أكثر من 6 سنوات مضت على تجربة دمج الشباب بالعمل الحكومى فى محاولة لخلق أجيال جديدة من القيادات وتمكينهم من الاستفادة بأشكال وطرق مختلفة، وحملت التجربة التى بدأ تنفيذها عقب ثورة يناير أشكال وأنماط متعددة حتى وصلت للشكل الذى أعلنه اليوم الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة والذى وضع شروط وقواعد وظيفة معاون ومساعد الوزير التى أقرها قانون الخدمة المدنية فى مادته 17، إلا أن تلك الوظيفة المستحدثة ذات الهدف الاستراتيجى تحمل فى كواليسها الكثير من الأسرار والحكايات خاصة ممن خاضوها خلال التجارب السابقة.
رحلة معاون الوزير من حكومة شرف حتى شريف إسماعيل
• بدأت فكرة تمكين الشباب ودمجهم بالعمل القيادى والمسئولين بعد ثورة يناير مباشرة، وكانت أولى التجارب مع حكومة الدكتور عصام شرف ولكنها كانت عبارة عن مجلس مرافق له من مجموعة شباب أغلبهم ينتمون لميادين الثورة وكان الأداء أغلبه سياسيا يفتقد للحس الإدارى أو التنفيذى.
• التجربة الثانية خاضها الدكتور كمال الجنزورى التى قرر تعيين 6 معاونين فى حكومته من الشباب بين وزارات الشباب والصحة والزراعة والصناعة والبترول، إلا أن التجربة أيضا لم تكن ناضجة وكان الهدف منها هو إعطاء صبغة ثورية شبابية لحكومة الجنزورى.
• ثم جاءت تجربة هشام قنديل وقت حكم الإخوان، وكان الهدف منها "سياسى"، حيث سعت الجماعة من خلال إلى وضع خلاياهم داخل مفاصل الدولة والوزارات، ولم تحقق التجربة وقتها أى استفادة حقيقية لجموع الشباب.
• وعقب ثورة 30 يونيو ومع حكومة المهندس إبراهيم محلب أصدر قرار رقم 1592 لسنة 2014 بأن يختار كل وزير 4 شباب لشغل منصب معاون الوزير ووضع له 3 اختصاصات، و 10 معايير، ثم أصدر بعدها قراره رقم 138 لسنة 2015 بتعيين 4 شباب كمعاونين له فى منصبه كرئيس للوزراء وكانت تلك المرة الأولى التى يتم فيها اختيار معاونين لرئيس الوزراء.
• ويعد ما أعلنه اليوم الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة من شروط وقواعد للوظيفة التى أقرها قانون الخدمة المدنية بمثابة مرحلة جديدة للمنصب الذى يهدف لخلق جيل جديد من القيادات الشابة القادرة على تحمل المسئولية فى المستقبل.
ودعما لذلك التوجه يرصد انفراد من خلال عدد من تجارب معاونى الوزراء السابقين -التى حملت الكثير من الإيجابيات- بعض السلبيات التى يجب مراعاتها خلال المرحلة المقبلة حتى تنجح التجربة ويتحقق الهدف منها ولاتتحول إلى جزء من الروتين الحكومى.
حلم المكتب الخاص والسيارة والكمبيوتر
يبدو الأمر صادما لكنه حقيقة، فمعاون الوزير الشاب القادم إلى منصبه الجديد بأحلام وطموحات واسعة، سيصطدم بمجرد تولى منصبه أنه بلا مكتب، وتحكى الدكتورة رنا زيدان معاون وزير الصحة السابق أنها وعدد من زملائها المعاونين ظلوا يبحثون عن مكتب يباشروا فيه أعمالهم لكنهم لم يجدوا، وبعد عدة أشهر تمكنوا من الوصول إلى غرفة أرشيف وكراكيب بدور علوى أقرب إلى سطح الوزارة وقاموا بتجهيزها وتحملوا بعض نفقات التجهيز،مؤكدة أن ذلك لم يمنعها عن خدمة وطنها سواء فى وجود مكتب أو لا، مشيرة إلى انها كانت تتوقع تلك المصاعب وحاولت التحايل عليها بكل الطرق.
وحول ذات الأزمة يقول الدكتور عبد الله المغازى معاون رئيس الوزراء السابق، إنه ظل 4 أشهر بلا مكتب، ولا يستطيع أن يعقد اجتماعا مع أى شخص داخل مجلس الوزراء، وحاول حل تلك الأزمة أكثر من مرة وفشل، وفى النهاية تم توفير غرفة قديمة له ولزملائه المعاونين بلا أية تجهيزات، وعبارة عن مكتب خشبى فقط وكرسى، بلا جهاز كمبيوتر أو حتى هاتف أرضى، لكن ذلك أيضا لم يعطله ولم يستسلم لمضايقات عدد من كبار الموظفين بمجلس الوزراء – حسبما وصف- .
ويضيف المغازى، أنه كان يمارس مهامه أيضا وسفرياته دون توفير سيارة من الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وأن زملائه تمكنوا بعد ضغط شديد من الحصول على سيارة، لكنها تعطلت بهم فى أول تحرك وتركوها بالطريق واستخدموا المواصلات، فقرر استخدام سيارته الشخصية فى كل المأموريات، فيما كان حظ الدكتورة رنا زيدان أفضل حيث كانت توفر لها الوزارة سيارة عند السفر.
المكافآة والمقابل المادى لمعاون الوزير
هذه النقطة كانت أحدى الأزمات التى عالجها قرار الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة، والذى أعلن أن معاون الوزير سيحصل على 5 آلاف جنيه مكافأة شهرية، والمساعد يحصل على 10 آلاف، حيث كان فى الماضى يحصل المعاون على نفس راتبه الذى يتقاضاه فى وظيفته الأساسية وهو ماكان يحمل الشاب أعباء مادية ضخمة، بسبب الفارق بين احتياجاته من اللبس والشرب والمظهر فى منصب معاون وزير عنه فى وظيفته العادية.
النفسنة وحرب الأجيال أخطر الألغام فى طريق معاون الوزير
تحكى الدكتور رنا زيدان، أن مجرد إبداء رأيها أثناء مناقشة القضايا فى اجتماعات الوزير كان يمثل أزمة كبيرة عند كثير من القيادات الكبيرة للوزارة،مشيرة إلى أن ذلك بدء يتلاشى مع الوقت حتى اصبحوا قبل تركها المنصب يتصلون بها بأنفسهم لأخذ رأيها.
فيما يقول الدكتور عبد الله المغازى، إنه تعرض وهو رفاقه فى المنصب داخل مجلس الوزراء لحروب كثيرة، لم يكن لهم دخل بها بسبب عدم تقبل كبار الموظفين لوجودهم ، وأن تلك الروح السلبية وصلت إلى حد تعطيل موظفين بأمانة المجلس لقرارات رئيس مجلس الوزراء حتى لايمنحوا الشباب أى امتيازات أو حقوق تساعدنا على أداء مهمتنا.
وطالب المغازىن أن يكون هناك رسم واضح لاختصاصات ومهام منصب معاون الوزير مستقبلا حتى لا يواجه تلك الازمات التى تؤثر على عزيمة أى شاب يسعى لخدمة وطنه فى مواجهة موظف كبير لا يملك ثقافة تبادل الأجيال ودعم الشباب.
نهاية العقد والعودة للوظيفة الأولى "موت بالحياة"
سؤال آخر يطرحه بعض الشباب، مفاده : "أين سأذهب بعد إنهاء عقدى؟"،القانون يقول إنه يعود لوظيفته الأولى، وإنه لايمكن التجديد له إلا إذا حصل على درجة كفء أو ممتاز، وأن الوزير من حقه أن يعفيه من مهمته فى أى وقت، حتى لو حصل على أعلى تقدير.
فى هذه الزاوية، تقول الدكتورة رنا زيدان، إن من اختارها للمنصب كان الدكتور عادل العدوى وزير الصحة الأسبق، لكن رحيله هدد بقائها فى الوزارة، خاصة أن الوزير الجديد الدكتور أحمد عماد لديه رؤية مختلفة لمهمة معاون الوزير، وبالتالى لم يتم تجديد عقدى بعد نهايته، وكان من المقرر أن أعود لوظيفتى كطبيبة بالقطاع العلاجى، لكنى بعد عودتى شعرت أننى غير قادرة على الاستمرار بالوزارة، وأن الفترة التى قضيتها فى منصب معاون الوزير حملت خلالها الكثير من الخبرات والمهارات التى أريد الاستفادة منها فى مكان أخر.
وطالبت رنا زيدان، أن يكون هناك آلية لترشيح الشباب بعد إنهاء عقدهم كمعاونين للوزير لمناصب أو مهام أخرى تناسب حجم خبراتهم، وألا يعودوا لوظيفتهم الأولى، موضحة: "الشاب الذى يتولى منصب معاون وزير ينظر إليه على أنه أخذ امتيازات كبيرة وذلك يخلق ضده روحا عدائية من مديريه السابقين، وعودته لهم تجلعه فريسة لشماتتهم وانتقامهم ورغم أن ذلك لم يحدث معى، لكنه حدث مع زملاء أخرين لى فى أماكن أخرى".
وأكد على هذه الرؤية "المغازى"، مطالبا أن يكون هناك آلية لاستغلال كفاءات وخبرات هؤلاء الشباب بعد خروجهم من المنصب متابعا: "وإلا ماذا ستكون النتيجة لو لم يتم ترشحيهم لمهام أو مناصب أخرى مناسبة لخبراتهم، وكيف نعيدهم إلى وظيفتهم الأولى دون تقييمهم، أنا من خارج دولاب العمل الحكومى، ولم أتلق حتى شكر من رئيس الوزراء الذى لم يجدد لى فى المنصب، وهذا أمر محبط لأى شاب يسعى لخدمة وطنه دون أى مقابل مادى ".
4 إجراءات لازمة لنجاح تجربة الشباب فى منصب "معاون الوزير"
الروايات السابقة، تشير إلى أن هناك 4 أمور يجب أن يراعيها الوزراء والمسئولين وقيادات الجهاز المركزى للتنيظم والإدارة لتحقيق الاستفادة القصوى من تجربة منصب معاونى الوزراء، حتى لا تتحول إلى روتين حكومى، ويتم تمهيد الطريق لهؤلاء الشباب لتنفيذ رؤيتهم، وأن يمنحوا قدرا يسيرا من صلاحيات اتخاذ القرار، ويتم دعمهم لوجيستيا، و ترشيحهم لمهام ومشروعات عقب إنهاء عقدهم، حسب الكفاءة والتميز لكل واحد منهم، وألا يعودا لوظائفهم السابقة لأنهم بالتأكيد لديهم ما يؤهلهم لوظائف أكبر.