هل تعود عمليات "دامو كليس" لتخويف ومطاردة جاليات الدول التى لها علاقات جيدة وقوية مع مصر؟.. فى عام 1959 قرر الرئيس جمال عبد الناصر أن تُعيد مصر محاولة امتلاكها أحدث الأسلحة، خصوصًا الطائرات النفاثة والصواريخ، التى يمكن تصنيعها محليًا، حتى لا تواصل اعتمادها على الدول الأجنبية للحصول على الأسلحة اللازمة لها.
وفى عام 1960 أنشئت هيئة الطيران المصرية، تحت الإشراف المباشر لـ"عبد الناصر"، وكان يخضع لتلك الهيئة مصنع 333 الحربى "صخر"، ومصنع 81 الحربى و270 الحربى، وتم بناء وحدة للتجارب على بعد 100 كيلو متر من القاهرة، وكان يعاون العاملين والعلماء المصريين فى مصنع 333 الحربى، ما يقرب من 250 عالمًا وفنيًا ألمانيًا، من خبراء شركات ومصانع مختلفة.
سيطرة حالة من الخوف والرعب والفزع داخل إسرائيل، بعد أن أصبح لدى المخابرات الإسرائيلية معلومات، لما يتم لحساب بالتعاون مع ألمانيا، وبالتالى كانت هناك خطة عاجلة بمطاردة الألمان العاملين فى مصر، وتهديد أسرهم، وإرسال رسائل متفجرة لهم، وبالفعل سرعان ما رحل الألمان عن مصر تخوفا من هذه المطاردات.
عام 1962 احتفلت مصر بإطلاق أربعة صواريخ بعيدة المدى، ولم يحاول الرئيس جمال عبد الناصر إخفاء الهدف من تلك الصواريخ، وأصبح فخورًا بأنها تستطيع إصابة أهدافها حتى مدينة بيروت، وهو ما يعنى إمكان وصولها إلى أى شبر فى إسرائيل.
على الفور طلب الموساد، تقريرًا وافيًا حول الصواريخ المصرية الجديدة، وفى مواجهة هذا الوضع، قررت أجهزة المخابرات الإسرائيلية، تنفيذ عملية فى مصر يطلق عليها اسم "دامو كليس"، بحيث تكون الخطة، تدبير اغتيالات وتفجيرات ضد العلماء الألمان فى مصر، للذين كانوا يساعدون فى عملية التصنيع العسكرى المصرية، واستقرت إسرائيل على أن يوجهوا رسائل ملغومة إلى العلماء الألمان للتخلص منهم، وإدخال الذعر فى نفس البقية من العلماء الألمان والنمساويين، لإجبارهم على مغادرة مصر، وبذلك يتم لإسرائيل التوصل إلى إيقاف مشروعات مصر العسكرية.
مدى تشابه هذه القصة وما المقصود منها؟
عانت البلاد بعد ثورة 25 يناير من أزمات أمنية وسياسية واجتماعية واقتصادية، وتزايدت هذه المعاناة بعد ثورة 30 يونيو، وما ترتب عليها من تنفيذ عمليات إرهابية، تركزت أغلبها فى شبه جزيرة سيناء، ولم تسلم محافظات القاهرة الكبرى أيضًا من يد الغدر الغاشمة، وخلال تلك الفترة منذ 2011، كان قطاع الطاقة والسياحة أكثر القطاعات التى تضررت، حيث إن كلاهما يعتمد على استقرار الأوضاع الأمنية، وتواجد شخصيات أجنبية سواء للسياحة أو للعمل.
دول كثيرة مدت يدها لمصر بهدف المساعدة فى محنتها، للنهوض باقتصاد البلاد، ومحاربه العمليات الارهابية التى تهدد أمن واستقرار كافة الدول، وبالفعل بدأ الإرهاب فى معاقبة البلاد التى تقف بجوار مصر ومحاربتها ومحاولة إحداث الوقيعة بينهما، ومن أهم القضايا التى عانت مصر منها، ونجحت فى التغلب عليها، هى حل أزمة انقطاع الكهرباء، وتوفير احتياجات وتأمين مصر، من الغاز الطبيعى والمنتجات البترولية، واتخذت خطوات عاجلة ومدروسة حتى عزز ذلك حقل "ظهر" العملاق فى البحر المتوسط باحتياطيات 30 ترليون قدم مكعب من الغاز، ولم تستطع مصر إخفاء فرحتها وافتخرت به، حتى أصبح هذا الإنجاز حديث العالم كله، بعد أن أعاد الأمل لمصر والمصريين.
قضية الطاقة أصبحت هى العامل الأول والأخير، الذى يسيطر على أجندة وأولويات النظام المصرى حتى تولى رئيس وزارة مصر شخصية من الطاقة، ونضجت العلاقات بين مصر وايطاليا وبريطانيا، وغيرها من الدول التى تستثمر فى مجال البحث والاستكشاف عن النفط والغاز الطبيعى، وتطورت العلاقات بين مصر وإيطاليا تحديدًا، حتى أن الرئاسة أصبحت تتابع المشروعات البترولية بنفسها.
أصابت هذه الاكتشافات العملاقة التى حققتها مصر فى وقت قيل إنها مقبلة على استيراد الغاز بشكل دائم وستغرق فى أزمات الطاقة ولن تخرج منها، دول بعينها بالجنون، وجعلتها تشعر بالقلق، وبدأت مؤخرًا فى التحرك كالثور الهائج يمينًا ويسارًا، لإقامة تحالفات وتوقيع اتفاقيات لتسويق اكتشافاتها البترولية، بعد أن تكاسلت عن تسويقها ظنًا منها أن لن تستطيع أى دولة تحقيق مثل هذه الاكتشافات.
ولم تنجح سلسلة الإشاعات والفبركة، التى تم إطلاقها وترويجها مؤخرًا، لإثارة البلبة والإثارة ضد مصر، من قبل الدول التى تشعر بالقلق من تنامى العلاقات بين مصر وإيطاليا وغيرها من الدول.
ماذا يحدث حاليًا؟
اعتبر الدكتور جمال القليوبى أستاذ هندسة البترول والطاقة وخبير الطاقة الدولى ومدير مركز الدراسات الاقتصادية، أن ما يحدث حاليًا يوحى بأن هناك مسرحية درامية إجرامية، مخطط لها من قبل أيادٍ استخباراتية متعددة بالدرجة الأولى، حتى يكون هناك نوع من عدم الأمان لدى العاملين الأجانب فى مصر، خاصة من الإيطاليين والإنجليز، موضحًا "أنه إذا نظرنا إلى أن أغلب الجاليات، سنجدها من إيطاليا وإنجلترا وتعمل فى قطاع البترول والسياحة".
وأضاف خبير البترول الدولى، فى تصريحات خاصة لـ"انفراد"، أن الجاليات الإيطالية، سواء من المواطنين أو العاملين أو رجال الأعمال، متواجدون فى مصر منذ فترات طويلة، ويتحركون بحرية وأمان، متسائلاً "فلماذا فى هذا التوقيت ومع تزامن زيارة الوفد الإيطالى لمصر لبحث مزيد من التعاون والعلاقات المصرية بين البلدين يتم إخراج جثة الطالب الإيطالى؟".
وتابع: "ما يحدث حاليًا هو تحرك سريع وممنهج، لتوابع الأسبوع الماضى، حيث كانت هناك رسالة خطيرة مرت مرور الكرام، وهو ظهور بعد الشخصيات التى شعرت بالقلق، من مساندة إيطاليا لمصر فى مجال الطاقة، وسارعت بإقامة علاقات مع قبرص اليونان وتركيا".
وأوضح، أن أجندة الوفد الإيطالى المسئول، كانت تتركز فى مجال الطاقة والبترول والغاز الطبيعى، ومصر تسارع الزمن فى هذا الشأن، وتحركات العدو فى هذا الشأن أيضًا، وبالتالى تسعى الأيدى الاستخباراتية إلى زعزعة استقرار الأجانب العاملين فى مجال البترول تحديدًا، لأنهم النسبة الأكبر من الجاليات، ضمن الجالية التى تعمل فى القطاع السياحى والنفطى والصناعى.
وأشار إلى أن مقتل الطالب الإيطالى "جوليو ريجينى" وخروج جثته فى ذلك التوقيت، هو تفكير استخباراتى، ما زال يعمل بمنهجية التفتيت والفتن للجاليات الأجنبية، كما حدث بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيو، مشيرًا إلى أن هذه العمليات لا تخرج عن نفس الأيادى التى تقوم بالعمليات الإرهابية فى سيناء، قائلاً "وإن كانت هذه القضية مختلفة، لأنها تمت من خلال جهاز استخباراتى، له تعقل فى التعامل مع عمليات التخريب داخل القاهرة الكبرى، حيث إن العمليات الارهابية عندما تحدث تتم بعفوية ومصحوبة بخوف حينما تتم داخل العواصم.
لماذا الشكوك ناحية عمل استخباراتى؟.. ولماذا إيطاليا؟
العمليات الدرامية الإجرامية، التى تؤثر سياسيًا وبرتوكوليًا ودبلوماسيًا، وتحدث نوع من القلق لدى الجاليات هو دائمًا العمل الاستخباراتى، والمقصود به فى ذلك التوقيت، هو أن كثيرًا من العلاقات فى دعم الاقتصاد المصرى، خاصة فى قطاع البترول والسياحة هو دعم إيطالى، إضافة إلى أن هناك توجهًا إيطاليًا بدعم المنطقة الصناعية فى مناطق قناة السويس وجنوب الصعيد.
إذا هنا نتحدث عن جاليات تساعد مصر فى قطاعات مختلفة، والآن هناك عمليات استخباراتية تجاه جالياتها فى البلاد لتخويفها، وزرع نوع من القلق والخوف بعدم أمانهم داخل الدولة.