المتحولون جنسيًا هم أشخاص مروا بتجارب معينة ربما كانت قاسية نفسيًا أو أنهم كبروا أسريًا بشكل خاطئ جعلهم يصابون بخلل نفسى ما، وهناك حالات تحول أيضًا من جراء مشكلات خلقية جنسية، ولكنها قليلة وتعتبر تصحيح مسار وليس تحولاً عن الأصل والفطرة التى طبعها الله فى خلائقه.
ولعل من أبرز تلك الحالات المتعلقة بعمليات التحول الجنسى التى ذاع صيتها فى أنحاء العالم هى حالة زوج والدة النجمة كيم كاردشيان المتحول جنسيًا والمدعو "كاتلين جينر" الآن، وعلى الرغم من توافر كل مقومات السعادة حول الرجل سابقًا والسيدة المتحولة حاليًا من مال وشهرة وأضواء إلا أنه صرح مؤخرا عن شكواه من الوحدة وتجاهل أفراد عائلته له، وعدم إعطائه الاهتمام الكافى.
ومن هنا يبحث "انفراد" فى الدوافع النفسية لهؤلاء الراغبين فى التحول جنسيًا من خلال أطباء متخصصين يفسرون سر الرغبة المخالفة للفطرة ونتائج الاستسلام لها، والعلاقة بينها وبين الشذوذ الجنسى والخلل العضوى.
لاحظ طفلك قبل الدخول فى متاهة اضطراب الهوية الجنسية
قال الدكتور محمد عادل الحديدى، أستاذ الطب النفسى بجامعة المنصورة إن اضطراب الهوية الجنسية هو فى الحقيقة اضطراب نفسى له أسباب نفسية وليست عضوية، فالشخص يولد بشكل طبيعى جنسيًا 100% ولديه الأعضاء الجنسية الأولية والثانوية، ولكن مع بداية سن 3 سنوات تظهر على الطفل بعض العلامات التى يجب أن ينتبه لها الوالدان جيدًا وألا تمر عليهم مرور الكرام.
وأضاف الحديدى، أنه يجب ملاحظة الطفل الذكر حين يميل للجنس الآخر ويفضل اللعب بألعاب الفتيات، ويكره التعامل معه على أساس طبيعة جنسه أنه ولد، ويعتقد أنه سيكبر على شكل الجنس الآخر، لأنه عندما يكبر ويصل إلى سن المراهقة تظهر عليه بعض العلامات الأنثوية فى السلوك والمظهر، ونجد أن أصدقاءه من الجنس الآخر، ومع مرور الوقت يعانى هذا الشخص من ضغوط دينية واجتماعية، وتبدأ الأسرة فى منعه من اللعب مع الفتيات، فيتولد لديه شعور قوى بعدم الراحة وفقدان الاتساق مع الذات.
يميل لأى جنس؟
وأوضح "الحديدى" أن الشخص يميل إلى نفس جنسه، ويشعل بالميل العاطفى للجنس المماثل له، وليس شرطًا أن يكون الموضوع مرتبط برغبة جنسية، فشعور الشخص بأنه الآخر يدفعه لهذه العاطفة دفعًا، مشيرًا إلى أن كثيرًا منهم يفكر فى التحول للجنس الآخر كى يرتاح، حتى أن البعض منهم يصف إحساسه بأنه يشعر بأن عقله ومشاعره وروحه ولدت فى جسد آخر.
الدوافع النفسية للرغبة فى التحول الجنسى
ويحدد "الحديدى" الدوافع النفسية للرغبة فى التحول النفسى فى أن الطفل الذكر ينظر حوله فيجد أمامه والده الذى يكون المثل والنموذج والقدوة، وفى حالة غيابه بالوفاة أو الطلاق أو السفر، يبدأ فى البحث عن الدور الذى يتقمصه فلا يجد حوله الشكل الذكورى المفترض خصوصًا عندما يعيش مع الأم وحدهما أو بين أخواته البنات، فنجده يندمج معهم ويشعر وكأنه واحد منهم.
وأضاف الحديدى أنه عندما يرتبط الطفل عاطفيًا أكثر بوالدته بسبب قسوة وعنف والده؛ الأمر الذى يؤدى إلى كراهيته لوالده، فينفر داخليًا من الجنس الذكرى بسبب الصورة التى صدرها له والده، فيميل إلى الجنس الآخر ويحذو حذوهم فى الشكل والسلوك.
ولفت الحديدى إلى أنه فى بعض العائلات التى تنجب إناثًا فقط نجد الأم والأب يتعاملان مع البنت معاملة الذكور ويشترون لها ملابس الأولاد ويقصرون لها شعرها مثلهم ويسمونها باسم يناسب الأولاد والبنات مثل: "رضا، جهاد، إحسان، إسلام"، وإذا حاولت أن تتعامل بأنوثة ودلع ينهرونها، وبمرور الوقت يترسخ داخل الفتاة أنها ولد وليست بنتا وتتصرف مثلهم، وعندما تبدأ علامات الأنوثة فى الظهور عليها يبدأ المجتمع والعائلة من حولها فى الضغط عليها وتوجيهها للتعامل كأنثى بعد أن زرعوا بداخلها ذاك الإحساس الذكورى، وهنا يبدأ الصراع وتشتعل الأزمة بداخلها.
هل يوجد أمل فى العلاج؟
عقب "الحديدى" بأن التعامل مع مثل هذه الحالات يحتاج إلى علاج طويل لأنه فى الأساس عبارة عن مرض نفسى بدأ مبكرا منذ سنوات الطفولة الأولى وأسبابه نفسية وليست عضوية؛ لذا فهو يحتاج لعلاج نفسى مكثف لمدة عام على الأقل بغرض تصحيح المفاهيم عن جنسه وعلاج الصراعات النفسية التى عاناها فى تلك الفترة، وتعويض الجانب الأبوى الذى لم يكن موجودًا أو كان موجودا بصورة مشوهه، وغالبا تستجيب 70% من الحالات، بينما تصر 30% منها على التحول للجنس الآخر.
وأكد الحديدى أنه فى مثل هذه الحالة نلجأ للعلاج الهرمونى لتعويضه نفسيا وإعطاؤه فرصة التجربة فى فترة اختبار ليعيش بحالة الجنس الآخر، بحيث يعيش الحياة الأنثوية إن كان ذكرًا أو تعيش الحياة الذكورية إن كانت أنثى لمدة تتراوح ما بين 6 أشهر متواصلة وعام كامل، وكثير من هؤلاء بمجرد أن يتعايشوا بهذه الحالة الجديدة يخرجون من التجربة كارهين للتحول.
غالبا الانتحار هو النهاية
فيما أشار "الحديدى" إلى أن كثير من المُصِرِّين على التحول جنسيًا يقومون بعمليات مبالغ فيها، ثم يصابون بالاكتئاب ويشعرون بأنهم غير سعداء فى التعايش مع هذا الجنس، وتنتهى حياتهم بالانتحار؛ لذا يشترط قبل القيام بمثل هذه العمليات أن يكون قد مر على كل مراحل العلاج المطلوبة مدة لا تقل عن عام، وأن يجلس مع اثنين من الأخصائيين النفسيين وطبيب جراح متخصص ومسئول قانونى لتنفيذ بروتوكول كامل؛ ويتأكدون من عدم استجابته للعلاج.
وأشار إلى أن هذه العمليات ليست دارجة فى مصر لذا يلجأ الكثير لإجرائها فى الخارج، ولا نستطيع أن نحدد النسب بالضبط لأن كثير من هذه الجراحات يتم فى سرية وكتمان والنسب المعلنة فى مصر أقل بكثير من الواقع.
السرطان والجلطات أضرار متوقعة للعلاج الهرمونى
ووضح أن العلاج الهرمونى خطير وله أضرار صحية ويسبب مشكلات فى الخصوبة لدى الأنثى التى تتناول هرمونات الذكورة نتيجة توقف الدورة الشهرية، ومع استخدامه لفترات طويلة يتسبب فى إصابة الشخص بجلطات ونزيف وأورام؛ لذا فهو يحتاج إلى متابعة طبية طويلة.
الفرق بين المخنث ومضطرب الهوية الجنسية
لفت "الحديدى" إلى أن اضطراب الهوية الجنسية مختلف تمامًا عن حالات الجنس الثالث أو الخنثى التى تولد بأعضاء ذكرية وأنثوية، وفى هذه الحالة يتم تحديد الجنس بإجراء عملية جراحية بعد أخذ رأى الشخص والتأكد من رغبته وإحساسه الداخلى بنفسه، والقدرة على الممارسة الجنسية فيما بعد، فقد يكون لده عضو أكثر كفاءة وفعالية وقدرة، عندها يتم استئصال العضو غير الفعال بناء على الرغبة والقدرة.
متى يكون الشخص مؤهلا لاتخاذ قرار العملية؟
أكد "الحديدى" ضرورة أخذ القرار بعد سن النضوج القانونى كى يكون الشخص مسئولاً عن نفسه وقراراته خصوصًا فى مثل هذه القرارات الخطيرة، باستثناء حالات معينة مثل الخصية المعلقة التى تحتاج إلى جراحة سريعة فى سن الطفولة المبكرة لإنزالها من البطن لكيس الصفن، وإلا تسببت فى الإصابة بالسرطان.
بعضهم لم يمارس الجنس أو الشذوذ مطلقا!
ومن جانبه قال الدكتور جمال فرويز، استشارى الطب النفسى إنه يقوم بعلاج 9 حالات تعانى من اضطراب الهوية الجنسية حاليا، وكلهم ذكور كاملى الذكورة من بينها حالة لرجل لم يمارس الشذوذ الجنسى نهائيًا، بل إن بعضهم لم يمارس الجنس أبدًا، وبرر هذا المريض رغبته فى التحول الجنسى بأنه كان دومًا يجلس مع عماته وخالاته ويشعر بالانطلاق فى الحديث معهم بطريقتهم، والعكس عندما يجلس مع الرجال، يشعر بالضيق والاختناق وعدم القدرة على التواصل، لذا فهو يعانى من الوحدة بسبب عدم وجود أصدقاء ذكور له.
وأكد فرويز ضرورة الفصل وإجراء تحاليل للهرمونات وأشعة على الحوض وفحص توزيع الشعر فى الجسم وتقييم الحالة جيدا، وتحديد مشكلتها بالضبط، هل هى شاذة أم تعانى مشكلة نفسية، معقبا بأن إحدى الحالات لديه لرجل يأتى له مرتديا زى الفتيات وباروكة ومقتنع تماما بأنه فتاة جميلة على الرغم من أن هذا غير صحيح بالمرة، وعلى النقيض لديه حالة لفتاة كاملة الأنوثة تريد أن تعيش فى دور الرجل وتلبس ملابس الرجال وتتعمد لبس "جواكت" واسعة فى عز الحر لتخفى صدرها رمز أنوثتها.
أحيانًا التحول وسيلة لاستمرار الكسب من الشذوذ!
أكد "فرويز"، أن بعض الحالات التى تقدم على عمليات التحول الجنسى هى فى الأساس حالات شاذة تمارس الشذوذ طوال الوقت وتعتبره مهنة يتكسب منها المال، وبعد فترة معينة يرفض الآخر ممارسة الشذوذ معه لأنه لم يعد يحقق له المتعة الكافية، فيلجأ لعمليات التحول الجنسى إلى أنثى ظنا منه أن الطلب سيكون عليه أعلى، لكن هذه الحالات بمرور الوقت وظهور التجاعيد يتجنبهم الآخرين ويبتعدون عنهم حتى أولئك الشواذ الذين كانوا يستغلونهم فى قضاء حاجتهم غير المشروعة، وبعد فترة يعانون الإكتئاب ويقدمون على الانتحار.
يحب صديقه ويرغب بالزواج منه
يقول الدكتور جمال فرويز، إنه ورد عليه حالة لشاب يريد إجراء عملية التحول الجنسى لفتاة لأنه يحب صديقه ويرغب بالزواج به، وحاول توضيح الأمر له بأنه حتى لو أحبه الآن وهو شاذ جنسيا فلن يحبه وهو فى صورة امرأة وسيتخلى عنه بعد فترة مثل ما حدث مع حالات كثيرة.
وهنا أوضح فرويز، أن كل الحالات التى تعامل معها فى مصر كانت "سينجل" لم يسبق لها الزواج سواء كانوا رجالا أو نساء، وأكثرهم عائلاتهم وأسرهم كانوا رافضين تمامًا لإجراء عمليات التحول لهم لأسباب عديدة على رأسها الخوف من الفضيحة باستثناء حالة مرت على لأب وإخوة كانوا يشجعون أخيهم على إجراء العملية، وبعد إجراء العملية أخبره والده بأنه سيأخذ نصف ميراثه فقط لأن للذكر مثل حظ الأنثيين.
وأضاف "بدأ الشاب فى محاولات إثبات ذكورته للحصول على ميراثه الشرعى كاملا بعدها"، وبعض الأسر توافق على مضض خوفا من تهديدات المريض بالانتحار، لكن حتى بعد إجراء العملية يصبح التعامل معهم محدودا من قبل عائلاتهم والمحيطين بهم ويعانون من رفض المجتمع لهم لذا ينهاروا نفسيا على الرغم من أنهم أجروا كل العمليات التى تعزز مظاهر أنوثتهم إن كانوا ذكورا فى الأصل.