وقف الطالب عزيز المصرى بمدرسة الحقوق، أمام أمير الشعراء أحمد شوقى فى امتحان اللغة الفرنسية، متوسلا أن يذهب معه «أمير الشعراء» إلى صديقه على باشا ذو الفقار، ليتوسط عنده للسفر إلى تركيا ليدرس فى مدارسها الحربية، فنفذ «شوقى» رغبة الطالب، وبعد إلحاح وافق «ذو الفقار» على سفر عزيز، ليبدأ رحلته الوطنية التى اكتسب بسببها ألقابا عديدة مثل «أبو الثوار» و«أبو الضباط الأحرار» و«أحد رواد القومية العربية»، وتخلل رحلته محاكمة تركيا له، يوم 1 إبريل «مثل هذا اليوم» عام 1914، بتهمة إنشاء دولة عربية مستقلة، فكيف حدث ذلك؟
حلم «المصرى» بدراسة العلوم العسكرية، ولهذا ترجى «شوقى» بعد أن مضى عليه ثلاثة أشهر فى مدرسة الحقوق «حسبها أنها قرون ثلاثة لكرهه ما يدرسه»، حسب تأكيد صفاء خليفة فى «عزيز المصرى–تاريخ مشرف من العمل الثورى «مجلة ذاكرة مصر المعاصرة–مكتبة الإسكندرية»، وتضيف: «ولد فى القاهرة عام 1880، والده هو زكريا أفندى على، جركسى الأصل، ولم يكد أن يبلغ السادسة حتى توفى الأب، وعندها تعهدته شقيقته الكبرى بالرعاية والحفاظ على إرثه، ثم أكمل تعليمه الثانوى بمدرسة التوفيقية الثانوية بشبرا، وكان اسمه فيها عبد العزيز زكى، واتخذ لنفسه اسم عبد العزيز على، وظلت أخته ترعاه حتى تخرج فى مدرسة التوفيقية، والتحق بمدرسة الحقوق».
أنهى «المصرى» دراسته العسكرية فى الأستانة بنجاح مبهر، وأصبح ضابطا فى الجيش العثمانى وشارك ضمن الجيوش التركية فى بلغاريا ليقمع الثوار البلغار الذين أطلقوا عليه اسم «الثعلب الأسود» لدهائه ولارتدائه سترة سوداء دائما، وحسب «خليفة»: «منذ ذلك الوقت بدت عليه علامات التمرد، وكانت المدارس العسكرية التى التحق بها وقتئذ تموج بالدعوة للحركات الإصلاحية، والتقى خلال وجوده فى كلية أركان الحرب بشباب عربى وتركى ساخط على الحكم العثمانى، ومن هؤلاء، نورى السعيد «رئيس وزراء العراق فيما بعد» وجعفر العسكرى وجميل المدفعى، ومصطفى كمال أتاتورك «رئيس تركيا فيما بعد»، وكون فى أكتوبر عام 1906 جمعية الوطن «بهدف إنشاء وطن عربى مستقل».
فى محطات الرجل الكثير، منها محطته التى قادته إلى محاكمته يوم 1 إبريل عام 1914، ففى عام 1911 حشدت إيطاليا قواتها العسكرية لاحتلال ليبيا التى كانت تحت السيطرة العثمانية، ووفقا لـ«صفاء خليفة» وجهت إيطاليا إنذارا للدولة العثمانية فى 27 سبتمبر 1911، وبدأت الحرب بعد يومين، وكان عزيز قائدا للقوات العثمانية تحت إمرة أنور باشا ثم قائدا لها، وكان عمر المختار قائدا لشيوخ الزوايا، وظل عزيز يقاتل حتى وصل إلى الإسكندرية فى يوليو 1913، ولبطولاته أطلق الليبيون عليه اسم «بطل برقة»، ويتذكر «عزيز» هذه الحرب لـ«صبرى أبو المجد» فى كتابه «عزيز على المصرى وصحبه «الهيئة المصرية العامة للكتاب - القاهرة»، قائلا: أبلى بلاء حسنا فى حربه ضد الطليان، وكان لديه مال قليل وعدد قليل من الجنود لكنه صمد ودحر الطليان، وحارب عمر المختار بإخلاص، وكان العرب يعدونه وليا ويتبركون به، فكان كثيرا ما يأتى إليه العرب ويقطعون قطعا من ثيابه يعلقونها عليهم، كان العرب فى ليبيا متأخرين ويعتقدون كثيرا فى السحر والخرافات».
عاد إلى الأستانة عام 1913 فى وقت بلغ فيه الاضطهاد التركى للعرب ذروته، فاستقال من الجيش وأسس مع مجموعة ضباط عرب «جمعية العهد»، وضمت 315 ضابطا عربيا، وكان برنامجها حسب صفاء خليفة: «إنشاء اتحاد فيدرالى يضم الشعوب الخاضعة للدولة العثمانية، بما فى ذلك مصر والسودان وطرابلس والمغرب وتونس على أن تنشئ كل قومية فيها كيانا إداريا مستقلا ويكون السلطان العثمانى رئيسا رمزيا لا فعليا»، ومع تزايد أفرع الجمعية فى الدول العربية، تم القبض عليه يوم الاثنين 9 فبراير 1914، وحسب «أبو المجد»: «دعوه إلى دائرة البوليس فى إسطنبول، ولما ذاع الخبر قام العرب بمظاهرات عديدة فى الأستانة».
بدأت محاكمته يوم الأربعاء أول إبريل 1914، وحسب «أبو المجد»، كانت الاتهامات فى محضر الجلسة الرسمى هى: «فكرة عزيز بك تناقض المصلحة العثمانية، فقد سعى وهو فى طرابلس الغرب فى بعث الفكرة العربية بين الأهلين وفى إنشاء دولة عربية مستقلة يتولى هو إدارة شؤونها، وكاد ينجح فى سعيه» و«هو عدو للأتراك عموما، وخائن للدولة التركية»، وقضت المحكمة عليه بالإعدام، وثارت ثائرة العرب وتصدى الأزهر لحملة تدافع عنه، حتى أصدر السلطان العثمانى عفوا عنه، وأطلق سراحه يوم 21 إبريل عام 1914 وعاد إلى مصر.