نقلا عن اليومى..
كل صورة شاهدتها أو كلمة سمعتها أيها القارئ المحترم فى مشهد وصول رئيس الدولة إلى مجلس النواب أو فى استقباله ومن استقبله والكيفية والكلمات، كلها لها مرجعية إما دستورية أو قانونية أو عرفا برلمانيا أو تداعيات أمنية.
أولا: مكان الانعقاد لهذه الجلسة هو مقر مجلس النواب فى القاهرة، مثلما نص الدستور الذى أجاز أيضا أن يكون المكان خارج القاهرة فى حالات استثنائية، فكان لزاما على الرئيس الذهاب إلى مقر المجلس، ولا توجد أى حالة ضرورة قصوى لكى تنعقد الجلسة خارج المقر.
ولكى يذهب رئيس الدولة فى مثل هذه الظروف إلى وسط مدينة القاهرة، فلابد أن تتخذ أقصى درجات الاحتياط، حتى وإن تحمل المواطنون يوما كاملا من العناء، لأن لا قدر الله، الخطأ يحملنا الكثير.
ثانيا: لابد من أن يدعو الرئيس البرلمان للاجتماع لإلقاء كلمته، وهو ما قام به الرئيس بالفعل ونشر فى الجريدة الرسمية.
ثالثا: لابد أن تخطر الأمانة العامة النواب بقرار الرئيس بدعوة المجلس للانعقاد، وأن يتلو رئيس مجلس النواب هذا القرار فى الجلسة.
رابعا: لابد أن يستقبل الرئيس من ينوب عن النواب، وهذا الأمر محسوم وفقا للانتخابات، فدائما تكون الأولوية لرئيس مجلس النواب وللوكيلين.
خامسا: جرى العرف فى جلسات افتتاح الدورات البرلمانية، على أن يأتى الرئيس وأمامه موكب كبير، وهو أمر يحدث فى دول كثيرة لإضفاء الهيبة على الحدث، وأيضا تطلق المدفعية إحدى وعشرون طلقة تحية للرئيس، وهى أيضا تقاليد وعرف يتم اتباعه منذ زمن وليس فى مصر وحدها.
سادسا: يدعو المجلس عددا من رجال الدولة والشخصيات العامة لحضور الجلسة، والمجلس وحده هو صاحب الدعوة.
سابعا: يلقى رئيس مجلس النواب كلمة يرحب فيها بالرئيس ويحدد فيها الخطوط العريضة لعمل المجلس مع مؤسسة الرئاسة.
ثامنا وأخيرا: يدعو رئيس مجلس النواب بعد انتهاء كلمته رئيس الدولة لإلقاء بيانه.
وهو ده الموضوع
كيف تقرأ كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسى التى جاءت لأول مرة بعد قرابة عامين من حكمه أمام البرلمان المنتخب؟
وأقول بعد قرابة العامين، وأنا أحمل كل من كان مسؤولا فى العملية التشريعية والتنفيذية التى أدت بنا إلى التأخر فى المدة إلى هذا الحد، أحمله المسؤولية عن هذا التأخير، وفى ذات الوقت أسمع كل من كانوا يدعون أن مصر لن تشهد وجود برلمان فى حياتها السياسية، وأؤكد لهم أن من تعهد أوفى بالعهد.
لكن كل منا كان له توقع لهذه الكلمة، والأغلبية توقعت أن يرتجل الرئيس كعادته وتخرج منه الكلمات العامية البسيطة التى تعجب الكثيرين وتخرج الإعجاب والتصفيق من النواب، وهذه ظاهرة سياسية فى العالم أجمع، حتى فى أعتى الديمقراطيات تتمثل فى عبارات داخل خطابات الزعماء أحيانا تكتب بعناية كى تؤخذ كمقولة عنه ومع الرئيس السيسى تأتى هذه الجمل بتلقائية، وتلقى إعجابا من الناس، إلا إن الرئيس استخدم اللغة العربية الفصحى، وعلى غير عادته وبعد عن استخدام اللغة العربية الدارجة أو العامية، وكثير من النواب رأى الرئيس لأول مرة على الحقيقة أثناء هذه الجلسة، فتوقعوا منه هذا النوع من الأحاديث التى اعتادوا على سماعها منه فى وسائل الإعلام فى مناسبات مختلفة.
وجرت العادة أيضا اللى توارثناها ناصر وسادات ومبارك أن يمدح أحد النواب الرئيس بصوت مرتفع وملفت للنظر زى: «إحنا بنحبك، وربنا معاك»، وكلمات من هذا القبيل كانت تصل فى بعض الأحيان إلى إلقاء الشعر، هذا إلى جانب بعض المقاطعات للرئيس أثناء كلمته، وهو الأمر الذى حدث مرتين فى أثناء كلمة الرئيس، الأولى: عندما قال أحد النواب «بنحبك ياريس»، وهنا رد الرئيس و«أنا كمان بحبكم» والثانية: عندما قال أحد النواب بصوت مسموع، سد النهضة، وهنا لم يرد الرئيس ولم تظهر على وجهه مظاهر ارتياح لهذه الكلمة.
وفى ظل حالة الهيام التام بالرئيس من قبل غالبية كبيرة من مواطنيه ومن كثير من وسائل الإعلام ستجد المهمة شاقة على من يحاول أن يتناول بشكل موضوعى هذه الكلمة، والحقيقة أن الكلمة جاءت بها الكثير من المعانى مثلا:
«أطلب من حضراتكم أن يحضر معنا بذكراه فى هذه القاعة كل من دفع حياته ثمناً، لأن نصل لهذه اللحظة التاريخية، وأدعوكم بأن نقف سوياً دقيقة حداداً على أرواح شهداء مصر جميعاً».
وهذه كلمة لا ينساها الرئيس أبدا فى أى مناسبة من المناسبات، وهذا واجب يلتزم به الرئيس.
كذلك: «إننى أعلن أمامكم ممثلى الشعب بانتقال السلطة التشريعية إلى البرلمان المنتخب بإرادة حرة بعد أن احتفظ بها رئيس السلطة التنفيذية كإجراء استثنائى فرضه علينا الظرف السياسى، وأتمنى من الله سبحانه وتعالى، أن يوفقكم إلى ما فيه الصالح لهذه الأمة العظيمة، وهذا الشعب الذى يُعلق عليكم آمالا كبيرة، وهى مرحلة مهمة جدا ورئيسية فى خارطة الطريق التى وضعها الرئيس وهو قائد للجيش، وأقرها المصريون فى استحقاقات متعددة وهى أيضا رسالة نجاح للمشرف على تنفيذ إرادة هذا الشعب.
وأضاف الرئيس أيضا: «لقد استعادت الدولة المصرية بناء مؤسساتها الدستورية فى إطار تتوازن فيه السلطات تحت مظلة الديُمقراطية التى ناضلت من أجلها الجماهير، وحصلت عليها كمكتسب لها لن تـــُـفرط فيه أبداً»، فهنا يقر الرئيس أن الجماهير ناضلت من أجل الديمقراطية ثم يؤكد أنها حصلت عليها، وهذا أمر قد يختلف مع الرئيس فيه بعض الذين يرون أن كلمة الديمقراطية وسيادة القانون لم تتحقق حتى الآن فى بلادهم بالشكل الذى يرضى طموحاتهم.
وأكمل الرئيس قائلا: إن الأوضاع الأمنية والاقتصادية والسياسية والإجتماعية التى تحدق بمصر الآن تفرض على الجميع مسؤولية تاريخية وأداءً استثنائياً تتضافر فيه الجهود وتتكامل فيه السلطات كى يبقى البنيان قائماً وشامخاً، وهذه الجملة هى ملخص الحال فى بلادنا وهى حقيقة بكل المعانى وكثيرا ما يردد الرئيس معناها فى مناسبات متعددة.
وكان للرئيس عبارة هى: «ممارسة الديمقراطية السليمة هى دون استعراض إعلامى أو تنافس سياسى لا يضع مصالح الوطن العليا نصب عينيه»، وهى رسالة للنواب أنفسهم، أعتقد أنها بسيطة فى كلماتها عميقة فى مضمونها، وأتخيل أن النواب سيردون على هذه الكلمة فى لقاءاتهم الإعلامية المقبلة، ولا أتخيل أن طلب الرئيس هذا سيتم الاستجابة له من قبل النواب، فالرئيس طامح فى هذا الأداء المخلص الوطنى البعيد عن المصالح الضيقة، لكن لا أعتقد أن طموحه سيتحقق.
وخاطب الرئيس المرأة قائلا: «نائبات مصر المحترمات.. أخاطب من خلالكُن المرأة المصرية صــــوت ضميــــر الأمــــة النابـــض بعشـــق الوطــن التى أثبتت دوماً أنها صمام أمان مصر وشعبها»، وهذه المخاطبة التى يحرص عليها الرئيس تضمن له دائما استمرار شعبيته الجارفة لدى المرأة المصرية التى يقدرها الرئيس شكلا ومضمونا التى تقف إلى جواره دائما.
وخاطب الرئيس الشباب قائلا: «شباب مصر المتحمس.. إن سعادتى لا توصف بأن أرى هذا التمثيل الكبير لكم فى البرلمان أرى فيكم الأمل والمستقبل، وثقتى فيكم بلا حدود، وتلك الثقة هى التى تدفعنى لليقين بأنكم ستكونُون نواة حقيقية ومحترمة لحياة سياسية متجددة قائمة على الثوابت الوطنية يدفعها حماسكم للأمــام»، وهى الكلمة أيضا التى يرى البعض أنها حقيقة لأن التمثيل الشبابى فى البرلمان ملفت للنظر فى حين يراها البعض الآخر أنها ليست كافية لاحتواء البعض من الشباب الغاضب. وتحدث الرئيس عن علاقات مصر الخارجية، وهو الملف الذى أعتقد أنه من أنجح ملفات الرئاسة المصرية الجديدة، رغم صعوبة المشهد الإقليمى والعربى والدولى.
وعن حال الشعب المصرى قال الرئيس: «ونحن نتحول من مرحلة الانتقال إلى مرحلة الانطلاق، فإننا نسعى إلى تحقيق ارتفاع فى معدلات النمو الاقتصادى فى زمن قياسى، وهو أمر يتطلب جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية لإقامة أكبر قدر ممكن من المشروعات الصناعية والزراعية والخدمية تحقق ارتفاعاً ملحوظاً فى إجمالى الناتج القومى وترفع معدلات التشغيل والتصدير، بما ينعكس إيجابياً على موارد الدولة، وهى عبارات موجزة ليس بها أى تفاصيل لكنها تحدد باختصار، لم أجده فى محله، السياسية التى تقوم بها الدولة من اليوم الأول لحكم الرئيس السيسى.
لكن أعجبتنى كلمة أننا نتحول من مرحلة الانتقال إلى مرحلة الانطلاق، أما كيفية الانطلاق فأعتقد أنها كانت تحتاج لمزيد من الشرح، وهنا قد يقول البعض: إن هذه الكلمة بروتوكولية، وأن رئيس الوزراء هو الذى سيلقى بيان الحكومة أمام البرلمان، وأنا أختلف تماما مع هذا الرأى، فالشعب ونوابه يريدون الاستماع من السيسى، وهنا قصدت أن أستعمل اسم السيسى، وليس رئيس الدولة، لأن الناس تعرف السيسى وتتعلق به وتأمل فيه، ويمثل شخصه الآن فى وجدان المصريين مكانة كبيرة إلى جانب منصبه، فكنت أرى أن يعطى الرئيس التفاصيل اللازمة للعبارت الموجزة التى استخدمها فيما أطلق عليه مرحلة الانطلاق، واكتفى الرئيس هنا بالحديث عن المشاريع التى تم إنجازها فى العامين الماضيين.
ثم تناول الرئيس اهتمامه بالبسطاء وما تم من إنجاز فى علاج فيرس سى، وأيضا ما تم من إجراءات تجاه الشباب التى وصفها أنها إنجازات غير مسبوقة.
واختتم قائلا: «هذه مصر نادتنا فلبينا وها هى تناديكم فلبوا النداء وتعالوا نبنى سوياً مجتمع العمل والأمـل.. مجتمع تجمعه المساحات المشتركة ولا تفرق أبناءه الصغائر والمصالح الضيقة».
كلمة الرئيس كتبت بعناية وكانت كما يجب أن تكون فى مثل هذه المناسبات من وجهة النظر المؤسسية، لكن من وجهة النظر الشعبية، لدى البعض، كانت التوقعات أكبر من ذلك بكثير.
ويبقى السؤال: كيف ستكون الآليات والخطوات للتحول من مرحلة الانتقال إلى مرحلة الانطلاق؟
وإذا كان الشعب سيرى الإجابة، فأقول إنه من المهم جدا أن يسمعها حتى يشعر أن هناك عملا يتطلب تضحية يطالب دائما بالمشاركة فيها.