منذ أيام، انتشرت قصة الطفل «عبدالرحمن» الذى طردته زوجة أبيه من جنة المنزل لجحيم الشارع، ليعيش وسط الكلاب التى وجد بينها دفئًا لم يجده فى بيت أبيه، القصة التى انتشرت كالنار فى الهشيم على مواقع التواصل الاجتماعى، أعادت للأذهان الأسئلة حول «زوجة الأب» التى تنقلها لنا السينما كآثمة دائمًا، وتنقلها لنا صفحات الحوادث فى صورة امرأة مفترسة تطيح بأولاد زوجها، وتعذبهم دائمًا وأبدًا، ولكن هل هذه الحوادث على بشاعتها كافية لنطلق عليها حكمًا قاطعًا لا يقبل التفاوض؟، وهل «زوجة الأب» دائمًا وأبدًا، ظالمة وقاسية تدفع أبناء زوجها للهرب أو الانتحار خوفًا من بطشها.
حقيقة الأمر أن الأحكام المطلقة ظالمة دائمًا، وأن زوجة الأب أيضًا تتعرض للظلم أحيانًا نتيجة وضعها فى هذه الصورة، لأنها رغم كل التصورات والخيالات التى رسمها عنها المجتمع، إلا أن لكل قاعدة شواذ، فهى إنسانة فى المقام الأول وبالتالى كثير منهن يتعامل مع أبناء الزوج برحمة وحنان ودفء عاطفة الأمومة التى خلقها الله فطرة فى قلوب كل النساء، مما يجعلها أقرب إليهم أحيانًا من الأم الحقيقية، أو فى نفس مكانة تلك الأم فى حالة وفاتها، وهو ما أكدته لنا الحكايات التى جمعناها ممن عاشوا تجربة «زوجة الأب»، بالطبع ليست مؤشرًا للدفاع عنها بشكل عام، ولكنها مؤشر لرفض الأحكام المطلقة.
سلمى: 27 سنة حب وحنان وأمومة
بدأت سلمى التى عاشت مع زوجة أبيها طيلة 27 عامًا حديثها عن زوجة أبيها، قائلة: «ربنا يخليهالى وما يحرمنيش منها، أجدع وأحن أم فى الدنيا، بابا اتجوزها وأنا عندى 9 سنين ودلوقتى أنا 36 سنة ولسه شايلة همى، وبتشيل ابنى وأسرارى وراحتى معاها هى».
انفصل والداها وهى فى سن صغيرة للدرجة التى جعلتها لا تتذكر وجودهما معًا، وعاشت هى وأختها الكبرى مع والدهما فى الإمارات، وحرص الأب على توفير مربية لهما، وحيت بلغت الأعوام التسعة تزوج والدها من امرأة شديدة الجمال كانت تبلغ من العمر وقتها 36 عامًا.
تحكى القصة قائلة: «طبعًا كان فيه مشاكل فى البداية خصوصًا إن بابا شخص صعب فى التعامل، وإحنا ما كناش فاهمين يعنى إيه أم، وهى كمان فجأة لقت عليها مسؤولية كبيرة، بس مع الوقت قربتلها أنا وأختى وبدأت حياتنا تبقى طبيعية ونسينا إنها مش أمنا، وأكيد حنيتها واحتياجنا لأم ساعدنا، لدرجة أن فيه ناس كتير فى حياتى دلوقتى ما يعرفوش الموضوع دا ولا يتخيلوه حتى وعارفين إنها أمى».
على عكس المتوقع، جاء القدر لسلمى بزوجة أب حانية، تمارس أمومتها الفطرية دون أن تكن لأولاد زوجها مشاعر حقد أو كراهية، لا تحاول التمييز بينهم وبين أولادها، ولا تمارس معهم التسلط بأنواعه.
وتضيف سلمى: «أصبح عندنا أخت منها فى السنة الأخيرة من كلية الهندسة حاليًا، ووجودها ربطنا ببعض أكتر، حتى أهلها بيعاملونا إننا منهم وإننا ولادهم، وصاحبة عمرى هى بنت خالتى اللى هى أخت زوجة بابا، وقضيت فترة الجامعة بتاعتى كلها عندهم، وأصبحت كل مشاكلى مع أمى دلوقتى هى إنها بتدلع ابنى زيادة عن اللزوم اللى بيروح يقضى معاها نص الأسبوع تقريباً ويعيط وهو مروح، وأصبحت أقرب لى من أمى الحقيقية اللى ما شوفتهاش غير لما بلغت 17 سنة».
ربما تكون قصة والدة سلمى الأصلية دافعًا آخر لحب زوجة أبيها التى وجدت منها ما افتقدته من حنان ورعاية، ولكن قصة سلمى بشكل عام كانت دليلًا على وجود زوجات أب مظلومات من واقع الأحكام المطلقة، وكانت دليلًا آخر على أن الأمومة هى أفعال تمارسها الأمهات، ومشاعر تنتقل للأبناء، وليست مرتبطة دائمًا بالأم التى أنجبت، ولكن التربية والعِشرة هى ما يمكنها تعويض الطفل أحيانًا عن حرمانه من أمه الحقيقية.
يوسف وسيف: 3 سنين تفوق دراسى وحفظ للقرآن كله
واتفق معها كل من يوسف وسيف، وتبلغ أعمارهما بين الـ11 والـ13 عامًا، يعيشان مع زوجة أبيهما منذ ثلاثة أعوام، وقالا إنهما سعيدان ولا يواجهان أى مشكلة معها بل على العكس، ووصفا حياتهما معها قائلان: «ماما بتلعب معانا وبتذاكر معانا وقت الامتحانات وبنقعد نتفرج بليل على التليفزيون أو بنروح النادى سوا، ولما بتزعل مننا علشان غلطنا بنعتذر لها ونصالحها».
كانت البداية عندما تزوج الأب بعد انفصاله عن زوجته الأولى، وبعد الزواج بعشرة أيام بدأت المشكلات حيث ارتفع سقف مطالب طليقته كثيرًا، ودفعت الأطفال للامتناع عن رؤيته، مما دفع الأب للتصميم على انتقال الطفلين للعيش معه ومع زوجته الجديدة، ورغم اعتراض زوجته، فإن قراره كان حاسمًا، وهاتفها يومًا ما وأخبرها بأنه قادم ومعه الطفلان، وكان الأمر بمثابة صدمة لكليهما، حيث اعتاد الأطفال على العيش مع والدتهما.
كانت معاملة الأطفال لزوجة أبيهم فى البداية سيئة بالطبع، خاصة أن الأم الحقيقية ظلت لمدة شهرين تحادثهما أو تراهما، مما دفع الأب للتصميم بشكل أكبر على عدم عودة يوسف وسيف إليها، وبالفعل تم نقلهما لمدرسة قريبة من منزل الأب الجديد، وبعد فترة اعتاد الطفلان على الأمر بل وأصبحا سعيدان بالحياة مع الأب وزوجته الجديدة، وعند سؤال سيف عن العقاب الذى تتبعه معه زوجة أبيه، قال إنها تعاقبه بالحرمان من اللعب أو الذهاب للنادى، وأنها لم تضربه أبدًا، وعند شعوره بالخطأ يذهب إليها فورًا للاعتذار منها.
وتقول الزوجة إنه منذ قدوم يوسف وسيف إلى منزلهما وصارا من الأوائل دراسيًا ورياضيًا أيضًا، فحصل يوسف على 5 ميداليات فى السباحة، كما أنهما حفظا القرآن كاملاً تحت إشراف والدهما.
أميرة شاهدة على قصة «زوجة أب» تستحق التقدير
تقول أميرة: «خالى اتجوز على مراته من وراها، ولما مراته التانية حملت اضطر يعرفنا ويعرف مراته وبعدين طلقها وأخد البيبى، كان عنده سنتين ورجع لمراته الأولى بالولد»
وتضيف: «بتعامله أحسن ما بتعامل ولادها، ودخلته حضانة وكل عيد تجيبله لبس قبل ما تجيب لولادها وطلباته كلها مجابة، هو عنده دلوقتى 5 سنين ميعرفش أم غيرها، ورغم إنها دلوقتى اتطلقت والمفروض الأب أولى بابنه مش موافقة تديهوله ومقتنعة إنه ابنها، وإن هى أمه وأولى بيه من أى حد».
«علا»: خالتى ربت ولاد جوزها أحسن تربية
أما علا حلمى فقصتها مختلفة حيث توفى زوج خالتها بعد فترة وجيزة من زواجهما، ثم تقدم لخطبتها رجل توفيت زوجته وتركت له بنتين، وتزوجته بالفعل، وأنجبت منه ثلاثة أولاد وبنتًا، وقامت بتربية الأولاد جميعًا، وحصلت إحدى ابنتى زوجها على الدبلوم، والأخرى تخرجت فى كلية التربية، ورغم أن كلًا منهما تزوجت وأصبحت لها حياتها الخاصة ووالدهما توفى منذ 15 عامًا تقريبًا، فإنهما مازالتا تزوران خالتى، كما أن أحد أبناء خالتى أطلق اسم أخته على ابنته كتكريم لها، لأن الله أراد لها ألا ترزق بأطفال، ويلتف الأحفاد جميعًا حول خالتى حتى الآن.
الزوجة الثانية صممت أن يرد الأولى وترعى أبناءهما
وتدور أحداث قصة سارة حول رجل تقدم لخطبة خالتها التى كانت تبلغ من العمر وقتها 32 عامًا، وكان منفصلا عن زوجته الأولى، وحين رأته هو وطفليه وافقت على الزواج، لكنها وضعت شرطًا للموافقة وهو عودته للزوجة الأولى أيضًا، وبالفعل عاد إليها وأخبرها أنه سيتزوج بأخرى وتمت الزيجة، وبدأت العلاقة بين الزوجتين تتحول إلى صداقة، وكانت العروس الجديدة تنصح الزوجة الأولى وتساعدها على التعلم من أخطائها للحفاظ على المنزل، وحتى لا يتزوج الرجل بثالثة، وأنجبت الزوجة الثانية ولدين، وعاشوا جميعًا فى منزل واحد حتى يتعلم الأطفال معنى «العيلة».
وكانت الزوجة الأولى تتسم بالطيبة التى تصل أحيانًا إلى حد السذاجة، مما دفع الثانية لإدارة أمور الأطفال جميعًا والمنزل، للدرجة التى جعلت الأطفال جميعًا يلجأون إليها فى كل شىء، خاصة أطفال زوجها من زيجته الأولى، وتحملت مسؤولية الجميع، نظرًا لسفر زوجها المتكرر لعمله، حتى أن اللحظة التى كانت «ضرتها» تنجب فيها طفلتها الأخيرة التى تبلغ من العمر الآن ستة أعوام، كانت هى من يقف إلى جوارها ويرعاها لأنها لا تمتلك من يعينها، وهكذا أصبح لديها مسؤولية خمسة أطفال، وأصبح من الصعب على من حولهم التفريق بينهما، لذا مر على هذا الزواج أكثر من 13 عامًا ومازال مستمرًا بنجاح.
آية: مرات أبونا كانت أحن علينا من بابا
وعلى عكس المتوقع فإن القصة التالية انقلبت فيها الموازين لتصبح زوجة الأب أحن على الأطفال من والدهم، وتبدأ «آية» قصتها قائلة: إن موت الأم دفع الأب العصبى إلى البحث عن زوجة ثانية تعينه على تربية ابنتيه، تلك السيدة التى اكتشفت بالصدفة أنها لن تنجب، فغمرت البنتين بحنان الأم الموجود بداخلها، للدرجة التى جعلتها تدافع عنهما حين حاول الأب حرمانهما من التعليم، والآن رغم أنه استطاع إجبار ابنته الكبرى التى تبلغ من العمر 17 عامًا على العمل، بل والسطو على الأموال التى تحصل عليها مقابل هذا العمل، تقوم زوجة الأب بالدفاع عنها دائمًا، وتحل مشكلاتهما بعيدًا عنه.
أروى: أحيانا قيمة «زوجة الأب» بتتعرف متأخر
تحكى أروى تفاصيل القصة التى عاصرت أحداثها أمام عينيها قائلة: «تزوج الأب وأنجب أربعة أطفال ثم سافر إلى دولة الكويت للعمل، وتوفيت زوجته بعد معاناة مع ورم فى المخ، ورفض أهل الأم أن يتزوج الرجل من امرأة أخرى، لذا حاولوا أن يلبوا كل احتياجات الأطفال حتى لا يشعر هو بالتقصير، ولكن بعد فترة عجزوا عن الاستمرار، فتزوج بالفعل من سيدة أخرى بغرض أن تعينه على تربية أطفاله، وكان الأطفال يعاملونها بشكل سيئ لفترة طويلة، ورغم ذلك كانت تخفى أخطاءهم عن والدهم حتى لا يتعرضوا للعقاب، وبعد مرور الأعوام تزوجت ابنة الزوج وساعدتها زوجته كثيرًا فى كل تفاصيل زواجها، ثم مرحلة الحمل والولادة، وكانت لها بمثابة أم حقيقية».
«دينا»: أختى الكبيرة بتقول لأمى «زوجة أبيها»: يا ماما
أما دينا سامى فكانت والدتها هى زوجة الأب بطلة القصة، حيث توفيت زوجة أبيها الأولى وتركت له ولدًا وبنتًا صغيرين، فتقدم للزواج من ابنة خاله التى كانت تبلغ من العمر وقتها 19 عامًا فقط، وكان الفارق بينهما فى العمر حوالى 17 عامًا، ورغم صغر عمرها استطاعت أن ترعى الأطفال، ورغم حدوث بعض الخلافات بين أمى والأطفال، فإن الأمر الآن تحول إلى أن أختى الكبيرة أصبحت تكنّ لها كل الاحترام وتناديها «ماما»، وأطفالها يعاملونها كما لو كانت جدتهم.
نصائح لو هتتجوزى راجل عنده عيال
تقول الأستاذة روح منتصر، أخصائية نفسية الأطفال: يوجد عدد من العوامل التى تؤثر بشكل كبير فى تقبل الطفل لفكرة وجود زوجة أب، فعمر الطفل يختلف كثيراً فى طريقة التعامل معه، بالإضافة إلى شخصية زوجة الأب أيضاً، كما أن كون الأم على قيد الحياة أو متوفاة يساهم فى طريقة تقبل الطفل للزوجة، وتقدم للمرأة بعض النصائح التى يمكن من خلالها التعامل مع الوضع الجديد كزوجة أب بشكل صحيح.
- يجب أن تعلم زوجة الأب ما هى مقبلة عليه وتتقبل وجود الطفل معها كأم، خاصة إذا كان صغير السن، لأنه كلما كان أصغر وزوجة الأب أكثر تفهماً وحناناً، كلما تقبل الطفل الأمر بسهولة.
- حاولى الدخول لعالم الطفل، وكونى أكثير قرباً له باحتوائك له.
- اهتمى بتفاصيل يومه وحياته الاجتماعية جيداً.
- يجب أن تكونى صورة مقربة للأم الحقيقية فى التعامل مع الطفل، فلا تبخلى عليه بالحب والحنان.
- إن لم يسبق لكِ الإنجاب قومى بإعداد نفسك لدور الأم البديلة من خلال القراءة عن الأمومة والتربية.
- اهتمى باحتياجات الطفل النفسية والمادية.
- إذا كان لديك أطفال يجب أن يكون لديكِ معلومات عن طريقة دمج أطفالك مع ابن زوجك كعائلة واحدة.
- تعاملى مع الطفل وكأنه أحد أطفالك، وتفهمى رفضه لكِ أحياناً، ولا تغضبى من ردود فعله العنيفة حتى يعتاد أمر وجودك معه.