أشرف حسين: ضرورة تحديد أولوية تنفيذ المشروعات القومية الممولة بالقروض
أستاذ بالجامعة الألمانية يحذر من تخطى الاقتراض الداخلى حاجز التريليون فى عام واحد
برلمانى عن حزب الوفد: العجز الحقيقى سيترواح بين 11 – 12% بنهاية عام 2015/2016.. والسبب الرئيسى فشل تحقيق إيرادات الضرائب
بسنت فهمى تشكك فى أرقام "الفوائد" ويؤكد: "فى حاجة محاسبية غلط"
المبادرة المصرية: الحكومة تنفق 28 جنيه من كل 100 جنيه لسداد فوائد القروض.. وثبات نسب الإنفاق على التعليم والصحة خلال 7 سنوات
ارتفعت معدلات الإنفاق على فوائد القروض بصورة كبيرة خلال الخمسة أشهر الأولى من موازنة العام المالى الحالى 2015/2016، مسجلة 96.3 مليار جنيه، بزيادة 40.8% عن مستوياتها فى الفترة المماثلة من العام الماضى، وهى النتائج التى وصفها الخبراء بالـ"خطيرة"، مؤكدين عدم قابلية استمرار هذا الوضع.
أظهرت مؤشرات الموازنة العامة خلال الخمسة أشهر الأولى من لعام المالى الحالى "يوليو – نوفمبر" 2015/2016، ارتفاع مصروفات فوائد الديون بواقع 27.9 مليار جنيه عن الفترة المناظرة من العام الماضى، وهو الباب الذى أصبح يلتهم ثلث الموازنة سنويا جراء استمرار سياسة الاقتراض الداخلى لسد العجز.
وكشفت نتائج متابعة أداء الموازنة خلال الخمسة أشهر "يوليو – نوفمبر" 2015/2016، ارتفاع قيمة العجز الكلى إلى 138.5 مليار جنيه تعادل نسبة 4.9% من الناتج المحلى، مقابل 107.9 مليار جنيه خلال نفس الفترة من العام المالى الماضى تعادل نسبة 4.4%، طبقا لتقرير متابعة الأداء الصادر عن وزارة المالية أمس.
وجاءت الزيادة الأكبر فى باب الفوائد والتى تمثل أعباء فوائد الاقتراض محليا وخارجيا على الموازنة، والذى سجلت مصروفاته خلال 5 أشهر مبلغ 96.3 مليار جنيه، مقابل 68.4 مليار جنيه خلال الفترة المقارنة من العام الماضى، بزيادة بلغت 27.9 مليار جنيه، تعادل نسبة 40.8%.
وبقراءة مؤشرات الموازنة خلال فترة التقرير، يظهر أن إجمالى المصروفات بلغت 289.4 مليار جنيه، وجاء أكثر الأبواب استحواذا على المصروفات العامة هو "الفوائد" والذى التهم 33.3% من مصروفات الموازنة خلال الـ 5 أشهر- كما هو موضح بالرسم- تلاه الأجور بنسبة 29.3%، ثم الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية بنسبة 20.9%، ثم باب المصروفات الأخرى – الذى يتعلق بمصروفات الدفاع – بنسبة 7.3%، يليه الاستثمارات العامة بنسبة 5.6% من المصروفات، وأخيرا شراء السلع والخدمات بنسبة 3.6% من مصروفات الموازنة خلال فترة التقرير.
وقال أشرف حسين، مدير وحدة العدالة الاقتصادية والاجتماعية بالمبادرة المصرية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، إن الزيادة الكبيرة فى مصروفات الفوائد، لها آثار سلبية كبيرة على المدى المتوسط والبعيد، حيث يتسبب فى تخفيض الإنفاق الاجتماعى الذى يستهدف تقليص الفقر، ويصب هذا الإنفاق فى صال جهة واحدة فقط وهى الجهة المقرضة "البنوك ومؤسسات التمويل"، على حساب المواطنين والفقراء.
وأكد حسين أن الحكومة تتجه لتقليص الإنفاق على الأجور والدعم بدعوى تفاقم عجز الموازنة، فى حين أن السبب الأكبر وراء ارتفاع العجز هو زيادة مصروفات "الفوائد" الناتجة عن زيادة حدة الاقتراض الداخلى على وجه الخصوص، مؤكدا أن استمرار هذه السياسة تهدد الاستدامة المالية.
وأشار مدير وحدة العدالة الاقتصادية إلى أن أسباب زيادة مصروفات الفوائد معقدة ومتراكمة تاريخية ومن الظلم تحميلها كاملة للحكومة الحالية، ولكن فى الوقت نفسه فإن حل الأزمة يكمن فى إيجاد استراتيجية واضحة للتعامل مع القروض خاصة الداخلية وإدارتها.
واقترح حسين ضرورة تحديد أولوية الإنفاق على المشروعات القومية التى يتم تنفيذها من خلال الاقتراض، بتأجيل المشروعات طويلة الأجل التى تتطلب إنفاقا هائلا، وإعطاء الأولوية للمشروعات ذات العائد الأسرع، التى يمكن من خلالها نتائجها سداد القروض الممولة لها.
ونتيجة هذه السياسة لم تلتزم الحكومة بما نص عليه الدستور بتخصيص 10% من الناتج القومى للإنفاق على التعليم والصحة والبحث العلمى بحلول عام 2016/2017 المقبل، حيث لم تتخذ الحكومة ممثلة فى وزارة المالية خطوات جادة فى هذا الإجراء، وفى حالة الإخلال بهذا الالتزام الدستورى فى الموازنة الجديدة فقد تكون الموازنة "غير دستورية".
من جانبه أكد الدكتور حسن عودة، أستاذ المحاسبة وخبير دولى فى إصلاح نظام المحاسبة والموازنات الحكومية بالجامعة الألمانية، أن حجم الاقتراض الداخلى ارتفع بصورة مخيفة بموازنة العام المالى الحالى 2015/2016، من خلال طروحات وزارة المالية لأذون وسندات خزانة دورية بحد أدنى 7.5 مليار جنيه أسبوعيا.
وقال عودة لـ"انفراد": "الاقتراض المحلى سيتخطى تريليون جنيه فى عام واحد لأول مرة فى تاريخ الموازنة إذا استمرت وزارة المالية فى طرح الأوراق المالية الحكومية بهذا المعدل حتى يونيو المقبل، وهو ما يهدد الاستدامة المالية".
وتطرح الحكومة ممثلة فى وزارة المالية أذون وسندات خزانة بصورة دورية بواقع 3 عطاءات أسبوعيا تتراوح قيمتها ما بين 7 – 10 مليار دولار لسد عجز الموازنة، وبلغ إجمالى قيمة ما تم طرحه خلال النصف الأول من العام المالى الحالى "يوليو – ديسمبر"، 544.5 مليار جنيه – طبقا للجدول الزمنى المعلن بموقع وزارة المالية – ويستهدف طرح 281.750 مليار جنيه خلال الربع الثالث من العام "يناير – مارس".
وحذر عودة من استمرار هذه السياسة على الاقتصاد المصرى قائلا: "سداد عبء الدين من فوائد وأقساط القروض يبتلع 46% من الموازنة حاليا، وإذا استمرت الحكومة فى سياسة الاقتراض سيصل هذا المعدل سريعا إلى 60% من الموازنة، ولن يتبقى ما تصرفه الحكومة على الاستثمارات وغيرها من المصروفات العامة".
وأكد برلمانيون أن هناك مشكلة فعلية كشفتها مؤشرات تنفيذ الموازنة خلال الخمسة أشهر من العام المالى الحالى، وهو ارتفاع نسبة العجز بصورة كبيرة عن المستهدف تحقيقه وهو ما يزيد معدلات الاقتراض، مرجعين هذه الفجوة لعدم قدرة الحكومة على تحصيل إيراداتها بصورة جيدة خاصة الإيرادات الضريبية.
الدكتور محمد فؤاد النائب الوفدى عن دائرة العمرانية والخبير الاقتصادى، أوضح أن المشكلة الأساسية لا تتعلق بزيادة الإنفاق على فوائد القروض فقط، ولكن هناك أزمة تتعلق بعدم قدرة الحكومة على تحصيل الضرائب التى تشكل 66% من الإيرادات العامة، مما يزيد من تفاقم عجز الموازنة، وبالتالى يزيد من الاقتراض لسد فجوة العجز.
وقال فؤاد أن مؤشرات تنفيذ الموازنة خلال الخمسة أشهر الأولى من العام المالى، تؤكد أن عجز الموازنة سيتجاوز النسبة المتوقعة بقانون الموازنة بصورة كبيرة، وسيتراوح بين 11 – 12% من الناتج المحلى بنهاية يونيو المقبل.
وتابع النائب البرلمانى: "للعام الثانى على التوالى نضع مستهدف للعجز لا يتحقق أو حتى يقترب من التنفيذ الفعلى والسبب الرئيسى أن لدينا مشكلة حقيقية فى القدرة على تحصيل الإيرادات الضريبية وينعكس فى النهاية سلبا على الإنفاق على الخدمات مثل التعليم والصحة".
وانتقد فؤاد وضع مستهدفات كبيرة للإيرادات الضريبية بناء على قوانين لم تدخل حيز النفاذ مثل ضريبة القيمة المضافة، أو عدم القدرة على تفعيلها مثل الضريبة العقارية، أو الضريبة الإضافية على من يزيد دخله على مليون جنيه بنسبة 5% سنويا، والتى تم التراجع عنها، وضريبة الأرباح الرأسمالية على البورصة التى تم تجميدها أيضا، والتراجع عن تطبيق الضرائب التصاعدية على الدخل والاستعاضة عن ذلك بتطبيق الضريبة التنازلية متمثلة فى القيمة المضافة التى أعدت الحكومة مشروع قانون لتطبيقها.
وأكد البرلمانى قائلا: "لا يمكن العيش على الاستدانة، الحل من الناحية التشريعية تكمن فى كيفية تطبيق الضرائب بصورة فعالة سواء من خلال إقرار التشريعات الجديدة مثل القيمة المضافة، أو تفعيل تطبيق الضرائب السارية مثل الضريبة العقارية وضرائب الدخل".
من جانبها أكدت بسنت فهمى، عضو مجلس النواب بالتعيين والخبيرة المصرفية، أن زيادة الإنفاق على فوائد القروض الناتجة بالأساس عن الاقتراض المحلى بأوراق الدين الحكومية- أذون وسندات خزانة – "غير مبررة" على حد تعبيرها.
وقالت "فهمى": "فى حاجة محاسبية غلط"، مبررة قولها بأن المقرضين الرئيسيين للحكومة هم البنوك العامة، وهذه البنوك تحقق أرباحا فى نهاية العام المالى وتصب هذه الأرباح كإيرادات للموازنة العامة.
وأضافت: "هذا يعنى أن الحكومة تقترض مبالغ مالية من البنوك طوال العام وتحصل جزء كبير من هذه الأموال من أرباح البنوك التى تضاف إلى الموازنة العامة، فليس من الطبيعى أن يكون عجز الموازنة مبالغا فيه بهذه الصورة".
وأشارت "فهمى" إلى أن أحد أسباب عجز الموازنة المتزايد هو توجيه جزء كبير من الإنفاق على الدعم لغير المستحقين وهو ما يحتاج لإعادة هيكلة، بالإضافة إلى تزايد نفقات الأجور، وهو ما يحتاج – حسب وجهة نظرها – إلى تقليص أعداد الموظفين بالحكومة لتخهفيض النفقات، قائلة: "لابد من تخفيض عدد العاملين إلى 1 – 1.5 مليون موظف فقط، والبنك الدولى لوح بهذا وقد لا يعطينا القروض فى حالة استمرار الوضع الحالى".
وحول ما إذا كانت المشروعات القومية التى بدأت الحكومة تنفذها بتمويل حكومى سببا فى تفاقم عجز الموازنة، بعد فشلها فى إبرام عدد من الاتفاقيات لتنفيذها عبر القطاع الخاص، قالت "فهمى": "ممكن يكون فعلا بسبب المشروعات القومية، وسيتضح من برنامج الحكومة المرتقب عرضه على البرلمان طبيعة هذه المشروعات وقيمة تمويلها ومن أين تمول، وهو ما سيوضح ما إذا كانت هذه المشروعات سببا رئيسا أم لا".
وفى دراسة أجرتها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية فى أغسطس حول موازنة العام المالى الحالى 2015/2016، فى إطار حملة بعنوان "أين تذهب أموالنا هذا العام؟"، أظهرت أن الإنفاق الحكومى على فوائد القروض زاد بصورة مطردة على مدار 8 سنوات ماضية، وأن من كل 100 جنيه تنفقها الحكومة تذهب 28 جنيها لبند سداد فوائد القروض.
وفى مقابل هذه الزيادة الكبيرة لفوائد القروض، فإن الإنفاق الاجتماعى على كل من التعليم والصحة كنسبة من إجمالى الإنفاق الحكومى ظل عند المستوى تقريبا منذ 7 سنوات.
وأكدت الدراسة أن الإنفاق الحكومى على فوائد القروض يصب فى صالح الفئات الأغنى والأعلى دخلا، لأنه يوجه بصورة مباشرة إلى البنوك ومؤسسات التمويل المحلية والدولية، وهى المؤسسات التى يستثمر فيها الأغنياء أموالهم – حسب الدراسة.