ألقى البوليس القبض على الضابط أنور السادات فى قضية التجسس لصالح الألمان، فأدى ذلك إلى القبض على الفريق عزيز المصرى باشا رئيس أركان الجيش المصرى السابق، فكيف حدث ذلك؟
وقع الحدث فى عام 1942، وهو «من الأعوام الحاسمة فى الحرب العالمية الثانية»، وفقا للناقد حسين عيد فى كتابه «مذكرات حكمت فهمى- أسرار العلاقة بين السادات والمخابرات الألمانية» عن «دار الحرية- القاهرة»، مشيرا إلى أنه أثناء هذه الحرب حاولت المخابرات الألمانية تجنيد أنصار وجواسيس لها ليساعدوها على هزيمة القوات البريطانية فى الشرق الأوسط، فعملت على اكتساب ثقة التيار الوطنى الثائر، وكان على قمته القائد العسكرى «عزيز المصرى» الذى كان الألمان يلقبونه بـ«الزعيم»، ومجموعة من الضباط كان أبرزهم فى ذلك الوقت «أنور السادات»»، وحدث اتصال بالفعل مع «المصرى»، أدى به إلى أن يقل طائرة مع قائدها ضابط طيار حسين ذو الفقار صبرى والطيار عبدالمنعم عبدالرؤوف يوم 15 مايو 1941 للهروب إلى العراق لمساندة ثورة رشيد عالى الكيلانى ضد الإنجليز، وسقطت الطائرة فى مزرعة موالح قرب قليوب (محافظة القليوبية)، وتم القبض عليه ومحاكمته، وأثناء المحاكمة التى استغرقت 14 شهرا، قرر مصطفى النحاس باشا الإفراج عنه وزميليه الطيارين فورا بمناسبة قيام «الوفد» بتشكيل الحكومة.
خرج «المصرى» من السجن لكن تم القبض عليه مرة أخرى يوم 13 أغسطس (مثل هذا اليوم) من عام 1942، وذلك ضمن أحداث القبض على شبكة جاسوسية جندتها المخابرات الألمانية، وأبطالها الراقصة حكمت فهمى، و«جون أبلر» و«أنور السادات»، ويلقى كتاب «أبوالثائرين- الفريق عزيز المصرى» تأليف «محمد عبدالحميد» عن «كتاب اليوم- أخبار اليوم- القاهرة» الضوء على شخصية أبلر قائلا: «ولد فى ألمانيا عام 1914، ثم سافر إلى القاهرة بصحبة والدته الألمانية، ثم انتقل معها إلى بورسعيد، وهناك تزوجت بالأستاذ صالح جعفر المحامى، وكما أعطى الزوج اسمه لزوجته أعطاه كذلك لابنها الذى أطلق عليه اسم «حسين»، ومن هنا أصبح «جون أبلر» هو حسين صالح جعفر، وتعلم فى العديد من المدارس، وبمضى الوقت أصبح هاويا للجلوس فى البارات والملاهى الليلية، وتعرف على الراقصة حكمت فهمى، وفى إحدى الإجازات التى كان يقضيها فى لبنان، تقابل مع «فراو بولا كوخ» من أخطر الجواسيس الألمان فى الشرق الأوسط، ونجح فى إبراز شخصيته الألمانية وضرورة أن يكون الولاء لألمانيا».
سافر «جعفر» إلى برلين، وتم تدريبه على أعمال الجاسوسية، وجاء إلى مصر، وذهب فى البداية، إلى مقر قيادة روميل فى الصحراء الغربية، ومن هناك دخل القاهرة بعد رحلة غريبة وشاقة خاض خلالها دروب وسهول الصحراء الغربية، ونزل فى فندق شبرد، ثم التقى مرة أخرى مع حكمت فهمى التى كانت تتربع وقتئذ على عرش الرقص الشرقى، وينقل «عيد» عن «بول كارل» فى كتابه «ثعالب الصحراء»: «كانت جميلة جدا، نموذجا للجمال العربى، ذات جسد رائع، وحركات متجانسة، وأعين نجلاء، وملامح مصرية أصيلة، وراقصة ممتازة، ولا يوجد خارج القاهرة مثل هذا القوام، وعندما ترقص يدوى التصفيق كالعاصفة، ويقذفون إليها بباقات الزهور، ويقوم الصبية الصغار بالسير جيئة وذهابا حاملين بطاقات المعجبين الأثرياء إليها، كانت حكمت تنتقل كالملكة، يصحبها بلاطها، وكان معارفها وأصدقاؤها أسطورة».
بعد فترة من نشاط التجسس تم الكشف عن هذه الشبكة، وتم القبض على الراقصة والسادات وآخرين، أما القبض على «عزيز المصرى» فيروى قصته هو لمحمد عبدالحميد قائلا: «السادات ذكر اسمى أكثر من مرة فى التحقيقات، وأفاد فى أقواله بأننى كنت وراء التعارف الذى تم بينه وبين جون أبلر»، ويضيف: «الولد الأسمر أنور السادات زج باسمى لا أعرف عن عمد أو بحسن نية ولقد عاتبته كثيرا عن أقواله لأننى طوال معرفتى به معجبا بشخصيته الثورية، وأيضا بدهاء الثعلب فى حركاته وتصرفاته وهو يتحرك وسط الخلايا الثورية الموجودة فى القاهرة، وأكد لى بعد ذلك: أنه لم يذكر اسمى على أساس اتهامى أو اشتراكى فى أى عمل من أعمال الجاسوسية، إنما جوابه جاء عرضيا عندما نفى أى وجود لى فى أى عملية اتصال مع أبلر خاصة بعد ضبط جهاز الإرسال الذى كان يستخدمه فى إبلاغ المعلومات»، يضيف «المصرى»: «اعترف أننى تضايقت كثيرا بالرغم من هذا التبرير من جانبه، ولكنى ما لبثت أن نسيته تماما، وتكررت اللقاءات مع السادات بين الحين والآخر، وكنت أقول له: يا أنور لن أنسى أنك أبلغت عنى، فكان يضحك وهو يقول:حاول أن تنسى يا باشا، اعتقلوك لأنك زعيم، وترفض الملك والأحزاب والإنجليز، وكنا نتعاطف مع الألمان».