ظل حدوث تعثر فى الأصول لعدد من الشركات الكبرى بعد الأزمة الاقتصادية العالمية خلال الفترة الماضية.
وأضاف أنه كشف تراجع البورصة المصرية منذ 2009 وما أعقبها من ثورة يناير عن وجود فرص للاستحواذ على العديد من الشركات المهمةوالاستراتيجية بأسعار رخيصة نتيجة التأثيرات السياسية والأمنية فرغم الضوابط المشددة فى القانون فى مثل هذه الحالات إلا أن هذه العمليات عادة ما تتم فى إطار قانونى يتيح تنفيذها، خصوصا فى ظل تفتت هياكل ملكية العديد من الشركات والمخاوف لدى المستثمرين الأفراد بشأن طول فترة الاحتفاظ نتيجة عدم استقرار الأوضاع.
وأد على أن العديد من المؤشرات بالفترة الأخيرة تظهر أن ميول المستثمرين تتجه نحو اقتناص الفرص والصفقات الرخيصة، وفقا لقاعدة (حال وجود عدد محدود من المستثمرين فى السوق، والكثير من الأصول المعروضة للبيع، ينفذ المستثمرون أقوى الصفقات الاستثمارية الرخيصة) ويجب هنا التأكيد على أن عمليات الاستحواذ التى شهدتها السوق خلال الأعوام الماضية أدت إلى تدفق سيولة كبيرة نظراً لقيام هذه الشركات بعمليات إعادة هيكلة لتلك الشركات التى تم الاستحواذ عليها وتطوير خطوط إنتاجها ما أدى إلى زيادة طاقتها الإنتاجية وارتفاع الطلب على الأيدى العاملة.
وأوضح نائب رئيس الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار أن ما ساعد على توجه الشركات الغربية لدخول السوق المصرية عبر عدد من عمليات الاستحواذ هو الفرص المتاحة للاستثمار سواء كانت صناعية أو زراعية أو سياحية لهذا فإنه فى الوقت الحالى فرغم الاستقرار السياسى إلا أن الشواهد تؤكد على الاهتمام الدولى بالاستثمار فى مصر خاصة إذا ما اتخذت الدولة خطوات أكثر جدية لمعالجة المنازعات القانونية فى القضايا الاقنصادية.
كشف عن أن الشركات الأوروبية والأمريكية بدأت تبحث عن موارد جديدة لها والدخول فى نشاطات لها القدرة على تحقيق أرباح، خاصة بعد أن بدأت تواجه منافسة شرسة مع الشركات الصينية والهندية والكورية التى بدأت تغزو إفريقيا بشكل كبير مستحوذة على ما يقرب من 60% من هذه الاستثمارات فى إفريقيا كما أن أغلب الشركات العالمية بدأت تبحث عن بدائل من أجل خلق كيانات جديدة ناشئة لها القدرة على تحقيق أرباح كبيرة من أجل تعويض خسائرها التى منيت بها إثر الأزمة المالية العالمية بحيث تكون نقطة انطلاق لها فى أسواق أخرى وفى مقدمتها إفريقيا التى أصبحت الملاذ الآمن لهذه الشركات نظراً لما تتمتع به هذه المناطق من ثروات معدنية وسوق استهلاكى كبير.
وأشار عادل إلى أن عودة الثقة إلى قطاع الملكية الخاصة فى مصر فى ظل بالأزمة الاقتصادية العالمية تدعم التفاؤل بشأن الاستثمارات لقطاعات أكثر قدرة على النمو مثل الرعاية الصحية والتعليم والسلع الاستهلاكية والنفط والغاز، ومن المرجح أن تستفيد هذه القطاعات من خطط الانفاق الحكومى والتغييرات التشريعية.
وتعتبر قطاعات النقل، الطرق ذات التعرفة المرورية، الموانئ والطاقة قطاعات جذابة للمستثمرين لأنها تجلب مليارات الدولارات فى الانفاق الرأسمالى يضاف إلى ذلك أن ندرة الشركات التى يمكن الاستثمار فيها والضوابط المفروضة على شركات الملكية الخاصة المتعلقة بالاستحواذ على الحصص لا يزال يعيق تدفق عروض الشراء وقد تجبر العناصر الديناميكية شركات الملكية الخاصة على إعادة النظر فى طرق ممارسة أعمالها، من حيث طرق البحث عن الشركات، هيكلة الرقابة وإعداد التقارير.
وأوضح أن قطاعات مصرية رئيسية قد تكون خلال الفترة القادمة هدفا قويا لعمليات استحواذ مما يستدعى ضرورة تشديد الرقابة على التعاملات خلال هذه الفترة مع وضع آلية قانونية جديدة لتخارج كبار المساهمين.