هؤلاء ليسوا بشرًا، ولا يمتون للإسلام بصلة، بهذه العبارات علقت «ليفيا أمين خديدا» إحدى الأيزيديات الناجيات من «داعش» على جرائم القتل والاغتصاب التى ارتكبها التنظيم الإرهابى فى قرية كوجو، بمدينة سينجار بمحافظة «نينوى» فى شمال العراق، قبل أن يسترد الجيش عافيته، ويبدأ معارك «قادمون يا نينوى»، التى تهدف لتحرير كامل التراب العراقى قرية تلو الأخرى.
ومن قلب مدينة السليمانية، وفى وقت تواصلت فيه القوات العراقية المشتركة معركة تحرير مدينة الموصل، كانت، «انفراد»، على موعد مع «ليفيا» ومجموعة أخرى من الإيزيديين الناجين من ويلات التنظيم، كشفوا خلالها كيف أقدم «داعش» على قتل الرجال والمسنات، وانتهك آدمية النساء باغتصابهن وبيعهن فى أسواق الرقيق وفق أعمارهن وما يمتلكن من مفاتن فى عودة للعصور الجاهلية.
بأعين سكن الخوف أحداقها، وصوت شابه القلق والاضطرب، استعادت «ليفيا» ذكرياتها المؤلمة مع التنظيم، قائلة: «بدأ الكابوس فى أغسطس 2014، حينما تمكن داعش من السيطرة على قرية «كوجو» بمدينة سنجار بعد مذابح دامية فقدت خلالها معظم أقاربى فقط لأنهم رفضوا اعتناق الإسلام».
وأضافت: «كنت حينها أبلغ من العمر 15 عامًا، تم اقتياد الفتيات والنساء والأطفال إلى إحدى المدارس كالأغنام وقامت عناصر التنظيم بتقسيمنا وفق أعمارنا قبل أن يتم إرسالنا إلى مدينة تلعفر، ومنها إلى الموصل التى مكثت بها لمدة 15 يومًا ذقت خلالها الذل والتعذيب والاغتصاب على مدار اليوم».
ومن الموصل إلى الرقة معقل «داعش» فى سوريا، واصلت الأيزيدية التى لم تبلغ العشرين ربيعًا سرد رحلة المعاناة، حيث مكثت فى الرقة شهرًا رأت فيه من ألوان العذاب الكثير، ثم انتقلت بعد ذلك إلى دير الزور. وقالت، لـ«انفراد»: «فى سوريا لم تختلف المأساة أو تقل حدتها.. فوجئت حينها باقتياد الفتيات على مدار اليوم من العراق إلى سوريا عبر سيارات دفع رباعى تحمل رايات داعش، ليتم تناوب الاغتصاب عليهن لمدة أسبوع قبل أن يتم استبدالهن بأخريات بالطريقة نفسها»، مشيرة إلى أن الدواعش كانوا يصورون الفتايات عرايا فى الرقة ويبعن صورهن من أجل الحصول على الأموال والترويج لهن قبل بيعهن فى أسواق الجوارى.
وتابعت: «أسرنى عراقى من الموصل واغتصبنى لمدة شهرين كاملين قبل أن يتم بيعى لشخص آخر فيما يسمى بالمحاكم الإسلامية.. وبعض الدواعش كانوا يقومون بقتل الفتيان بعد اغتصابهن حال عدم إتمام عملية البيع.. وحتى الأطفال لم يسلموا من تلك الممارسات».
وعن كيفية تعامل «داعش» مع الآخر، قالت: «كل من لا ينفذ الأوامر فهو كافر أى كان هذا الشخص، رأيت الدواعش يقتلون الشيعة والإيزيديين بحكم أنهم كفار يستحقون ذلك المصير».
وأضافت «ليفيا»: «نجوت من هذا الجحيم بأعجوبة.. عندما عدت إلى الموصل بعد عامين أتنقل فيهما بين المدن التى تسيطر عليها داعش فى سوريا، تحدثت مع امرأة ممن كانت معى فى الأسر، وقالت إنها باستطاعتها الاتصال بأهلها وطلبت منى رقم الهاتف الخاص بأحد أقاربى فأعطيتها رقم هاتف أخى وقالت إنها ستتواصل معه وبالفعل بعد يوم قالت لى إنها اتصلت بأخى ليخلصنى من تنظيم داعش».
واستطردت الفتاة الأيزيدية فى ختام حديثها، لـ«انفراد»: «بعد فترة تمكنت المرأة من تهريبى ليلا من عناصر التنظيم إلى جبال، حتى وصلت إلى منزل أحد الأقارب وظللت فيه 24 يومًا خشيت الخروج حينها حتى لا يتم القبض علىَّ من قبل عناصر التنظيم الإرهابى، ولما أتيحت لى الفرصة عدت إلى أهلى حيث أعيش الآن مع عمى».
ومن ليفيا، إلى نيرفين شيفان عمو، كشفت، «انفراد»، حلقة جديدة من معاناة لم تخلُ من الأمل فى لقاء الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى سبق أن التقى الأيزيدية نادية مراد، التى نالت الكثير من الشهرة بقدر ما كان العذاب نصيبًا لها على يد «داعش».
وتابعت: «أريد أن ألتقيه لأروى له ما لقيته من تعذيب، وليعرف مدى المعاناة التى تتعرض لها الأيزيديات على يد الدواعش.. أعلم مدى علمه بصحيح الإسلام، وأنه من الرؤساء العالمين بالدين الإسلامى»، بهذه الكلمات بدأت «نيرفين» حديثها عن الرئيس السيسى الذى قالت إنها ترغب فى أن يحث غيره من رؤساء وملوك دول جوار العراق على وضع حد لوحشية تنظيم داعش، والقضاء على عناصره.
وعلى مشارف العشرين من عمرها، وقفت «نيرفين» ابنة مدينة سنجار العراقية، تستعيد ذكريات الأسر فى مدينة «تلعفر»، ومنها إلى الموصل قبل أن يتم تسليمها إلى أحد أمراء التنظيم الإرهابى فى وقت اقتاد فيه عناصر التنظيم شقيقتها الكبرى إلى مدينة الرقة السورية.
وقالت «نيرفين»: «كانوا يرتدون ملابس الأفغان بوجوه مكشوفة.. وكانوا يعنفوننا لأتفه الأسباب ويحتجزونا فى ساحات المدارس دون طعام أو شراب لأيام عدة، قبل أن تبدأ رحلة المعاناة الحقيقية»، مشيرة إلى أن تنظيم داعش اختطف 4 من أشقائها الذكور، ووالدتها، لا تعرف مصيرهم حتى الآن، بخلاف أسر أختيها ومعاملتهما كسبايا.
واستكملت: «بعد فترة، لم يعد الأمر قاصرًا على التعذيب ومنع الطعام والشراب.. كنا على موعد مع سلسلة لم تنتهِ من الاغتصاب والانتهاك الجسدى الأمر الذى دفع إحدى رفيقاتى إلى الانتحار بقطع شريانها عندما كنا فى الطريق من تلعفر إلى الموصل».
«عامين ونصف العام قضيتها فى قبضة داعش، لم يعرف الأمان طريقًا إلى قلبى طيلة هذه الفترة، كنت أتعرض لأبشع الانتهاكات، حتى الصغيرات لم يسلمن من بطش التنظيم، وكان من بين الضحايا طفلة لم تبلغ بعد 9 سنوات»، قالتها «نيرفين» وهى تحاول التماسك، وتابعت: «تم تسليمى إلى قيادى بالتنظيم يدعى فيصل، ليؤول مصيرى إلى والده بعد مقتله فى إحدى المواجهات والذى لم يتردد لحظة فى استكمال ما بدأه ابنه من اغتصاب شبه يومى، لينتهى بى الحال جارية تباع فى سوق السبايا، وأبدأ رحلة جديدة من الانتهاك على يد شخص اسمه صلاح الدين الوهب الذى اشترانى وأرغمنى على توقيع عقد أهب نفسى بموجبه لابنه».
وفى دلالة عن تناقضات التنظيم، قالت: «رغم ما كنت أتعرض له من اغتصاب وانتهاك، إلا أن الوهب وابنه كانا يرغمانى على الصلاة وارتداء الحجاب وقراءة القرآن، وعندما حل شهر رمضان تم إرغامى على الصوم، لأتمكن بعد عدة أشهر من الهرب».
وللتعذيب على يد داعش طرق عدة، تكشف تفاصيلها باسيمة على جدعان «32 عامًا»، والتى قالت، لـ«انفراد»، إن ابنتها وزوجها فى عداد المفقودين بعدما اختطفوا على يد عناصر التنظيم الإرهابى فى مدينة الموصل قبل أن يتم اقتيادها إلى مدينة الرقة السورية.
وأضافت الأيزيدية باسيمة: «عقب اقتحام داعش قرية كوجو بمدينة سينجار فى أغسطس 2014، فصلوا السيدات عن الأطفال، وتم تقسيم الجميع حسب أعمارهم ونقل الفتيات اللاتى تتراوح أعمارهن ما بين 20 لـ30 عامًا إلى الرقة، وما دون ذلك تم نقلهن إلى الموصل فى العراق».
وتستعيد باسيمة، ذكرياتها مع التنظيم، قائلة: «كنت حينها فى نهاية العشرينيات، وقبل اقتيادى إلى الرقة فى سوريا مكثت فى مدينة تلعفر 15 يومًا كاملة مع ابنتى شهرستان.. كانت حينها تبلغ من العمر 7 سنوات، والآن لا أعرف عنها أى شىء. تم ضربى حتى فقدت الوعى وعندما أفقت لم أجدها».
وفى الرقة، كانت باسيمة على موعد مع سلسلة لم تنقطع سريعًا من الاغتصاب، ليتم بيعها فيما بعد 4 مرات فى أسواق النخاسة داخل ما يطلق عليه داعش «المحاكم الإسلامية».
وفى محاولة للفهم، تحدثت باسيمة مع أحد عناصر داعش، وسألته عن السبب فى القمع الذى يمارسونه ضد الأيزيديات، فكان الرد أن الإيزيديين كفار ولا يجب التعامل معهم إلا بهذه الطريقة. وتابعت: «قال لى إننا لا يجب أن نأكل ونشرب.. ويجب التعامل معنا كالكلاب لأننا لا نعبدالله، وحينما حاولت مجادلته انهال على بالضرب».
منال لقمان، وجه آخر لمعاناة الإيزيديين، ربما تختلف التفاصيل، إلا أن القمع يظل قاسمًا مشتركًا، بعد التأكيد على أن ما يبديه داعش لا يمت بصلة للإسلام، روت، لـ«انفراد»، ذكريات التعذيب والإهانة على يد التنظيم، مشيرة إلى أن أشقاءها تم أسرهم فيما تم اختطاف الأطفال إلى معسكرات التنظيم لتدريبهم على القتال والذبح والرمى بالرصاص منذ الصغر.
واستعادت «لقمان» ابنة العشرين عامًا تفاصيل رحلتها إلى الموصل، وكيف أرغمت على اعتناق الإسلام وتلاوة القرآن وتخييرها ما بين القتل أو التخلى عن دينها، مشيرة إلى أن الفتيات اللاتى اختطفن تم تقسيمهن إلى مجموعات على رأس كل 15 منهن أمير يتولى بدوره توزيع كل فتاة على جندى نظير ما ينفذه من مهام وأعمال إرهابية. وكان يتم توزيعهن فى بعض الأحيان بنظام القرعة.
وتابعت: «قبل تسليمنا للاغتصاب، كنا نرغم على الاستحمام ورأيت بعينى إحدى رفيقاتى تنتحر بقطع شراينها هربًا من هذا الجحيم».
وأكدت أنها فى إحدى المرات التى تتم فيها عمليات الاقتراع من أجل اغتصابهن اغتصبت فتاة من قبل أب وابنه ومرات أخرى بين أخوين من عناصر التنظيم الإرهابى.
وللرجال لدى داعش نصيب من الذل والتعذيب، ومن بين هؤلاء كجى عمو سيلو، أحد أبناء قرية كوجو التى هاجمتها عناصر التنظيم فى أغسطس 2014، والذى قال، لـ«انفراد»، إن بلدته تمت محاصرتها من يوم 3 وحتى 15 من الشهر نفسه وبعدها سقطت بأكملها فى يد «داعش».
وبعد الدعاء للجيش العراقى بالنصر، وفى وقت اقتربت فيه القوات من استكمال تحرير مدينة الموصل، أضاف «كجى» أنه تم إجبار أهالى القرية الذين لم يفروا منها على رفع الرايات البيضاء فوق أسطح المنازل وترك الأسلحة كدليل على استسلام القرية للتنظيم، موضحًا أن إجمالى عدد السكان بلغ 1750 شخصًا، والذين بقوا فى المدينة عددهم 1250 شخصًا.
وتابع: «تم تخييرنا بين الإسلام أو القتل.. وعندما رفض أبناء القرية جمعونا فى إحدى المدارس، وجردونا من هواتفنا المحمولة وأموالنا وذهب النساء وحليهن، ليتم بعد ذلك إبادة كل رجال القرية إلا القليل، ثم قاموا بنقل النساء والأطفال إلى أماكن نائية بالقرية وعزلوا النساء الكبيرات بالسن لعدم استفادتهم منهن ثم بعد ذلك قاموا بقتلهن، والشاهد على تلك المذبحة مقبرة سنجار التى لا زالت موجودة حتى الآن، حيث تم دفن 78 امرأة عجوز بالمقبر من ضمنهن والدتى البالغة من العمر 90 عامًا».
واستطرد: «تظاهرت بالموت لأنجو.. كنت بين 40 جثة تم اقتياد أصحابها إلى الموت كالأنعام ورأيت أشقائى وجيرانى وهم يتساقطون واحدًا تلو الآخر، وتمكنت أخيرًا من الفرار خارج القرية فى إحدى غارات قوات التحالف على التنظيم.