"شعور بالانجذاب والإعجاب نحو شخص ما، أو شىء ما، وقد ينظر إليه على أنه كيمياء متبادلة بين اثنين، هكذا تُعرِّف القواميس كلمة "الحب"، السر الأعظم فى حياة البشر، والتى تتكون من حرفين فحسب، ولكنهما الحرفان اللذان حيرا البشرية كلها، ولم يتفق اثنان فى العالم على المعنى الحقيقى له حتى لو كان هذان الاثنان نفسهما تربطهما علاقة حب واحدة.
هذه الكلمة التى حين تقولها أمام 10 أشخاص مختلفين ستجد أن لكل منهم تصورًا مختلفًا عما يعتبره حبًا، لا يمكنك أبدًا أن تثبت أن أحدهم خطأ لأنه كما قال "أبو فراس الحمدانى" - الشاعر العباسى الشهير- "للنّاسِ فِيمَا يَعْشَقُونَ مَذَاهِبُ".
فتلك الفتاة العشرينية ترى أن الحب مرادفًا للزواج، وأن الزواج هو أقصى درجات الحب، والنتيجة الحتمية له والمرحلة النهائية له، أما ذلك الشاب اليسارى فيرى أن الحب الحقيقى هو ذلك الذى لا يعبأ بقوانين المجتمع ويتحداها ويستمر عكس التيار، ولا يشترط أن ينتهى بالزواج ولا ينبغى من الأساس أن ينتهى كذلك، أما ذلك الصبى فى الخامسة عشرة من عمره ، فهو متأكد تمامًا أن الحب هو ذلك الاضطراب الذى يصيبه حين تلتفت البنت فى "الديسك" الرابع التى يسترق إليها النظر طوال الوقت ويستعد لأن يدخل فى معركة مع أشرس صبية الفصل فقط إذا شعر أنه ضايقها.
ورغم أن الحب شعور فريد لا يمكن أن يتكرر لدى اثنان بالشكل نفسه، إلا أن هناك ما يشبه بمدارس الحب أو "كتالوج الحب" والسلوكيات التى يتفق البعض على أنها تمثل الحب، وكما قال "د.أحمد خالد توفيق" "ليتنا أنا وأنت جئنا العالم قبل اختراع التليفزيون والسينما لنعرف هل هذا حب حقًا أم أننا نتقمص ما نراه؟".
هذا التقمص ومدارس الحب وكتالوجاته فى وقتنا هذا كان نتيجتها العديد من أشكال الحب التى تختلف باختلاف توجهات من يعيشا قصة الحب نفسها، أو المعتقدات التى يتصوران أنهما يتبعانها، فكانت النتيجة مدارس متعددة للحب، بين "الرومانسية الإسلامية" و"الحب الحلال" و"الحب اليسارى" و"حب المثقفين" والذى يختلف بالطبع كثيرًا عن "الحب على الطريقة الشعبية" وكذلك "حب الطلبة" أو حب المراهقين.
حب المراهقة.. من "بنت الجيران" "لمى فى تالتة تالت"
الحب الأول الذى ربما يبدأ من الطفولة أو على عتبات سنوات الشباب، بذلك الإعجاب الساذج ببنت الجيران فقط لأنها كانت توافق على اللعب معك بينما يتجنبك آخرون، أو لأنها ربتت عليك ذات مساء حين انجرحت ركبتك أثناء اللعب، أو ربما يحدث فقط لمجرد أنها أول فتاة من الجنس الآخر تقع عيناك عليها.
الحب الذى لا يحمل ذرة تفكير ولا حسابات أو تخطيط للمستقبل، ويحمل الصورة المثالية لدينا عن الحب، بمعانيه الأفلاطونية التى تمتزج حين نكبر قليلاً بما ندرسه من أشعار عنترة لحبيبته التى يذكرها "والرماح نواهل".
حب الثانوى الذى يمتزج باضطراب الهرمونات فى جسدك ومعنى الرجولة أو الأنوثة الذى لا يكتمل من دون أن تعيش قصة حب ملتهبة تشبه تلك التى نلاحظ أعراضها فى الأغنيات الرومانسية التى ترسم لنا بدون وعى، صورة "الحب الحقيقى" وأنه "بيعيش يا حبيبى ويعلمنا نسامح، وينسينا امبارح، بيعلمنا نفكر دايمًا فى أيامنا اللى جاية". ويظن الشاب وقتها أن الحب هو تلك الرسائل المغرقة فى الرومانسية التى يرسلها لحبيبته، والأغنيات التى يهديها لها ، وحديثهما لساعات على الهاتف والخلاف لساعات حول أسماء أطفالهما فى المستقبل.
أما الفتاة فتظن أن غيرته من نظرة سائق الميكروباص لها، وتحكماته فى اختيارها لملابسها وغضبه المتكرر من "زرار بلوزة المدرسة اللى فوق" هو أصدق علامات الحب.
ومع الوقت وسطوة "السوشيال ميديا" تطورت علامات الحب لدى المراهقين إلى معدل "اللايك" المتبادل بينهما، وطول المحادثات على "واتساب" و"فيسبوك ماسنجر" فضلاً عن تعليقاته وتحكماته بخصوص الصور التى تنشرها فتاته عبر "انستجرام" و"فيسبوك".
تطور الحب "بلا ولا شيء" من الحب اليسارى للحب الشمال
"الحب اليسارى" مرتبط منذ زمن بالنشطاء السياسيين، وأطلق عليه هذا الاسم لأنه من المفترض أن طرفاه يؤمنان بالأفكار اليسارية والأفكار المتحررة على الصعيد السياسى والاجتماعى وكذلك العاطفى وينظران للحب على أنه الميدان الأوسع لتحدى المجتمع والثورة على قوانينه، سواء كانت القوانين التى تحكم العلاقة بينهما وحدودها باسم الأخلاق، أو القوانين الاجتماعية التى تتحكم فى كيفية وشروط ارتباطهما ببعض وزواجهما حين يفكران فى ذلك.
وغالبًا ما تولد قصص "الحب اليسارى" خلال أحد الأنشطة السياسية، فيبدأ بإعجاب الفتاة بجرأته وآرائه السياسية الحصيفة، ويعجب هو بتلك الفتاة غير التقليدية التى تهتم بالسياسة فى حين تهتم قريناتها بصيد "عريس الغفلة".
أما الأماكن التى تشهد على قصص الحب المشابهة فغالبًا ما تكون مقرات الاجتماعات الحزبية أو مقاهى منطقة وسط البلد.
وكغيره من أشكال الحب، لم يسلم مفهوم الحب اليسارى من التغير والتطور، فبعدما كان يرمز للحب الأسطورى الخالص بلا مقابل ولا اعتبار للماديات ، والثورة والتمرد على قوانين المجتمع، تطور هذا المفهوم لدى الكثيرين الآن إلى الحب بلا التزامات ولا نية للالتزام، مع إزالة الحدود بين الرجل والمرأة، دون اعتراف بالزواج ليصبح أشبه بحيلة على الالتزام فى المثالية للتمتع بعلاقة الحب دون الالتزام بها، وتعقيدات "المجتمع العفن" والقيود والشروط الاجتماعية التى تحتاج لنسف والسياسات الفاسدة التى يجب استئصالها كى يكتب لهذا الحب الاستمرار.
"الحب العميق".. "جميلة أنتِ كهدف فى الدقيقة التسعين"
"أمل دنقل وعبلة الروينى" "غادة السمان وغسان كنفانى" "مى زيادة وجبران خليل جبران" على مدار سنوات طويلة عرفنا الكثير من الثنائيات فى عالم الأدب الذين كانت قصص حبهم مصدرًا لإلهام المئات وخلفت تراثًا أدبيًا بديعًا لا نزال نقرأه حتى الآن، ونستمتع به ونتعلم منه الحب ومروا خلالها بمصاعب كبيرة كانت تختبر فى كل مرة صلابة حبهم، ولم يتوج أغلبها بالزواج إلا أن الحب عاش حتى الآن وشهدت عليه كتاباتهم.
وفى الوقت الحالى نسمع أيضًا ونتابع قصص الثنائيات فى عالم الثقافة، بكثافة أكثر وعمق أقل كثيرًا، بعد أن انتقلت ساحاتها من الكتب والخطابات إلى عالم "السوشيال ميديا".
وأصبحنا الآن نرى نوعًا آخر من "الحب العميق" الذى استبدلت فيه الخطابات بـ"بوستات" فيسبوك، أو التدوينات، التى لا تخلو من كلام رومانسى "يبدو عميقًا" ، يكسب العاشقان شهرة على مواقع التواصل سرعان ما يتم ترجمتها إلى كتاب يجمع "البوستات الرومانسية العميقة" يصدر فى معرض الكتاب ويظهر فيه "الكابل" الرومانسى لالتقاط الصور مع معجبيهم وكتبهم وقد يتطور الأمر إلى عرض زواج خلال معرض الكتاب.
وباتت أبرز علامات الحب بين المثقفين هو أن يتبادلا كتابة النصوص الرومانسية، فضلاً عن أن يتصدر اسمه / اسمها إهداء الكتاب الجديد ، أو يتشاركان الذوق نفسه فى الأغنيات "العميقة" والقراءات ، وتجمعهما الندوات والأمسيات الشعرية أو المنتديات الأدبية.
"الحب الحلال".. آخر تطورات "الرومانسية الإسلامية"
فى مواجهة "الحب اليسارى" و"حب المثقفين" ومع ازدياد سطوة "السوشيال ميديا" وانتشارها، ظهرت موجة "الحب الحلال" مع محاولات التيارات السياسية الإسلامية لاكتساب شعبية بين الشباب، مع الترويج لفكرة أن الانضمام إلى هذه التيارات واعتناق أفكارها لا يعنى بالضرورة الحرمان من الحب وأن يعيش الشباب "الحياة الطبيعية" مثل غيرهم من الشباب.
وجاءت ظاهرة "الحب الحلال" لتحتل المنطقة الوسطى بين "تحريم الحب والاختلاط بين الشباب والبنات" وإغراءات "الحب اليسارى" الذى لا يعترف بالحدود ولا القوانين.
"الحب الحلال" بصورته التى ظهرت مؤخرًا يمنحك الفرصة لأن تقول كل ما تتمناه عن الحب والرومانسية وتصوراتك عن الحياة مع شريك حياتك بما فى ذلك نيتك أن "تسبح على يد المحبوب"، ولكن بشرط أن يتصدر ذلك تنويهًا بالخط العريض عن أن هذا "حب حلال" للزوج المستقبلى أو زوجة المستقبل ، ويذيل بهاشتاج يؤكد "أن الحلال أجمل".
أما عن علامات الحب الحقيقى فى قصص "الحب الحلال" فهى تتنوع بين أن "يعاقب الشاب الفتاة على تقصيرها فى الصلاة بعدم الرد على اتصالاتها" أو أن توقظ الفتاة الشاب فى موعد صلاة الفجر كل يوم ، وبعد الزواج يسبح الزوج على يديها أو يحملها على يديه فى طريقهما للمسجد لصلاة الفجر جماعة ودائمًا ما يرافق هذه القصص صورًا عالية الدقة لشاب وسيم ملتحى يحتضن فتاة جميلة محجبة مع تعليق بأن "الحب الحلال هو حب الروح".
الحب على الطريقة الشعبية..الورد ما بيتاكلش يا يسرية
تغير طفيف طرأ مؤخرًا على الحب كما يعرفه البسطاء دون رتوش أو مصطلحات ، ودون حتى أن يعرفوا أن هذا هو الحب.
فعلى غرار المشهد الشهير فى فيلم "أحلى الأوقات" ، الحب على الطريقة الشعبية هو تمامًا ما يعرفه "إبراهيم" الذى لعب دوره الفنان الراحل "خالد صالح" فى الفيلم ، وهو حب الموظف البسيط الذى يعبر عن امتنانه لزوجته ورغبته فى إسعاده بشراء "نص كباب" يريحها من عناء إعداد الطعام فى هذا اليوم ويسعدها بـ"أكلة حلوة".
الحب على الطريقة الشعبية هو ما يظهر فى اهتمام الرجل بأن يتقدم زوجته فى الطريق المزدحمة ليضمن أن الطريق آمن لها، ولا يترك لها الكرسى الخالى الوحيد فى الأتوبيس المزدحم ليتأكد من أمانها وراحتها، فى المقابل تعبر هى عن حبها بالاهتمام بطهى الطبخة التى يحبها، والتنازل له عن "ورك الفرخة" القطعة الذهبية فيها الأشهى طعمًا والتى لا تقبل أبدًا أن يتناولها غيره، وأن تشترى قميصًا جديدًا باللون الذى يحبه تمامًا كى تسعده.