وزير الصحة للمحكمة: لست مسئولا عن التأمين الصحى
المحكمة: الوزير هو الرئيس الأعلى للهيئة.. والأحكام تنفذ تحت مسئوليته
قضت محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية الدائرة الأولى فى البحيرة برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة، بإلزام الحكومة بالعلاج المجانى للأطفال مرضى السكر فى المدارس.
حق دستورى
وقالت المحكمة إن المشرع الدستورى ألزم الدولة بالتأمين الصحى الشامل لجميع المصريين ليغطى كل الأمراض، وهذا الالتزام لا مناص من تحقيقه، ولا سبيل لفك يد الدولة منه، و إن امتناع التأمين الصحى عن علاج طفلة ابنة فلاح بسيط مريضة بالسكر مجانا جريمة إنسانية فى حق الطفولة.
الوزير مسئول
وأكدت المحكمة لأول مرة على تحمل وزير الصحة المسئولية عن التأمين الصحى، باعتباره الرئيس الأعلى للهيئة، والأحكام يجب تنفيذها تحت مسئوليته وإشرافه، ورفضت دفع الوزير بعدم قبول الدعاوى التى ترفع على التأمين الصحى، وجعلت اختصام وزير الصحة واجب حتى يكون الحكم الصادر على الهيئة فى مواجهته لإلزامها بتنفيذه.
وقضت المحكمة برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية المستشارين محمد حراز ووائل المغاورى نائبى رئيس مجلس الدولة بإلغاء قرار رئيس الهيئة العامة للتأمين الصحى السلبى بالامتناع عن صرف الدواء مجانا، المقرر لعلاج التلميذة علياء عبد المجيد عوض من مرض السكر المزمن ( سكر أطفال من النوع الأول)، وفقا لما يلى: 1- أنسولين مائى بواقع 40 وحدة يومياً، 2- أنسولين لانتوس بواقع 30 وحدة يومياً، 3- قلما أنسولين بواقع قلم خاص لكل نوع 4- قياس السكر بالدم لمتابعة السكر 8 مرات يومياً، 5- شرائط أسيتون لمتابعة الأسيتون بالبول.
وذلك بصفة دائمة ومنتظمة حتى تمام شفائها نهائياً من هذا المرض، وما يترتب على ذلك من آثار أخصها إلزام الهيئة بصرف ذلك الدواء وعرض حالة التلميذة على الطبيب المختص دوريا، لتقرير مدى حالتها الصحية فى ضوء ما يسفر عنه تناول ذلك الدواء، وألزمت الجهة الإدارية المصروفات.
التلميذة
وكان والد التلميذة فلاح بسيط لجأ للمحكمة بعد أن رفضت هيئة التأمين الصحى علاج ابنته، وأثناء نظر الدعوى لم تمتثل الهيئة بالحضور أمام المحكمة رغم إعلانها إعلانا صحيحا.
ومن ناحيته قدم وزير الصحة دفعا بعدم مسؤليته عن التأمين الصحى، بحجة أن للهيئة شخصية اعتبارية مستقلة، فأصبحت الطفلة بمرضها وحيدة من دون نصير، سوى عدالة المحكمة التى أصدرت الحكم آخر الجلسة.
وقالت المحكمة إن المشرع ألزم التأمين الصحى بتقديم الخدمات العلاجية والتأهيلية لطلاب المدارس فى حالتى المرض والحوادث، أيا كانت المرحلة التعليمية، وإلزم الدولة بأن يكون نظام التأمين على الطلاب إلزاميا فى جميع المراحل التعليمية، وإلزمها كذلك بتقديم الرعاية الصحية بنوعيها الخدمات الصحية الوقائية والخدمات العلاجية والتأهيلية بكافة صورها، وعلى قمتها صرف الأدوية اللازمة للعلاج، خاصة أطفال مرضى السكر، ويكون علاج التلميذ حتى يشفى أو تستقر حالته، وهذا الالتزام لا مناص من تحقيقه ولا سبيل لفك يد الدولة منه، إذ أن علاج التلميذ المريض أمر يفرضه القانون ويبرره الواقع وتمليه الإنسانية، و القول بغير ذلك فيه تعريض لحياة التلاميذ المرضى للخطر، وهى جريمة مؤثمة جنائيا، مما يجب على الدولة وأجهزتها المختصة النأى عنه.
العدالة الاجتماعية
وأضافت المحكمة أن العدالة الاجتماعية تمثل ركنا جوهريا لأى نظام ديمقراطى، والدولة ممثلة فى الهيئة العامة للتأمين الصحى ملزمة برعاية المؤمن عليهم رعاية صحية وعلاجية كاملة، بما فى ذلك صرف الدواء حتى شفائهم أو ثبوت عجزهم، وذلك فى مقابل ما يدفعونه من اشتراكات التأمين الصحى، ومن ثم وجب على الدولة القيام بهذا الالتزام دون أن يكون ذلك تفضلا منها عليهم، ولا يجوز لها الإحجام تنصلا منها، لأن المشرع الدستورى أوجب على الدولة كفالة التأمين الصحى لجميع المواطنين بها، بما يستتبعه ذلك من توفير سبل العلاج، حسبما تقتضيه حالة المريض، ومن بينها كفالة التأمين الصحى لطلاب المدارس.
وذكرت المحكمة أن التلميذة علياء عبد المجيد عوض طالبة بالصف الخامس الابتدائى بمدرسة المجاهدين الابتدائية بشبراخيت فى محافظة البحيرة، وتعانى من مرض السكر المزمن (سكر أطفال من النوع الأول)، وأن العيادة الشاملة قررت باحتياجها للعلاج المذكور، إلا أن التأمين الصحى رفض تقديم العلاج لها، رغم أنها من الخاضعين لنظام التأمين الصحى على طلاب المدارس، ويجب أن تستظل بخدماته، ويتعين أن تلتزم تلك الهيئة بتوفير الأودية اللازمة وبالجرعات المقررة لعلاجها، وبما يتناسب مع تطور حالتها الصحية بصفة دائمة ومنتظمة دون تأخير حتى تمام شفائها، ويصبح امتناع الهيئة المدعى عليها عن صرف الأدوية المشار إليها للتلميذة قرارا سلبياً مخالفاً للدستور والقانون.
وأشارت المحكمة إلى أنه عن الدفع المبدى من وزير الصحة بعدم قبول الدعوى بالنسبة له فى الدعاوى التى ترفع على الهيئة العامة للتأمين الصحى لعلاج الأطفال، بحجة أن للهيئة شخصية اعتبارية مستقلة، فإن ذلك مردود عليه بأنه طبقا لقانون تلك الهيئة فإن وزير الصحة هو الرئيس الأعلى للهيئة العامة للتأمين الصحى، وما يصدر من أحكام على الهيئة تتولى الهيئة تنفيذها تحت إشرافه ومسئوليته، فاختصام وزير الصحة واجب حتى يكون الحكم الصادر على الهيئة فى مواجهته لإلزامها بتنفيذه، ويتعين لذلك رفض ما دفع به الوزير من عدم قبول الدعوى فى مواجهته، فضلا عن أن هيئة التأمين الصحى رفضت المثول أمام المحكمة، رغم إعلانها إعلانا قانونيا صحيحا، كما رفضت تقديم العلاج للطفلة المقيدة بالمرحلة الابتدائية وهى الصغيرة التى لا تقوى على المرض احتمالا، ورضيت بقضاء الله امتثالا، وحياتها بذلك المرض تمثل خطرا، ولا يملك والدها من ثمن علاجها قدرا، فلم تستطع المحكمة على الإدارة صبرا، وهو ما يمثل قمة الاستهانة بأحكام الدستور، الذى ألقى على الدولة بموجب حكم المادة 18 من الدستور المعدل لعام 2014 عبء إقامة نظام تأمين صحى شامل لجميع المصريين، يغطى كل الأمراض، بل جعل الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان فى حالتى الطوارئ أو الخطر على الحياة جريمة يعاقب عليها القانون، وقد غاب عن التأمين الصحى ووزير الصحة أنه لا توجد سلطة مطلقة تفلت من أحكام القانون، إذا مالت وجنحت إلى غير الحق.
واختتمت المحكمة حكمها الإنسانى بأنه لا يجوز للهيئة العامة للتأمين الصحى الامتناع عن صرف ذلك الدواء للتلميذة، خاصة أن والدها فلاح من غير القادرين على تحمل النفقات الباهظة لهذا العلاج، وبهذه المثابة يشكل امتناع الإدارة عن صرف ذلك الدواء قرارا سلبيا مخالفا لأحكام الدستور والقانون، خاصة وأن التأخير فى منح الطفلة التلميذة جرعات العلاج يعرض حياتها للخطر ويحرمها من حقها فى العلاج المجانى، ويمس حقها فى الحياة، وهما حقين دستوريين، ويتوجب على الدولة ممثلة فى هيئة التأمين الصحى بذل العناية اللازمة لتخفيف معاناة الأطفال المرضى من آلام المرض العضال، الذى ألم بهم والامتناع عن تقديم هذا العلاج جريمة إنسانية فى حق الطفولة.