بعد سلسلة من التحركات الدبلوماسية البناءة، وحملة متزنة قادتها وسائل الإعلام والنخبة الإيطالية ورؤساء الأحزاب وأعضاء البرلمان الإيطالى، وصل مساء اليوم السفير الإيطالى لدى القاهرة جيامباولو كانتينى، لتسلم مهام عمله بعد اتخاذ روما قراراً بعودته منتصف أغسطس الماضى.
ويأتى ذلك فى الوقت الذى يستعد فيه السفير هشام بدر، للسفر إلى روما تسلم مهام عمله سفيراً مصرياً لدى إيطاليا خلال ساعات بحسب ما أكدته مصادر دبلوماسية لـ"انفراد" وذلك بعد سلسلة من الاضطرابات شهدتها العلاقات بين البلدين فى أعقاب مقتل الباحث الإيطالى الشاب جوليو ريجينى.
قرار عودة العلاقات الكاملة بين القاهرة وروما واكبته سلسلة من الإشادات فى وسائل الإعلام الإيطالية التى أكدت أن ما يجمع إيطاليا ومصر من علاقات اقتصادية وتجارية بخلاف الملف الليبى يظل أكبر بكثير من قضية مقتل الشاب الإيطالى، التى تم على إثرها سحب السفير قبل أكثر من عام.
وبعد حملة كبرى شنتها الصحافة الإيطالية على مدار ما يقرب من ستة أشهر لعودة العلاقات والتى تزامنت مع مطالب مماثلة أطلقتها دوائر النخب ورؤساء الأحزاب وأعضاء مجلس الشيوخ الإيطالى، استقبلت صحافة روما قرار عودة السفير والذى تم اتخاذه 14 أغسطس الماضى، بترحاب لافت، حيث قالت صحيفة "لاريبوبليكا" فى تقرير على موقعها أن قرار إعادة كانتينى جاء بعد تأكد روما من مصداقية مصر فى تحقيقاتها وتعاونها مع السلطات الإيطالية فى قضية مقتل الشاب الإيطالى جوليو ريجينى.
ووصفت القرار بأنه "خطوة للأمام" فى قضية ريجينى والعلاقات بين البلدين، مشيرة إلى أن مكان سفير روما فى القاهرة فارغ منذ أبريل 2016، وذلك بسبب قضية مقتل ريجينى، إلا أن العلاقات بين مصر وإيطاليا تطورت بشكل جيد فى الفترة الأخيرة، خاصة فى التعاون فى هذه القضية، فالسلطات المصرية أثبتت لإيطاليا تعاونها للوصول لحقيقة مقتل الطالب الإيطالى.
من جانبه، قال عضو الحزب الديمقراطى الإيطالى، بيارو فاسينو، بحسب تصريحات نشرتها وسائل إعلام إيطالية، أن "عودة السفير الإيطالى إلى القاهرة ستمكن السلطات الإيطالية من متابعة تطور التحقيقات مباشرة ويوميا"، مضيفا أن وجود السفير كانتنى سيساهم فى حل العديد من القضايا الهامة التى تجمع بين الطرفين.
أما قناة "تى بى أى"، فقالت فى تقرير سابق لها إن مصر تحمى أوروبا، وذلك لأنها تلعب دورا فعالا فى حماية الأمن الأوروبى فى مجال الهجرة الغير شرعية ومكافحة الإرهاب، مؤكدة أن العلاقات بين القاهرة وروما حتمية بحكم الملفات التى تجمعهما.
وأشارت القناة الإيطالية إلى أن زيارة السناتور نيكولا لاتورى إلى القاهرة ولقاءه بالسلطات، كان لها تأثير قوى على الحكومة وفتحت الباب أمام قرار إعادة السفير الإيطالى إلى مصر فى أقرب وقت، وعودة العلاقات المصرية الإيطالية بعد أن تأثرت بقضية ريجينى فى مصر.
وترى القناة أن مصر لها أهمية كبرى بالنسبة لإيطاليا، ولذلك فإن قرار إعادة السفير "صائب" حيث لم يكن هناك داعٍ لتأجيل عودته أكثر من ذلك، خاصة أن هناك العديد من القضايا المشتركة من الإرهاب والهجرة غير الشرعية والتى تحتاج إلى وجود دبلوماسى يراعى الشئون الإيطالية فى البلاد، كما أنه لابد من تنشيط العلاقات السياسية بين الدولتين وتطور العلاقات بينهما.
كان وزير خارجية إيطاليا أنجيلينو ألفانو، قال فى أعقاب قرار عودة السفير أن "إرسال السفير كانتينى للقاهرة جاء ليكون محاورا موثوقا للاتصالات مع السلطات المصرية، وتعزيز التعاون القضائى، وبالتالى البحث عن حقيقة مقتل الطالب الإيطالى، بالإضافة إلى رعاية المصالح الوطنية فى مصر ومجتمعنا فى هذا البلد".
ويؤكد مراقبون أن زيارة البابا فرانسيس التى جرت قبل عدة أشهر، والتى واكبتها حملات واسعة فى الصحافة الإيطالية أشادت بمستوى التأمين داخل مصر، كانت بمثابة نقطة تحول فى دوائر روما الرسمية وشبه الرسمية تجاه مصر، وفتحت الباب بقوة أمام قرار عودة السفير الإيطالى لاستئناف مهام عمله، حيث دعا الدبلوماسى الإيطالى أنطونيو زاناردى لاندى مستشار دبلوماسى سابق للرئيس الإيطالى، ورئيس منظمة "أنترسوس"، رئيس الوزراء الإيطالى باولو جينتيلونى، إلى إعادة كانتينى فى أسرع وقت ممكن، نظرا لخلو المنصب منذ أكثر من عام منذ حادث الطالب ريجينى، مضيفا: "ليس من المنطقى أن يجرى البلدان حوارا عبر وسائل الإعلام، مشيرا إلى أن مصر تعد لاعبا رئيسيا فى عمليات إعمار دول منطقة المتوسط".
وقال زاناردى لاندى: "إننا نحتاج إلى مصر مثلما تحتاج مصر لنا"، وتابع: "جميع الذين يؤججون القضية، يرون الموضوع بالكثير من التعاطف، ولكن حينما ينظر إلى الأمر بواقعية فأن عودة السفير الإيطالى فى القاهرة تشجع البحث عن الحقيقة، كما أنه يسمح بإدارة مجموعة من الملفات المعقدة (الهجرة، ليبيا، الإرهاب) فى ذروة علاقات دبلوماسية طبيعية وسيساعد على انتعاش التبادلات التجارية والاقتصادية، مضيفا "أما بالنسبة لوضع ليبيا فأن إيطاليا تحتاج دائما إلى مصر، وإعادة السفير الإيطالى لمصر سيسهل أمور كثيرة على الطرفين وينهى أى أزمات أو خلافات موجودة".