تمتلئ مصر بالعديد من القصور بديعة الروعة والجمال، خلفها عصر العائلة العلوية التى حكمت مصر فى الفترة ما بين عامى 1805 إلى 1952بعد قيام ثورة يوليو، اتخذت بعضها قصوراً رئاسية المعروف منها قصر عابدين، قصر الاتحادية، قصر القبة، قصر الطاهرة وغيرها، أما باقى القصور الملكية فى مصر أصابتها اللعنة ونالت "جزاء سنمار" وتضمنها قرار المنفعة العامة، فتحولت القصور إلى وزارات وجامعات ومدارس مما أدى إلى سرقة مقتنياتها والتعدى عليها وتغير معالمها وانهيار بعضها، رغم أنها مسجلة كأثر داخل وزارة الآثار المصرية .
- قصر "محمد على" بشبرا
ومن القصور التى أصابتها اللعنة قصر "محمد على" بشبرا الذى يبلغ من العمر 119 عاماً، ويقع على قمة قائمة القصور الخلابة والفاتنة التى تشكل تاريخا وجغرافيا يتحدثان عن عظمة المعمار الهندسى فى تلك الفترة، إلا أنه أصابه الإهمال بفعل الفساد، تبلغ مساحة القصر 50 فداناً، أنشئ على الطراز الرومى عام 1827، على ضفاف النيل، ضم فى بداية نشأته 13 مبنى منها قصور ومبانى خدمية وأبراج ساقية ومبانى الخدم والحراسة، بالإضافة إلى مبانى وحدات توليد غاز "الاستصباح" الذى تعتمد عليه نظم الإضاءة الحديثة.
"انفراد" توجه إلى القصر ورصد ما ألم به من إهمال فالسور قديم والبوابات الحديدية مغلقة، ولافتة القصر مكتوبة بالون الأحمر الباهت المشوه، والنباتات والأشجار النادرة بهت لونها من شدة الإهمال، وأوراقها تساقطت ومخلفات أخرى تملأ طرقات الحديقة، وموقف سيارات خارج السور، ومدينة جامعية خارج بوابتها تكتظ بالقمامة، وبوابة أخرى بداخلها أرض جرداء من المفترض أنها جزء من حديقة القصر.
- قصر" بوغوص باشا" فى غمرة
قصر يبلغ عمره 132 عاماً أنشأه "بوغوص نوبار باشا نوبريان" أرمنى الأصل، والده رئيس وزراء مصر الأسبق فى عهد محمد على "نوبار باشا"، صمم القصر على أجمل وأروع الظرز فى عصره واختير مكانه بجوار مستشفى الطائفة الإسرائيلية أن ذاك، والتى تحولت الآن إلى مستشفى "غمرة العسكرى".
يتكون القصر من طابقين يربطهما سُلم رائع الجمال مخصص لأصحاب القصر، أما الخدم فكان لهم مصعد خشبى لتوصيل الطعام للأدوار العليا، كما تجملت حوائطه بزخارف رائعة تم طلائها بماء الذهب، والأخرى منها مكسوة بورق الحائط الملون بأزهى الألوان المبهجة، ضم القصر العديد من التحف والأوانى الذهبية والفضية، أما أسفل القصر فكان به نموذج كامل للكنيسة تحتوى على المذبح والمقاعد اللازمة لتلقى درس الأحد.
مر القصر بثلاث مراحل الأولى كانت أزهى عصوره وهى من بنائه وحتى عام 1952 حين صدر قرار باستغلاله فى المنفعة العامة، حين تحول إلى مدرستين الأولى مدرسة الظاهر الإعدادية بنات والتى استغلت مبنى القصر نفسه، أما مدرسة الظاهر الثانوية بنين أقيمت على المساحة المخصصة لإسطبل الخيول والأرض الملحقة به، ومارس عليه كافة أنواع التعذيب المفرط بيد الإهمال التى لا ترحم، والثالثة بعد زلزال 1992، حيث دمر القصر تماماً وهدم من الداخل وأصبح ساكنيه الحشرات الزواحف السامة، بالإضافة إلى بعض الأساطير التى تدور حول الأشباح التى ترتع فيه يمين ويساراً، وأصبح التعدى يأكل القصر شيئاً فشياً، وما على المسئولين إلا إقامة ملحق لمدرسة الظاهر الإعدادية بنات لنقل الطالبات فيها وعمل سياج حديدى حول القصر لمنع مرور الطالبات تخوفاً من سقوطه فى أى لحظة، هذا فى سكون تام من وزارة الآثار التى يخضع القصر تحت إشرافها بكونه آثراً.
- قصر "عمر طوسون" بروض الفرج
كغيره دخل قصر عمر طوسون تحت طائلة المنفعة العامة بعد ثورة يوليو 1952، فتحول من أحد القصور الملكية الهامة ورائعة التصميم والمقتنيات إلى مدرسة شبرا الثانوية بنات، التى لم تتركه إلا وهو شبح يقف وسط غابة مرعبة، ولم يكتفى الأمر بذلك بل أحيط به 3 مدارس أخرى، وهما مدرسة روض الفرج الثانوية بنات، مدرسة شبرا الثانوية، مدرسة قاسم أمين الإعدادية بنات، ومدرسة حسنى مبارك الثانوية بنات التى استغلت غرف القصر أسوء الاستغلال .
حكومات متتالية لم تقدر قيمة ذلك المبنى الأثرى وأهميته، وتركته عرضه لسرقة الخارجين عن القانون لمقتنياته وسُكنه للثعابين والخفافيش والكلاب الضالة واكتفت فقط بوضع "قفل" حديدى وحارس للبوابة الخارجية ولافته من الورق الكرتونى مكتوب عليها بألون الباهت وخط يصعب قرأته "قصر الأمير عمر طوسون"، يتكون القصر من 3 طوابق الأول هو البهو الرئيسى وعدد من الحجرات التى كانت مجهزة لاستقبال الضيوف، بالإضافة إلى مكتبته الخاصة والتى كانت تحتوى على عدد كبير من الكتب سواء كانت من تأليفه وتأليفه غيره، تعرض القصر إلى الحريق مرتان الأولى فى السبعينيات، حيث شبّ به حريق هائل دمر أجزاء كثيرة منه ونال من غرفة الأمير عمر طوسون وأتى على سقف غرفتين بالكامل وألحق أضرارًا جسيمة به، وقد تم ترميمه ولكن بالشكل سيء وغير لائق، والأخير كان فى مايو 2015 قضى على سبع غرف من القصر الذى شهد على عصر النهضة المصرية وضمت جدرانه صالونات العلم والمعرفة.
- قصر" الجوهرة " بالقلعة
قصر يبلغ عمره 202 عام بناه محمد على باشا ليكون مقصده "جوهرة " قاهرة المعز يقع أعلى قلعة صلاح الدين الأيوبى كان بناؤه بهدف الاستقبالات الرسمية فى عهده، مر القصر بأزمات كثيرة كحرقه أكثر من مرة، ففى سنة 1819 و1923 حرق بسبب مصنع البارود المقام بالقلعة، والثالثة سنة 1972بعد تحويله إلى متحف من أهم المتاحف الإسلامية بارعة الجمال والتصميم والمقتنيات، ومن وقتها وحتى الآن أصبح القصر مرتع للأشباح تنهش فى كل جزء منه، فكم الإهمال الذى ألم بالقصر جعل صرخاته تعلو السماء فى استغاثة لله عز وجل كى ينقذه.
"انفراد توجه" إلى قصر الجوهرة لترصد ما ألم به من إهمال، فى بادئ الأمر الطريق المؤدى للقصر "مهدم" لا يصلح للسير فيه، وبالقرب من بوابته "فسقيه" عبارة عن أربع أسود رخامية من المفترض أن يخرج من فمها المياه ولكن لا يختلفوا عن الأسود الرخامية الأخرى الموجودة على أبوب القصر فجميعهم لا دور لهم، أما السور الحديدى المحاط بالقصر فيملؤه الصدأ، حتى لافتة القصر النحاسية مشوهة، وبعض غرف القصر مهدمة وكأنها شنت عليها غارة لعدو لدود، أما مقتنيات القصر فنقلت لقصور أخرى.
- قصر" السكاكينى" فى غمرة
تحفة نادرة نقلت قصور ألف ليلة وليلة من الخيال إلى الواقع، مركزها وسط القاهرة المحروسة القصر شٌيد على الطراز الإيطالى، يبلغ من العمر 119 عاماً يصرخ منذ وفاة صاحبه حبيب باشا السكاكينى عام 1923، حيث أهدى أحد ورثته وكان يعمل طبيباً القصر إلى وزارة الصحة، وفى 1961 تم نقل متحف التثقيف الصحى من عابدين إلى قصر السكاكينى، وبعدها تم نقل المتحف من القصر وللأسف لم تكن وزارة الصحة هى الجهة المؤهلة للتعامل مع مثل هذا الأثر المهيب لتتركه فريسة الإهمال، حتى أصبح تحت رعاية المجلس الأعلى للآثار دون أى تغيير ملموس.
كلية الآثار: أرض مصر كلها أثرية ما لم يثبت العكس
من جانبه قال دكتور محمد حمزة عميد كلية الآثار جامعة القاهرة، أن هناك ظاهرة عامة للتعدى على الآثار الإسلامية فى مصر، وخاصة قصور بعصر محمد على التى دخلت إلى المنفعة العامة بعد قيام ثورة يوليو، فأصبح بعضها مقر للأحزاب والوزارات والمدارس التعليمة والجامعات، لذلك فقدت القيمة الفنية والمعمارية، فتلاعب العنصر البشرى أضاع قيمة الأثرية للقصور الملكية فى مصر .
وأكد"حمزة" أن أرض مصر كلها أثرية ما لم يثبت العكس، ولذلك يجب الالتفات إلى المشروعات على أنها مشروع قومى مثل قناة السويس، ولابد أن يكون هناك حرم للقصور التى توجد داخل المناطق الشعبية، مع وجود قانون رادع وعقوبات شديدة لكل من يفكر فى التعدى على الأثار، كما يجب تعديل القانون بمنع البناء بجانب القصور الأثرية ومن يتعدى ذلك يطبق عليه القانون، والأهم أيضاً إعداد وزارة الآثار لخطة هدفها إخلاء القصور الملكية ونقل الوزارات والمدارس إلى المدن الجديدة، مع إزالة التعديات وإعادة ترميمها وتأهيلها مرة أخرى، حيث أن العالم بأكمله يتجه حالياً إلى سياحة القصور التى تدر أموال طائلة سواء ملحية أو خارجية .