خاطبت وزارة الخارجية المصرية سفارتها فى غانا: «أبلغوا السيدة فتحية أن تلجأ إلى السفارة هى وأطفالها الثلاثة، وتوجهوا بطلب رسمى باسم الحكومة المصرية إلى سلطات الانقلاب بتركهم لمغادرة أكرا إلى القاهرة».
جاء هذا الطلب بعد وقوع الانقلاب العسكرى ضد الرئيس نكروما يوم 24 فبراير «مثل هذا اليوم» عام 1966، والسيدة المعنية هى «فتحية رزق حليم» المصرية التى تزوجت «نكروما» يوم 30 ديسمبر 1957 ليصبح اسمها «فتحية نكروما»، هى خريجة جامعة القاهرة وتبلغ من العمر 26 عاما وقت زواجها، أما وقت الانقلاب فكان عمرها 35 عاما، وحسب كتاب «العلاقات بين مصر وغانا 1957 - 1966»، تأليف «أسامة عبدالتواب محمد» عن «دار الكتب والوثائق القومية - القاهرة» فإن وضع السيدة فتحية كان هو القضية الثانية التى شغلت القيادة المصرية فور وقوع الانقلاب لأنها «أدت خدمات جليلة للقيادة السياسية المصرية، ورأت مصر أن من واجبها حمايتها، ولأنها لم ترافق زوجها فى رحلته الآسيوية التى بدأها قبل وقوع الانقلاب، عملت مصر على ضرورة استرجاعها هى وأطفالها ليكونوا فى مأمن من تطور الأحداث فى غانا»، أما القضية الأولى فكانت الاطمئنان على الرعايا المصريين، حيث كانت هناك جالية مصرية كبيرة ضمت العديد من المعلمين وأساتذة الجامعات والخبراء فى جميع المجالات، وبعد ظهر يوم 24 فبراير أرسلت السفارة المصرية فى أكرا إلى وزارة الخارجية فى القاهرة برقية تؤكد أن جميع المصريين الموجودين فى غانا بخير وعلى ما يرام.
كان «نكروما» هو الزعيم الغانى الذى قاد حركة التحرر الوطنى لبلاده للحصول على الاستقلال من الاستعمار البريطانى بعد أكثر من قرن الزمان تحت الاحتلال، وحصل عليه بالفعل فى مارس 1957، ووفقاً لـ«عبدالتواب»: «لفتت حرب السويس 1956 أنظار نكروما إلى مصر وجمال عبدالناصر، وصرح فى أكثر من مناسبة قائلاً: بعد السويس أدركنا جميعا أننا نستطيع أن نتحرك وأننا نقدر على الوصول، كما أن القيادة المصرية هى التى رتبت له الزواج حتى تجعل علاقته مع عبدالناصر ود ومصاهرة، ويؤكد هذا أن نكروما كلما كان يحضر إلى القاهرة، كان الرئيس عبدالناصر يحضر إلى مطار القاهرة ومعه أهل السيدة فتحية حتى يظهر أنه هو صهر نكروما».
يؤكد «عبدالتواب»، أن «فتحية» قدمت خدمات وطنية جليلة لمصر، حيث كانت تجتمع بالرئيس عبدالناصر وأسرته عندما كانت تأتى إلى مصر، وكانت تخبره بأى نشاط إسرائيلى من شأنه أن يعرقل الدور المصرى فى غانا، وبلغ تأثر نكروما بـ«عبدالناصر» حد أنه أطلق اسم جمال على ابنه الأول، وقبل أشهر من مولده صرح أنه إذا كان ذكرا سيطلق عليه اسم شخص عزيز يجله ويحترمه، وظل محتفظاً بسرية هذا الاسم حتى أطلقه يوم 3 إبريل 1959.
بهذه الخلفية، استقبلت مصر أنباء الانقلاب على نكروما الذى جاء لمصر يوم 21 فبراير «قبل الانقلاب بثلاثة أيام» وبقى فيها 16 ساعة فقط، حيث غادرها صباح اليوم التالى، وكان «عبدالناصر» أول المودعين له، وتوجه منها إلى بورما ثم إلى العاصمة الصينية بكين، وكان مقررا أن يذهب إلى «هانوى» فى فيتنام، ثم إلى موسكو، وجاء جدول هذه الزيارات تنفيذا لاقتراح من دول عدم الانحياز بأن يكون لها موقف فى حل مشكلة الحرب الأمريكية على فيتنام، والتوقعات بالتدخل العسكرى الكامل فى الأراضى الفيتنامية، وتم اختياره من كتلة «عدم الانحياز» لمحاولة حل هذه القضية، وأراد زيارة القاهرة ليحمل وجهة نظر الرئيس عبدالناصر معه إلى قادة الدول التى سيزورها، وانتهز الجيش الغانى بالتعاون مع قوات البوليس سفره وانقلبوا عليه.
وصلت فتحية وأطفالها الثلاثة إلى مطار القاهرة بعد منتصف ليل 25 فبراير، وبعد رحلة شاقة بدأت من الساعة السادسة مساء 24 فبراير، وأرسل بابا الكنيسة الأرثوذكسية البابا كيرلس السادس وفدا للاطمئنان عليها، أما نكروما وحسب «عبدالتواب» فقرر التوجه من «موسكو» إلى غانا لمواجهة الموقف وتأليب الشعب الغانى ضد قيادات الانقلاب، غير أن القيادة المصرية رأت صعوبة واستحالة هذا العمل، فنصحته أن يأتى إلى القاهرة ليلحق بأسرته خصوصاً أنه يمتلك منزلا على النيل فى القاهرة، لكنه فضل الذهاب لصديقه سيكوتورى، رئيس غينيا، كى يحاول من هناك أن يعود إلى بلاده.