منطقة الشرق الأوسط، هى مسرح العمليات الكبرى للحروب بالوكالة، ومواجهة الإرهاب بمختلف أشكاله، لما تمثله من مطمع لدى كثير من الدول الغربية، وكذلك بعض دول المنطقة، ففى الوقت الذى تحرص فيه كل من الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وفرنسا، وروسيا، على الحفاظ على تواجدها بالمنطقة طمعًا فى ثرواتها وخيراتها، هناك دول مثل تركيا، وإيران، لها مطامع أخرى تتمثل فى السعى لسيادة الشرق الأوسط.
وفى جيل الحروب الجديدة، لا تكلف الدول نفسها عبء إرسال قواتها وآلياتها العسكرية إلى دول أخرى للدخول فى مواجهات مسلحة مباشرة، بل تلجأ إلى تمويل الجماعات المسلحة وتدريب المقاتلين داخل أراضى الدول التى تسعى للسيطرة على مقدراتها وإدارتها حتى تمكن تلك الجماعات من فرض سيادتها على الحكم والإدارة، وبذلك يتحقق هدفها فى فرض التبعية لها.
ولعل أبرز وكلاء الدول فى منطقة الشرق الأوسط، لزعزعة استقرار البلاد، وتدشين الميلشيات، هو جماعة "حزب الله" اللبنانية، التى تمثل "عراب إيران"، لمساعدتها فى قلب أنظمة الحكم، وتكوين الجماعات والميلشيات المسلحة لخوض الحروب بالوكالة عن طهران، ومواجهة خصومها، وكذلك تغيير مجريات الأمور فى الحروب الدائرة بالمنطقة، وذلك كله من أجل تحقيق هدفها الأسمى المتمثل فى تأسيس دولة ولاية الفقيه، وسيادة منطقة الشرق الأوسط.
حزب الله ذراع إيران فى مناطق النزاع بالشرق الأوسط
وفى هذا الصدد، قالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، إن حزب الله، لثلاثة عقود حافظ على تركيزه الوحيد كمجموعة عسكرية لبنانية، تحارب إسرائيل، لكن مع تغير الشرق الأوسط باندلاع نزاعات ليست على علاقة بإسرائيل تغيرت كذلك أولويات حزب الله.
وأضافت الصحيفة - فى تقرير نشرته على موقعها الإلكترونى - أن حزب الله، وسع من نطاق عملياته بسرعة بإرسال جحافل من مقاتليه إلى سوريا وعشرات المدربين العسكريين إلى العراق وبدعمه للانقلابيين فى اليمن، كما ساعد فى تنظيم مجموعة من المقاتلين المسلحين من أفغانستان الذين يمكنهم القتال فى أى مكان تقريبا.
ويظهر آخر مشاهد الدور الكبير لحزب الله، على الحدود السورية، وفى الحرب الدائرة فى الداخل السورى، فى الآونة الحالية، فى ترتيباته وتواصل مع تنظيم "داعش"، لنقل عناصر من منطقة الحدود السورية اللبنانية، إلى شرق سوريا فى دير الزور، وبذلك ينتهى أى وجود للمسلحين على الحدود، وهو ما يمثل هدفا مهما للبنان، وحزب الله، كما أنها المرة الأولى التى توافق فيها داعش علنا على الانسحاب مجبرة من أراض تسيطر عليها.
وأشارت "نيويورك تايمز"، إلى أن نتيجة ذلك أن حزب الله، لم يصبح فقط قوة فى حد ذاته، لكنه بات أحد أهم أدوات إيران - الراعى الأول له - فى سعيها الحثيث إلى السيادة بالشرق الأوسط.
وقالت الصحيفة، إن حزب الله، منخرط فى كل قتال تقريبا يهم إيران، والأهم أنه ساعد فى تجنيد وتدريب وتسليح طيف من المليشيات المسلحة الجديدة التى تخدم أيضا أجندة إيران فى المنطقة.
حزب الله أداة ربط نسيج شبكة المليشيات المسلحة الممولة من إيران
وذكرت الصحيفة، أن حزب الله، الذى تم تأسيسه بتوجيه من طهران فى 1980، كقوة مقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلى لجنوب لبنان، أصبح نموذجا لتشكيل المليشيات التى تدعمها إيران فى المنطقة، حيث تطور ليكون ذراعا للحرس الثورى الإيرانى، فأصبح النسيج الذى يربط الشبكة المتنامية من المليشيات القوية.
ولفتت إلى أن شهورا من المقابلات الصحفية مع مسئولين ومقاتلين وقادة ومحللين من 9 دول ومع أعضاء من حزب الله نفسه، سلطت الضوء على منظمة لديها قوة وامتداد جديدان لم يتم الاعتراف بهما على نطاق واسع بعد، بينما يعتمد عليهم قادة إيران بشكل متزايد للسعى وراء أهدافهم.
وقالت الصحيفة، إن إيران، وحزب الله، يجاملان بعضهما، فكلاهما قوة شيعية فى جزء من العالم أغلبيته من المسلمين السنة، وبالنسبة لإيران الفارسية فإن حزب الله، ليس فقط قوة عسكرية، لكن قادته ومقاتليه الذين يتحدثون اللغة العربية يمكنهم العمل بسهولة فى العالم العربى.
أما بالنسبة لحزب الله، فإن التحالف مع إيران يعنى المال لتسيير شبكة الخدمات الاجتماعية الموسعة فى لبنان من مدارس ومستشفيات وقوات الكشافة، فضلا عن الأسلحة والتكنولوجيا وأجور عشرات من المقاتلين فى صفوفه.
إيران تستغل حزب الله لمواجهة خصومها فى المنطقة العربية
وخلال السنوات الأخيرة، ركز معظم العالم على الإرهابيين الذين يسافرون إلى سوريا والعراق للانضمام إلى تنظيم داعش، مع انتباه أقل تجاه إيران، التى أطلقت عملياتها الخاصة من التجنيد والتدريب ونشر المقاتلين، وهى جهود جوهرها "حزب الله"، الذى تولى أدوارا أكثر بروزا فى مهام كانت موكلة مسبقا للحرس الثورى الإيرانى الذى ساعد فى تشكيل حزب الله نفسه.
وشددت الصحيفة، على أن الشبكة التى ساعد حزب الله فى بنائها، غيرت النزاعات فى الشرق الأوسط، بداية من سوريا، حيث لعب دورا كبيرا فى دعم الرئيس بشار الأسد حليف إيران، وإلى العراق، حيث يقاتلون تنظيم "داعش" ويروجون لمصالح إيران، وحتى اليمن، حيث يدعمون الانقلابيين بالعاصمة صنعاء فى مواجهة السعودية، خصم إيران فى المنطقة.
ولفتت إلى أن الكثيرين يتساءلون: ماذا سيفعل العشرات من المقاتلين المحترفين الذين نشرهم حزب الله بعد أن تهدأ الحروب فى سوريا والعراق، مشيرة إلى أن قادة حزب الله قالوا إنه يمكن نشرهم فى الحروب المستقبلية ضد إسرائيل، لكن نفوذ طهران المتنامى جعل إيران وحلفاءها هدفا لجهود عسكرية ودبلوماسية من قبل عدد من الدول التى تصنف حزب الله منظمة إرهابية.
وبالنسبة لحزب الله، فإن توسعه فى المنطقة له تكلفته أيضا، حيث تكبد خسائر ثقيلة فى الحرب المستعرة بسوريا بجانب نمو التزاماته المالية بشكل مستمر تجاه عائلات القتلى المتزايدين فى صفوفه ورعاية المصابين والعمل على استمرار الخدمات الاجتماعية فى المناطق التى يسيطر عليها فى لبنان.
وقالت الصحيفة، إن إدارة الحرب والعمليات الدولية الأخرى ترفع التكلفة على حزب الله فى وقت تستهدف فيه الولايات المتحدة آليات تمويل المجموعة بعقوبات مالية، إضافة إلى أن نجاحه فى الانخراط بحروب المنطقة جعل له المزيد من الأعداء، وكلما يكبر الحزب كلما يريدون تدميره.
وأشارت إلى أن قادة حزب الله اعترفوا بأن معظم ميزانيتهم تأتى نقدا من إيران، لكن المقيمين فى مجتمعات حزب الله بلبنان يقولون إنهم شعروا بوخزة خلال الشهور الماضية، حيث بات المال أقل فى اقتصاد الحزب بسبب تخفيض الإنفاق.