توالت ردود الفعل الدولية الواسعة على الهجوم الأمريكى المباغت الذى استهدف قاعدة الشعيرات العسكرية السورية فجر أمس، والتى أسفرت عن مقتل 6 عسكريين سوريين وخروج القاعدة مؤقتاً من الخدمة ، وفى الوقت الذى أدانت فيه روسيا الهجوم الأمريكى بشدة دفاعاً عن تحالفاتها مع نظام الرئيس السورى بشار الأسد، كان الموقف الصينى مختلفا عما سواه، إذ اعتبر مراقبون صينيون الهجوم الذى تزامن مع زيارة الرئيس الصينى شي جين بينج للولايات المتحدة بمثابة "تهديد مبطن" لبكين، ورسالة ضمنية أراد ترامب من خلالها التأكيد على أن اللجوء للخيارات العسكرية أمر لا يندرج ضمن قائمة المحظورات.
وبحسب ما نشرته تقارير إعلامية صينية ، انسحب الرئيس الصينى، والوفد المرافق له، من العشاء الرسمى، الذى أعده الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، فى منتجعه الفاخر، بعد دقائق من بدء صواريخ "توماهوك" فى ضرب أهدافها بالأراضى السورية.
وكان موكب وفد الرئيس الصينى انسحب من منتجع "مار لاجو" فى الساعة الثامنة و51 دقيقة مساء، أى بعد 6 دقائق فقط من بدء صواريخ "توماهوك" فى ضرب أهدافها بالأراضى السورية، وفقًا لما نقله موقع "روسيا اليوم".
وأطلقت مدمرتان أمريكيتان 59 صاروخًا من طراز "توماهوك" باتجاه إحدى القواعد الجوية السورية، بينما كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يجلس مع نظيره الصيني شي جين بينج فى مأدبة عشاء رسمية بمنتجع مار لاجو" بفلوريدا.
كان الاجتماع الأول بين الزعيمين، ولكن العشاء الذى كان من المفترض أن يكون فرصة لإقامة علاقة شخصية جيدة بين الزعيمين الأمريكي والصيني ولإعادة تقويم العلاقات الثنائية بين بلديهما، خيمت عليه ظلال وتداعيات أكبر عمل عسكري يتم تحت رئاسة ترامب.
ونقل موقع "بريتبات" الأمريكى عن مراقبين ودبلوماسيين صينيين قولهم : "الرسالة لن تضيع طريقها إلى الرئيس الصينى، الذى من المتوقع أن زيارته شملت العديد من القضايا، لا سيما فيما يتعلق بالتهديد الكورى الشمالى ونظامها من الصواريخ الباليستية، كذلك التوسع البحرى الصينى الطموح فى الجزر الاصطناعية بالمياه الدولية".
بينما قال الجنرال المتقاعد جاك كين، نائب رئيس هيئة أركان الجيش الأميركى السابق، بحسب ما نشره موقع فوكس نيوز قوله تعليقا على تصرف ترامب: "إنه يفعل ما يقوله.. إنه يرسل رسالة إلى الصينيين".
وأضاف كين أنه "يريد أن يقول للصين اسمعوا جيدا.. إن الكوريين الشماليين يريدون أن يفرطوا فى الصواريخ الباليستية، ويستخدمونها ضد بلدى وشعبى. لذا من فضلكم لا تدفعوا بى إلى حافة الزاوية حيث سأكون مضطرا إلى التعامل بهذا الشكل، واستخدم الخيار العسكرى، سيكون ذلك مخيفا، وهذا يعنى دون شك الحرب فى شبه الجزيرة الكورية".
من جانبها، ذكرت صحيفة الجارديان البريطانية، مقالا بعنوان "توقيت الضربة مع العشاء يترك للصين أن تعيد تقييم ترامب"، نقلت فيه تصريحا لـ"تايلور فرافيل"، وهو أستاذ مشارك فى العلوم السياسية فى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، قال فيه: "لا بد أن الصين تشعر بالضيق أن الضربة تمت بالتزامن مع أول زيارة لرئيسها، للقاء ترامب والاجتماع معه، بل خلال تناول طعام العشاء، وحدث ذلك فى الوقت الذى يفترض أن يسعى فيه الرئيس شى لتعزيز صورته كزعيم قوى على المسرح العالمى".
لكن بونى جلاسر، مديرة مشروع الطاقة الصينى بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية فى واشنطن، علقت على تزامن الغارات مع وصول الرئيس الصينى شى إلى فلوريدا، نافية أن يكون الأمر مخططا له "من وجهة نظرى".
وعادت للقول: "لكن بالضرورة فإن ذلك يرسل إشارة إلى شى جين بينج أن هذا هو الرئيس الذى يُعنى بالأفعال، وأنه لن يجلس ويقضى وقتا هائلا بلا طائل، فهو يؤمن بالعمل والحزم جدا".
فينا أكدت صحيفة "جلوبال تايمز" الصينية، فى افتتاحيتها، اليوم، أن الرئيس الأمريكى اختار توجيه الضربة الأمريكية إلى سوريا، خلال اجتماعه مع نظيره الصينى شى جين بينج لتوجيه رسالة واضحة ومباشرة إلى بكين، مفادها أن واشنطن لم تعد تتردد فى استخدام الخيار العسكرى لحسم الأمور إن جاء وقتها.
وقالت الصحيفة إن قرار ترامب بمهاجمة حكومة الأسد هو استعراض للقوة من الرئيس الأمريكى، مضيفة: "ترامب يريد أن يبرهن أنه يجرؤ على القيام بما لم يجرؤ عليه أوباما، ويريد أن يثبت للعالم أنه ليس رئيسا لرجال الأعمال، وأنه سيستخدم القوة العسكرية الأمريكية دون تردد عندما يرى الأمر ضروريا".
وقال عدد من الخبراء، إن ترامب ربما يكون قد حدد توقيت الضربة خلال عشائه مع الرئيس الصينى، من أجل إرسال هذه الرسالة على وجه التحديد إلى الرئيس الصينى، مما يدل على استعداده لاستخدام القوة العسكرية لمعالجة الصراعات التى تنشأ فى تايوان وبحر الصين الجنوبى، وبالطبع كوريا الشمالية.
وقال ترامب فى وقت سابق من هذا الأسبوع إنه "إذا لم تحل الصين مسألة كوريا الشمالية سنفعل نحن ذلك"، وألقت الصحيفة الصينية الضوء على موقف بكين من الضربة الأمريكية، إذ قال المتحدث باسم وزارة الخارجية هوا تشون ينج، فى مؤتمر صحفى، أمس الجمعة إن الصين تعارض دائما استخدام القوة وتصر على حل النزاعات سلميا من خلال الحوار.
ومع ذلك، صوتت الصين منذ فترة طويلة ضد العقوبات والتدخلات فى سوريا، حتى مع استمرار عدد من الهجمات الكيميائية ضد المدنيين.