"الرفاعى".. قصة مسجد بنى فى عصر التسامح.. سر تحول زاوية شيوخ الرفاعية إلى مقبرة للعائلة الملكية.. النقوش القرآنية تعانق الصلبان على واجهة المسجد.. وضريح شقيقة ديليسبس المسيحية يتوسط مدافن ملكات وأميرا

لم يخطر على بال أحد أن تتحول تلك الزاوية الصغيرة الموجودة بمواجهة مسجد السلطان حسن، فى منطقة القلعة بمصر القديمة، إلى واحد من أهم المساجد الكبرى والتحف المعمارية، والتى شيدت على الطراز المملوكى الذى كان سائداً فى القرنين الـ 19 والـ20، قبل أن يتحول إلى مقبرة للملوك والأمراء بدلاً من صاحبه الذى دفن فى العراق. ولد أحمد الرفاعى فى العراق سنة 512 هـ يتيماً، وكفله خاله منصور البطائحى، وينسب إلى جده السابع "رفاعة"، الذى هاجر إلى المغرب هرباً من اضطهاد العباسيين للعلويين، وسافر حفيده يحيى إلى الحجاز لأداء الحج وأقام فى مكة مدة قصيرة ثم ارتحل إلى البصرة واستقر بها وأنجب ولديه الحسن الرفاعى وأحمد الرفاعى، درس أحمد العلوم الدينية وحفظ القرآن فى سن صغيرة، وولاه خاله خلافة طريقته قبل وفاته، وترك الشيخ الكثير من الأوردة والكتب فى مختلف العلوم الدينية، وتوفى بقرية أم عبيدة بالعراق ودفن فى ضريحه هناك سنة 572 هـ أو 578 هـ. قصة تحول مسجد الرفاعى من زاوية صغيرة لمقبرة للملوك والأمراء شيد مسجد الرفاعى على أرض مسجد آخر كان يسمى "الذخيرة" بنى فى العصر الأيوبى، فى مقابل شبابيك مدرسة السلطان حسن، وكانت بجواره زاوية عرفت بـ"الزاوية البيضاء أو زاوية الرفاعى"، وضمت قبور عدد من المشايخ، من بينهم على أبو شباك ويحيى الأنصارى وحسن الشيخونى، وعرف بهذا الاسم نسبة للشيخ أحمد الرفاعى شيخ الطريقة الرفاعية الصوفية، وعلى الرغم من أنه لم يدفن بالمسجد إلا أن تلك التسمية لازمته عبر التاريخ، بل وتحول إلى مقبرة للعديد من بناء أسرة محمد على، حيث يوجد بداخله قبر الملك فاروق الأول، والخديوى إسماعيل ووالدته، بالإضافة إلى شاه إيران رضا بهلوى، والذى كان متزوجاً من الأميرة فوزية، شقيقة الملك فاروق، وطلقت منه فى منتصف الأربعينيات، وعقب اندلاع الثورة الإسلامية فى إيران عام 1979 ونفيه لم يجد من يسقبله إلا السادات الذى أمر بدفنه بالمسجد. خوشيار هانم تقرر تحويل المسجد إلى مقبرة لأسرة محمد على يحوى مسجد الرفاعى بين جدرانه العديد من التفاصيل الزخرفية الدقيقة على الحوائط والأعمدة، حيث استمر بناؤه حوالى 40 عاماً، وتم استيراد مواد البناء خصيصاً من أوروبا، بعدما كلفت خوشيار هانم، والدة الخديوى إسماعيل، أحد أكبر المهندسين فى مصر فى ذلك الوقت ويدعى "حسين فهمى باشا" بتصميم المسجد ليشبه فى عمارته الفخمة وارتفاعه الضخم المبانى الأوروبية، حيث تم بناء المداخل الشاهقة بالأعمدة الحجرية والرخام بتيجانها العربية وتغطية المداخل بالقباب والسقوف البديعة، وتحيط بجدرانه بخاريات مذهبة منقوشة، كما تتدلى من السقف ثريات نحاسية ومشكاوات زجاجية. تبلغ مساحة المسجد من الداخل 6500 متر مربع، منها 1767 متراً للصلاة، وباقى مساحته للمدفن خصصت مدفنا لأسرة محمد على، ويقع الباب الرئيسى للمسجد فى الجهة الغربية ومنه إلى حجرة تعلوها قبة زواياها خشبية محلاة بالذهب، ويخرج من أحد جدرانها باب يؤدى إلى حجرة مدفون فيها الشيخ على أبى شباك، وحجرة ضريح الشيخ على الأنصارى، بينما يقع محراب المسجد وسط الجدار الشرقى، وهو مكسوّ بالرخام الملون بجواره المنبر المصنوع من الخشب المطعم بالعاج والأبنوس. يوجد للمسجد ستة أبواب، أربعة منها تؤدى إلى غرف مقابر أمراء وملوك الأسرة العلوية، بينما يوصل اثنان إلى رحبتين بين تلك المدافن، أولى هذه الغرف بالجهة الشرقية وبها أربعة قبور لأبناء الخديوى إسماعيل، وحيدة هانم المتوفية عام 1858، وزينب هانم 1875، وعلى جمال الدين 1893 وإبراهيم حلمى 1926، وتعلوها قبة منقوسة بالآيات القرآنية، أما القبة الثانية فبها قبران، أحدهما لخوشيار هانم، والآخر هو قبر الخديوى إسماعيل. مقابر العائلة الملكية بمسجد الرفاعى وتضم القبة الثالثة قبور زوجات إسماعيل، شهرت فزا هانم 1895، وجانانيار هانم 1912 وجشم آفت هانم 1907، وتتصل بهذه القبة حجرة داخلها قبر السلطان حسين كامل بن إسماعيل، الذى تولى حكم مصر عام 1914 وتوفى عام 1917 ليخلفه أخوه الملك فؤاد، بالإضافة إلى قبر آخر شاه إيرانى هو محمد رضا بهلوى، وبجوارها من ناحية اليمين تقع غرفة مقبرة الملك فؤاد، بجدرانها المكسية بألواح الرخام الملون. الصلبان تعانق آيات القرآن داخل مسجد الرفاعى أما عن أبرز اللقطات التى تثير دهشة المواطنين فهى مشهد الصلبان التى تزين واجهة المسجد وأسفلها النقوش القرانية، فى مشهد يؤكد روح التسامح الدينى السائدة فى ذلك العصر، ويرجعها البعض إلى أن مهندساً نمساوياً يدعى "ماكس هرتز" باشا ومساعده الإيطالى "كارلو فيرجيليو سيلفاينى"، واللذين أشرفا على أعمال البناء، أرادا تصميمه على الطراز المملوكى الأوروبى الممزوج بالتسامح الدينى، فوضعا الصلبان وأسفلها الآيات القرآنية فى لوحة فنية تخطف أعين الناظرين على مر العصور. قبر شقيقة ديليسبس بجوار أضرحة الأميرات مشهد آخر يؤكد التسامح الدينى فى ذلك العصر، وهو وجود ضريح جنانيار هانم، شقيقة فيردناند ديلسبس مهندس قناة السويس، والتى تزوجها الخديوى إسماعيل، والذى يعلوه صليب وتحته آيات قرانية، ولم يحدد المؤرخون إن كانت جنانيار قد أسلمت قبل وفاتها أم لا، وتم دفنها بجوار أضرحة المسلمين متمثلين فى العائلة الملكية بالناحية الأخرى من المسجد.














الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;