فوجئ اللواء فؤاد علام بدعوة عاجلة من اللواء النبوى إسماعيل لحضور اجتماع «سرى للغاية»، كانت الدعوة يوم 28 أغسطس «مثل هذا اليوم» من عام 1981، وكان النبوى وقتها وزيرا للداخلية، وكان «علام» نائبا لرئيس جهاز أمن الدولة، وكانت مصر وقتها على صفيح ساخن، وحسب فؤاد علام فى مذكراته «الإخوان وأنا» عن «دار أخبار اليوم- القاهرة»: «كل شىء فى مصر ساخن ومتوتر وعنيف، السادات يهدد والنبوى منفعل، والإخوان يتآمرون، والبابا يحرض الأقباط، والأحزاب أكثر غضبا ونقمة، وبدا الأمر وكأن الجميع اتفقوا على تقويض حكم السادات، وامتدت أيديهم جميعا ليشاركوا فى ترتيب «تراجيديا» المنصة «اغتيال السادات يوم 6 أكتوبر 1981» غير أن النبوى إسماعيل ساهم، بغير قصد، فى وضع اللمسات الأخيرة.
يكشف «علام» أنه أدرك مدى سرية وخطورة الاجتماع المدعو إليه بعد أن لمح حجم وحشد قيادات الداخلية الذين التفوا حول قائد الاجتماع، والصرامة والجدية التى اكتسبت بها ملامحهم، وكان أكثرهم صرامة هو النبوى، الذى طرح فكرة اعتقال أكبر عدد ممكن من معارضى حكم السادات، ويؤكد علام: «فهمت منه أن النظام قرر أن يوجه ضربة قاضية فى وقت واحد للشيوعيين والإخوان المسلمين وجماعات الإرهاب ورجال الأحزاب وأساتذة الجامعة والكتاب المعارضين، وتراوح العدد المقترح ما بين 5 آلاف إلى 15 ألف معتقل».
بدا علام، حسب تأكيده، هادئا مما استفز النبوى الذى وجه إليه سؤالا فى سخرية: «ما رأى فيلسوف مباحث أمن الدولة؟»، يعلق علام: «الحقيقة أن ذهنى كان شاردا فى ظروف واجهتها مصر سنة 1965، وكانت صورة طبق الأصل من أحداث 1981، فعندما قمنا فى 65 باعتقال على عشماوى أحد قادة التنظيم السرى للإخوان المسلمين، تحرك الإخوان كالمجانين لدرجة أنهم خططوا لنسف القناطر الخيرية لتغرق الدلتا من أولها إلى آخرها، وتطهر مصر من الذنوب كرد فعل لفرد واحد».
يؤكد علام أنه حاول أن يقنع الحاضرين بخطورة حملة الاعتقالات، وضرب مثلا بعملية عشماوى، وطلب تسجيل أقواله فى الاجتماع طبقا للتقاليد السائدة، ويقول: «شرحت ميكانيزم التنظيمات السرية، بعد اعتقال أحد أو بعض عناصرها، فقد تتصور أنه تم كشف أمرهم، فيلجأون إلى ردود أفعال عنيفة جدا، مثلما خطط الإخوان لإغراق الدلتا لشغل عبدالناصر والنظام فى المأساة وعدم التفرغ لهم، وكان إحساسهم أن هذه هى وسيلة النجاة الوحيدة، وزاد الأمر سوءا فى 1981 لأنه لم تكن لدينا معلومات كاملة عن التنظيمات السرية، بعد أن تعثرت عمليات اختراقها منذ عام 1971، وتفريغ جهاز مباحث أمن الدولة من كثير من قياداته الفعالة والمدربة، وما بقى من عناصر لم تكن لديها القدرة لمواجهة ردود الأفعال».
انفعل «النبوى» انفعالا شديدا وفقا لتأكيد علام: «بدت عليه ملامح الثورة، ولم يعد قادرا على الاستماع للمزيد، وفهمت أنه عقد هذا الاجتماع لأخذ تأييد ومباركة الحاضرين وتحميس الضباط، أو من الناحية التاريخية أخذ تأييد الجهاز، لكنه فوجئ بالرد الذى أفرغ مضمون القضية من أولها إلى آخرها، وانهى الاجتماع عند هذا الحد»، ويذكر «علام» أن النبوى طلبه لمكتبه، وفى حديثهما ظهر أنه فى ورطة شديدة، حيث يبدو أنه أقنع السادات بفكرة التحفظ وضرورتها لتثبيت النظام الذى بدأ يهتز بشدة، ويؤكد: «بدا مقتنعا بما قلته ولكن ضايقته صراحتى، وأشار إلى أنه كان يحب الكلام ملفوفا».
يذكر علام، أن النبوى سأله عن، كيف يقلل حجم الاعتقالات ويخفف حدتها؟ فأجابه ناصحا بأن يمسك العصا من المنتصف، بحصر الاعتقالات فى أقل عدد ممكن، وأن تقتصر عمليات الاعتقال على المساهمين بشكل مباشر فى الاضطرابات السياسية والأمنية، ويؤكد علام، أن النبوى أبدى كثيرا من الاقتناع، ولكنه رهن الأمر بالعرض على السادات، ويقول: «اتصلت على الفور بالزميل محمود الجوهرى وكان زميلا لنا فى أمن الدولة، وانتقل للعمل فى حرس السادات، ومقربا منه وأبلغته تخوفى من احتمالات اتساع حجم الاغتيالات السياسية بعد تنفيذ خطة الاعتقالات، وأن رئيس الجمهورية نفسه سيكون فى صدارة القائمة، وعلمت بعد ذلك أن الجوهرى أبلغ سرحان مسؤول أمن مقر السادات، واتصل بى سرحان وقال: «كلامك سيكون محل دراسة واطمئن ولا تخف، وعلمت بعد ذلك أن العدد تقلص إلى 1536 معتقلا فقط، كانوا يمثلون مختلف الأحزاب والقوى السياسية والإخوان وجماعات العنف والكتاب الصحفيين، وهى المرة الأولى فى تاريخ مصر التى يختار حكم نماذج من كل فئات الشعب ليضعهم فى السجن».