بعد سلسلة من الضغوط وكشف متوالى لفضائحها ومؤامراتها فى العديد من وسائل الإعلام العالمية ومراكز الأبحاث، وبالتزامن مع تزايد الدعوات داخل البيت الأبيض والكونجرس الأمريكى لمراجعة العلاقة التى تجمع واشنطن والدوحة، خرج أمير قطر تميم بن حمد فى تصريحات مسيئة مساء أمس، للعديد من الدول الخليجية وفى مقدمتها المملكة العربية السعودية والإمارات بخلاف تجاوزاته المستمرة بحق الدولة المصرية.
ولم يسلم الرئيس الأمريكى دونالد ترامب من انتقادات أمير قطر تميم بن حمد، فى الوقت الذى أعلنت فيه الخارجية القطرية اعتزامها سحب سفرائها من 5 دول عربية قبل أن يحاول المسئولون القطريون تدراك الأزمة والزعم بأن موقع وكالة الأنباء الرسمية للإمارة تمت قرصنته.
ويأتى التطور اللافت فى موقف قطر بعد سلسلة من الضغوط التى تجنى الدوحة من خلالها ثمار ما حاولت نشره من فساد وإرهاب وتخريب فى دول الجوار من خلال دعم وتمويل كيانات إرهابية ومليشيات مسلحة للنيل من استقرار الدول العربية، وبعد اهتمام لافت من الإعلام الغربى والأمريكى على وجه التحديد بما تنفذه قطر وفضائيتها المشبوهة الجزيرة من أجندة لا تهدف إلا لنشر الفوضى والدمار فى الشرق الأوسط.
وفى تقرير لها، قالت مجلة "فورين بوليسى" الأمريكية أمس إن قطر "ذات وجهين"، مشيرة إلى أن الإمارة التى تعتمد على الولايات المتحدة لتحقيق أمنها، واصلت على مدار أكثر من 20 عاما تبنى عدد من السياسات ليس فقط التى فشلت فى تعزيز المصالح الأمريكية فى الشرق الأوسط، بل إنها فى قضايا كثيرة قد قامت بتقويض تلك المصالح بشكل فعال.
وقبل ساعات من خروج تميم بن حمد بتصريحاته المسيئة لدول الجوار، تطرقت المجلة إلى لقاء ترامب بعدد من قادة الدول العربية خلال زيارته للسعودية، وكان أحد الأهداف المهمة للقاء ترامب بالقادة العرب والمسلمين تشجيعهم على تحمل مزيد من الأعباء فى الدفاع عن المصالح المشتركة، لاسيما فى محاربة تهديدات الإرهاب وإيران. ونصح ترامب بأن يجعل قطر واحدة من أهم أولوياته فى هذا الشأن.
وذهبت المجلة إلى القول بأن قطر هى نموذج للأصدقاء "ذوى الوجهين"، وسعت باستمرار إلى تحقيق ذلك فيما يتعلق بالولايات المتحدة. فمن ناحية، هى طرف موثوق به يستضيف بعض من المنشآت الأمريكية الأكثر أهمية فى الشرق الأوسط. لكن من الناحية الأخرى هى الداعم الرئيسى سياسيا وماليا وفكريا عبر شبكتها الجزيرة، لبعض من أكثر القوى الراديكالية الهطير المزعزعة للاستقرار فى المنطقة.
وتابعت فورين بوليسى قائلة إن لائحة الاتهام ضد قطر طويلة للغاية لسردها بالكامل. لكن بعض المقتطفات منها سيئة بما يكفى. وتحدثت عن دعمها لحركة حماس على مدار سنوات وكيف أنها كانت ممولها الأكثر أهمية والملاذ الآمن لقيادتها، مشيرة إلى أن القطريين قد وضعوا رهانهم على الإسلاميين المتبنيين للعنف فى غزة الملتزمين بتدمير إسرائيل.
وقامت قطر بتمويل حكومة محمد مرسى الإخوانية الكارثية فى مصر. وبعد الإطاحة بها فى عام 2013، مضت فى طريقها لتقويض استقرار نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي ومحاولة نزع الشرعية عنه، ووضعت الجزيرة والمنابر الإعلامية المدعومة من الدوحة فى خدمة الإخوان المسلمين مع الترحيب بقادة التنظيم فيها.
ولم تكن "فورين بوليسى" الوحيدة التى فضحت اتجاهات قطر وزعزعت الاستقرار فى المنطقة، حيث أثارت زيارة وزير الدفاع الأمريكى جيمس ماتيس للدوحة الشهر الماضى حملة فى الصحافة الأمريكية التى طالبت مسئولى واشنطن بالضغط على تميم لوقف سياسات بلاده الداعمة للإخوان.
فتزامنا مع زيارة ماتيس، دعا الكاتب الأمريكى ريتشارد مينيتر، وزير دفاع بلاده لضرورة تبنى موقف متشدد وصارم من قطر، فى ظل دعمها للإرهاب ورعايتها له، منتقدا الوزير لأنه لم يذكر خلال زيارته، تمويل قطر ودعمها لجماعة الإخوان الإرهابية، ولم يثر هذا الموضوع من الأساس.
وفى مقال له بمجلة "فوربس"، قال "مينيتر" إن المسئولين الأمريكيين والعرب يتساءلون "متى ستتبنى الولايات المتحدة موقفا صارما من قطر، إزاء دعمها الصريح للإخوان؟"، فبسبب هذه القضية وحدها، اختلفت السعودية والإمارات والبحرين مع قطر علانية، وسحبوا سفراءهم منها، وفى حين أن هناك قدرا من التحسن فى الأوضاع بين الطرفين تظهره البيانات العامة مؤخرا، إلا أن جيران قطر غاضبون وقلقون من أن الإمارة الصغيرة تواصل تمويل ودعم الإسلاميين الراديكاليين الذين يريدون الإطاحة بحكوماتهم.
وأكد الكاتب فى مقاله، أن دعم قطر للإخوان معروف، مشيرا إلى أن قناتها "الجزيرة" تقدم بانتظام ضيوفا مرتبطين بالتنظيم، وعلى مدار سنوات، ظل الزعيم الروحى للتنظيم، يوسف القرضاوى، يطل من خلال برنامج خاص على القناة، متابعا: "طالما قال المسئولون السعوديون والمصريون إن قطر تمول جماعات تابعة للإخوان عبر الشرق الأوسط، منها الجماعات التى تعمل على الإطاحة بحكومتى القاهرة والرياض، حليفتى الولايات المتحدة، كما قدمت قطر ملاذا آمنا لعدد من الإرهابيين المرتبطين بالإخوان، ومنهم خالد شيخ محمد، العقل المدبر لهجمات سبتمبر، الذى كان عضوا فى فرع الإخوان بالكويت خلال سنوات عمره الأولى، وقدمت له قطر شقة بتمويل حكومى، ووظيفة حكومية عام 1996".
ونشرت صحيفة "نيويورك بوست" تقريرا كتبه جوناثان شانزر، المحلل السابق فى إدارة تمويل الإرهاب بوزارة الخزانة الأمريكية، قال فيه إنه كان على وزارة الخارجية فى عهد الرئيسين أوباما وجورج بوش وضع قطر فى قائمة الدول الداعمة للإرهاب، خاصة فى عهد بوش، وقالت "حينما شنت إدارة جورج دبليو بوش الحرب على الإرهاب، أغفلت سجل قطر، بما فى ذلك أن العقل المدبر لأحداث 11 سبتمبر، خالد شيخ محمد الذى سبق ووجد ملجأ لنفسه على الأراضى القطرية"، وتحدث التقرير عن علاقة قطر بالعديد من المنظمات والجماعات المصنفة بأنها إرهابية على قائمة الإرهاب فى الولايات المتحدة، ومن بينها حماس وطالبان.
وفى مقال نشرته صحيفة "واشنطن تايمز" عن وثيقة المبادئ التى أعلنتها حركة حماس مؤخرا، قال الكاتب كليفورد ماى، رئيس مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، إن تميم بن حمد ال ثانى بارع فى اللعب على كافة الأطراف، فهو لا يوفر لحماس فقط مكان لقادتها ولكن الكثير من تمويلها. ويدعم الإخوان فى المنطقة، ويعمل ممولى القاعدة وطالبان والجماعات الإرهابية الأخرى فى قطر بحرية. وفى نفس الوقت ينقل الأمير "الرؤية القطرية"، وهو مصطلح أكثر تهذيبا للدعاية للإسلاميين حول العالم عبر شبكته الجزيرة.
وفى بداية هذا الشهر، دعت صحيفة "ذا هيل" الأمريكية، الكونجرس لضرورة الضغط على السلطات القطرية، بسبب إعطائها مساحة لواعظ يدعو إلى الكراهية، يدعى سعد العتيق بن العتيق.
وقال الكاتب ديفيد وينبيرج، الزميل البارز بمؤسسات الدفاع عن الديمقراطيات الأمريكية، إنه فى الوقت الذى سافر فيه وزير الدفاع الأمريكى "جيمس ماتيس" لقطر فى الحادى والعشرين من أبريل الماضى، كانت الدوحة التى تستضيفه تنتهك تعهدين مهمين فى المعركة العقائدية ضد الإرهاب.
وأوضح المقال، إن قطر بسماحها لداعية كراهية معروف بالظهور على تليفزيون الدولة، كانت تنتهك بيان جدة لوزير الخارجية الأمريكى السابق جون كيرى عام 2014، الذى تعهد فيه حلفاء أمريكا العرب بالتنصل من العقيدة الكريهة لتنظيم داعش والمتطرفين الآخرين الذين يتبنون العنف، كما أن الدوحة كانت تنتهك تعهدا قطريا عام 2015 بإبعاد هذا الداعية عن تليفزيون الدولة.
وفى ضوء هذه التطورات، يقول الكاتب الأمريكى، إنه ينبغى على الكونجرس مراجعة سجل قطر والموقعين الآخرين على بيان جدة، فيما يتعلق بالتحريض الدينى، ويمكن أن يوصى أعضاء الكونجرس أيضا بجعل الأولوية للحلفاء العرب، الذين يأخذون المعركة الأيديولوجية ضد الإرهاب بجدية أكبر.