خاض كمال أبوعيطة رحلة نضالية كبيرة، حيث انتقل من النضال العمالى ودوره كـ«هتيف الثورة» أو «مؤذنها»، وهو «اللقب الذى اشتهر به» إلى كرسى وزارة القوى العاملة، ليكون بذلك أحد القلائل الذين خاضوا تجربة «المناضل السياسى» و«المعارض الشرس»، الذى قاد الهتاف على سلالم نقابة الصحفيين ضد مبارك وفى ميدان التحرير وباقى ميادين التحرير، وتوجه بعد ذلك إلى مقر مجلس الوزراء كمسؤول عن واحدة من أهم الوزارات، وهى وزارة القوى العاملة، لذا كان ضروريًا أن نستمع لتجربته، والعديد من آرائه فى المرحلة الحالية فى هذا الحوار الذى فتح فيه خزينة أسراره، وكشف العديد من الكواليس عن الفترة التى تولى فيها الوزارة والتى سبقتها وتلتها..
فى البداية، كيف نظرت إلى الاتهامات التى لاحقت ذمتك المالية مؤخرا؟
- أرفض الحديث هذا الموضوع، لأن مفيش حاجة ولا توجد قضية من الأساس، وأتحدى أن يقدم لى أحد دليلا أننى تقاضيت مليما واحدا بدون وجه حق طوال حياتى الوظيفية.
هل وراء إثارة هذه القضية ظلال سياسية؟
- إثارة هذه القضية مرتبطة بحديثى عن قائمة «فى حب مصر»، عندما أسميتها فى أحد اللقاءات الإعلامية بـ«فى حب بعض»، وعندما أكدت أن هناك إرادة عليا فى هذا البلد تمنع تشغيل المصانع المعطلة، وأنا مستعد للمساءلة عن هذا الكلام.
ووراءه أيضا أننى علمت أن أمين عام مجلس الوزراء وزع خطابا على الوزارات يتضمن تعليمات بعدم التعامل مع النقابات المستقلة التى وصفها فى خطابه بـ«الإثارية»، بالإضافة إلى دعوى مرفوعة من نقابة غير شرعية تطالب بحل نقابة الضرائب العقارية المستقلة التى أشغل أنا الآن منصب مستشارها بدون أجر.
لو تحدثنا عن المشهد السياسى الراهن، أين قوى 30 يونيو الآن؟
- متفرقة ويعادى بعضها البعض.
كيف حدث ذلك؟
- هناك من يدبر لتجفيف منابع السياسة فى مصر، وكل أدواتها، إلى جانب أن هناك أداء سياسيا منحطا يشجع هذا المخطط، ولا أستثنى أحدا من هذا الانحطاط قياسا بالمشاكل التى تمر بها البلاد، ولا أعفى نفسى ولا من أمثل، بل أنا جزء من هذا الأداء المنحط.
هناك من يرى أن مصر تحتاج الآن لإعادة بناء، وهذا أمر ربما يتعارض مع كثافة النشاط السياسى.. ما رأيك؟
- إذا غابت السياسة حل الإرهاب والعنف.
هل تعتقد أن جهة ما فى الدولة لها علاقة بمخطط تجفيف السياسة؟
- نعم ولو علمت هذا الجهاز، لوقفت أمامه «وحدفته بالطوب لكن أنا معرفوش».
أنت كنت وزيرا فى هذه الدولة.. كيف لا تعلم؟
- هذه أمور غير مرئية للناس، وأقسم بالله أننى خلال أداء 300 ساعة عمل مع الرئيس عبدالفتاح السيسى أحبه وأحترمه وبيننا «عيش وملح».
ألم يمكنك «العيش والملح» بأن تتواصل مع أجهزة الدولة لتعرف حقيقة الأمر؟
- كنت سأفعل ذلك لو كان الأمر خاصا بكمال أبوعيطة لكن هذه سياسة عامة.
ألم تفكر فى التواصل مع الرئيس بعد هذه الاتهامات؟
- أنا عاتب على الرئيس.. أقسم بالله نظام مبارك حاول أن يدبر لى أى فضيحة ولم يستطع، لكن مع الأسف هذا حدث فى عهد الرئيس السيسى، وأقول له إن هناك من يحاول أن يدفعنى لأن أكون ضدك ويحولوك أمامى إلى مبارك جديد، وهذا لا يحدث معى فقط، وإنما مع الـ6 ملايين موظف الذين تضرروا من قانون الخدمة المدنية وآخرين، هناك خطة ليخسر الرئيس أنصاره وتحويل بعض أنصاره إلى أعداء، وأمامنا حالة خالد يوسف الذى كان فى المطبخ الانتخابى لحملة الرئيس عبدالفتاح السيسى وعمرو الشوبكى الذى كان واحدا من أقرب السياسيين فى مصر للرئيس.
بذكرك لغضب الـ6 ملايين موظف من قانون الخدمة المدنية.. رئيس الجمهورية عاتب على البرلمان، بسبب رفضه، ما تعليقك؟
- أولا صلاحيات رئيس الجمهورية فى الدستور ربطت دوره التشريعى بحالة الضرورة، وهو أمر لم يكن متوفرا فى قانون الخدمة المدنية، ثانيا أتحدى أن يكون هناك نص واحد فى هذا القانون يحل مشاكل الخدمة المدنية.
وعندما تناقشت مع الدكتور أشرف العربى وزير التخطيط بعد إقراره قلت له إن هذا القانون يجرد الرئيس من 6 ملايين موظف ويحولهم إلى التصويت العقابى فى انتخابات مجلس النواب ضد الدولة والنظام فقال لى: «أنا مش سياسى»، وللعلم «العربى» هو من أفضل الوزراء فى الوزارة الحالية.
ثالثا: إذا كان هناك أمارة بالنسبة لى كمواطن مصرى على أن هناك برلمانا، فإنها رفض هذا القانون، وأرجو ألا يتصور أحد أن رفض القانون هو رفض للرئيس، وأقترح تشكيل مجلس للحوار الاجتماعى، يضم أطراف العلاقة، ويشمل ممثلين عن العاملين الخاضعين للقانون والحكومة ونواب البرلمان والوعاء الذى يتم فيه هذا التشكيل وهو لجنة القوى العاملة بالبرلمان، ولو حسنت النوايا فإن مناقشة هذا القانون وإصداره لن تستغرق شهرا واحدا.
هل تقطعت السبل بين نخبة 30 يونيو والرئيس السيسى؟
- أتيحت لى الفرصة أن ألتقى بعض الذين قابلوا الرئيس مبارك، بعد توليه السلطة مباشرة، وعلمت أنه شكا لخالد محيى الدين من أن المحيطين به يمنعونه حتى من الوقوف أمام النافذة بحجة تأمينه، وأعتقد أن هناك الآن من يريد أن ينفرد بعقل وقلب وأذن الرئيس السيسى، وهذه الجهة هى نفس أدوات الدولة القديمة التى أسقط الشعب المصرى رأسها.
هناك من يقول إن الوزراء الذين شاركوا فى الحكومة من أحزاب التيار الديمقراطى تم استخدامهم لتزيين السلطة، وبعدها تم التخلص منهم؟
- أنا لست منديل كلينكس، أنا رجل صاحب مبدأ، وسأظل أدافع عنه حتى أموت، لكن وجهة النظر هذه موجودة فى الواقع، والكثير يرددها وتكاد تكون صحيحة.
هل ترى أن هناك تدخلات أمنية فى الحياة السياسية فى مصر؟
- أنت بتسألنى أنا.. أنا تركت المطبخ منذ 28 فبراير 2014.. الذين فى المطبخ الآن قالوا ذلك واسأل مصطفى بكرى.
ألم تشعر أن خروجك من الوزارة كان مقصودا؟
- كان مقصودًا لكن «على قلبى زى العسل»، وبالمناسبة أنا طلبت إعفائى من الاستمرار فى الوزارة، بعد إقرار الحد الأدنى للأجور لأنى كنت دخلت الوزارة ببرنامج من 5 نقاط، تحقق منها هذه النقطة فقط، فقلت لهم «امشى بكرامتى»، وعندما تم الإعلان عن استقالة الحكومة صفقت فرحا بالقرار وبعض الوزراء نظروا لى شذرا.
كان لديك إذن معرفة بأن حكومة الببلاوى ستستقيل قبل الإعلان عن الاستقالة؟
- لا على الإطلاق ولم يكن هناك أى مقدمات لهذه الخطوة، لكن هذه الخطوة كانت جزءا من مخطط تجفيف السياسة فى البلد.
كم مرة عرض عليك تولى الوزارة؟
- 3 مرات.. الأولى كانت فى حكومة الفريق شفيق لكنى اعتذرت وقلت له اننى اهتف ضدك فى الميدان، ولا يمكن أن أعمل معك، والمرة الثانية تم طرح اسمى فى حكومة عصام شرف وقلت إننى ليس لدى استعداد، والمرة الثالثة بعد 30 يونيو وقبلتها بمنطق عدم الهروب أثناء الحرب التى أرى أنها لم تنته حتى الآن.
من خلال تجربتك كوزير ومناضل، أيهما أسهل؟
- الوزارة أثبتت لى أن «اللى عالبر عوام» لكنى أتحدى إن كنت قلت لفظا داخل مجلس الوزراء يتناقض مع ما هتفت به على الأرصفة والشوارع والسجون.
لكن موقفك من الإضرابات العمالية تغير.. أليس كذلك؟
- وهل كنت تريد منى وأنا وزيرا أن أخرج وأقول للناس نظموا إضرابات فى وقت كان هناك انقسام إقليمى ومحلى ودولى على ما حدث فى 30 يونيو، لكن مع ذلك تعاملت مع عدد كبير من الإضرابات، وتمكنت من حل مشاكل المضربين.
كنت حاضرًا الملابسات التى صاحبت إقرار قانون التظاهر، اروِ لنا تفاصيلها؟
- قانون التظاهر جاء إلى مجلس الوزراء من المجلس القومى لحقوق الإنسان متوازنا، لكن أحد السادة الوزراء أثناء اجتماع مجلس الوزراء وقف وقال: «يا جماعة ميصحش نتعب وزير الداخلية ونخليه يروح كل شوية للمحكمة عشان يعترض على مظاهرة»، حيث كان القانون ينص على أن الداخلية لها حق الاعتراض على المظاهرة من خلال اللجوء للقضاء، لكن هذا الوزير اقترح لمجاملة وزير الداخلية أن يكون طالب التظاهر هو الذى يلجأ للمحكمة وليس وزير الداخلية، وبالتأكيد صاحب هذا الاقتراح كان يعلم أن وزير الداخلية لا يذهب إلى المحكمة، وإنما هيئة قضايا الدولة هى التى تتولى هذا الأمر، لكن عندما قال الوزير هذا الكلام، أحرج كثيرا من الوزراء المتواجدين فى الاجتماع، لاسيما المعترضين على القانون، ومع ذلك أنا شخصيا قلت وكلامى مسجل فى مضبطة مجلس الوزراء أن هذه البيئة ليست طبيعية لمناقشة هذا القانون، وطلبت إعادته للحوار المجتمعى، وأكدت أن هذا القانون لن يمنع مظاهرات الإخوان المسلحة، وأن هناك نصوصا صريحة فى قانون العقوبات لمواجهة هذه المظاهرات، بل وقلت لهم إنكم لابد أن تتذكروا أن المظاهرات التى تسعون لتجريمها الآن هى التى أتت بكم إلى مناصبكم.
هذه الوزارة كانت تضم حوالى 4 وزراء من رموز التيار الديمقراطى فى مصر، فكيف تكون هى الوزارة التى تمرر قانون التظاهر؟
- 4 وزراء من إجمالى 36 وزيرا «يعملوا إيه؟»، وعلى أى حال أنا لست مخولا بالحديث عن أسماء الوزراء المعترضين أو المؤيدين لقانون التظاهر لكنى أحدثك عن موقفى الشخصى وما قلته وقتها، ومازال مسجلا فى المضابط الرسمية لمجلس الوزراء.
لماذا لم تستقل من الوزارة كما فعل الدكتور زياد بهاء الدين اعتراضا على قانون التظاهر؟
- لأن أهم أولوياتى هى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للشعب، لكن غيرى كان يرى أن الحقوق السياسية والديمقراطية هى الأهم.
هل ترى أن هناك فرصة الآن لتعديل قانون التظاهر؟
- هناك فرصة ذهبية لتعديل القانون من أجل أن يلتئم حلف 30 يونيو الذى تفرق، وكان هذا القانون هو أحد الأسباب الرئيسية فى ذلك.
انتقاداتك للسلطة بعد خروجك من الوزارة عرضتك لاتهامات من نوعية أنك تريد تبرئة ساحتك.. ما ردك؟
- أنا مش البرادعى عشان أنط من المركب.. ولمن لا يعلم أنا أعتبر نفسى واحدا من الذين شاركوا فى المجىء بهذا النظام وأؤيده تماما.
لماذا تهاجم البرادعى؟
- لن أقول إنه خاين أو عميل، وهذا الكلام الفاضى، لكن أقول إن البرادعى كان ضيفا على الثورة، وليس منا ويفكر بالإنجليزية، ووجهة نظرى فيه تكونت منذ اللحظة الأولى لكن بعض السذج يعتبرونه أيقونة الثورة.
كيف استقبلت الهجوم الذى تعرضت له بسبب مشاركتك فى زيارة الرئيس إلى نيويورك؟
- تعرضت لهجوم شديد من الشباب، لكن أقسم بالله أنى ذهبت من أجل مصر وليس عبدالفتاح السيسى، وفى البداية عندما عرض علىَّ أحد الأصدقاء المشاركة فى الزيارة، كنت مترددا ورفضت، لكن عندما علمت بخبر الاعتداء على الوفد الإعلامى المصاحب للرئيس من الإخوان صممت على الذهاب استنادًا إلى أننى بحكم مشاركتى فى العمل النقابى لدى علاقات طيبة بجميع النقابات فى العالم ماعدا الكيان الصهيونى، ولدى علاقات وصداقات مع الاتحاد الأمريكى، بالإضافة إلى أنى أثناء عملى فى الوزارة أتيحت لى فرصة الاتصال بالجاليات المصرية فى كل أنحاء العالم، وكنت رأيت أن هناك حاجة لأن تستفيد مصر من جهود أبنائها فى الخارج، خاصة أنه لم يكن لنا أى ذراع إعلامية فى الخارج، وعندما كنا نسأل فى مجلس الوزراء عن رئيس هيئة الاستعلامات خلال الـ3 أشهر التى أعقبت 30 يونيو، وكانت مصر خلالها فى أمس الحاجة لأن يكون لها صوت فى الخارج يواجه تحركات الإخوان، كان يأتى الرد بأنه ينهى إجراءات وأوراق انتقاله و«عزاله» من منصب السفير الذى كان يشغله لمنصب الوزير.
ما دوافع مشاركتك وقتها، خاصة أنك كنت خرجت من الوزارة؟
- كان فى ذهنى مشهد الرئيس مبارك عندما كان يذهب لأمريكا وتقذفه الجماهير بالبيض والطماطم، فيضطر لأن يوافق على أى شىء يطلبه منه الرئيس الأمريكى، فلم أرد لرئيس الجمهورية الذى جاء بعد ثورة شاركت فيها أن يتعرض لمثل هذا الابتزاز.
لماذا لم تشارك بعدها فى زيارة الرئيس لألمانيا ؟
- طلب منى أن أشارك فى زيارة ألمانيا لكنى رفضت لأن البرلمان الألمانى رفض لقاء الرئيس المصرى، وما علمه أن البرلمان فى هذه البلاد أعلى من رئيس الجمهورية والحكومة، وبالتالى فإن الكرامة الوطنية التى هى أحد أهداف الثورة المصرية تمنعنى كمواطن مصرى من الذهاب إلى ألمانيا، وطلبت إبلاغ رئيس الجمهورية بأن هذه الزيارة خاطئة، وأنه يجب أن يرفض الذهاب إلى هناك حتى يرد لهم الصاع صاعين.
هل سبب لك ترشح حمدين صباحى لرئاسة الجمهورية فى مواجهة الرئيس السيسى أى حرج؟
- ذهبت إلى حمدين صباحى الذى تربطنى به علاقة إنسانية ووطنية منذ أن كنا «عيال»، فى منزله، وبصحبتى أسرتى، وطلبت منه عدم الترشح للرئاسة، وهذا ليس تقليلا من شأنه أو أنه لا يصلح أو هذا الكلام، لكن كان هناك رأى عام عند جموع المصريين لأن يكون السيسى، الرئيس، وأنا وحمدين وجيلنا بشكل عام لم نتدرب على مواجهة الشعب وقلت له هذا الكلام، وعندما قيل لى إن حمدين نزل الانتخابات الرئاسية حتى لا تصبح استفتاء، قلت حد تانى يعملها غير حمدين، لأن قدره عندى أعلى من أن يكون محللا.
وماذا كان رد حمدين؟
- كان مؤيدا لكلامى لكنه استجاب لشباب الحركة، وأنا أرى أن هذا القرار كان خاطئا، ومكن أصحاب مخطط تجفيف السياسة من إحراز انتصار.