يسير الجسد العراقى ممزقًا ينادى العالم العربى الذى يغط فى نوم عميق منشغل بأزماته، وأصبحت بلدانه أسيرة للأزمات السياسية، وبينما تقسّم بلادهم أمام أعينهم واحدة تلو الأخرى، يتجه اقليم كردستان العراقى لعقد استفتاء للانفصال عن العراق، بعد أن منحه البرلمان الكردى فى الأقليم الضوء الأخضر، إيذانًا بإعلان دولة كردستان الكبرى المزعومة وفصلها عن هذا البلد فى 25 سبتمبر الجارى، وذلك رغم معارضة البرلمان العراقى نفسه، إلا أن زعيم الإقليم مسعود بارزانى المحرك والمؤيد القوى للاستفتاء لا يأبه بالنتائج الكارثية التى ستحل على العراق جراء الانفصال حسب تحذيرات المراقبين.
وبعد ساعات من تأييده فى البرلمان الكردى، رفضت هيئة علماء المسلمين فى العراق، مساعى الأكراد إلى الانفصال، ودعت إلى حوار لحل كافة القضايا بما يضمن التمسك بوحدة العراق أرضًا وشعبًا، ورفض تقسيمه، مهما كانت الذرائع، وقالت الهيئة، التى يترأسها الحارث الضارى، فى بيان لها، إن عملية الجذب والشد فى موضوع الاستفتاء فى الإقليم دليل على المأزق الذى تمر به العملية السياسية، وفشل دعاة التوافق الوطنى والسياسى.
وفى ظل الوتيرة السريعة التى يسير نحوها الإقليم العراقى للانفصال، لم ينجح التحالف القائم بين تركيا وإيران لمنع الاستفتاء الذى سيحمل تداعيات مدمرة أيضًا على بلادهم، ففى إيران يوجد نحو 10% من السكان أكراد بحسب احصائيات غير رسمية، ويراودهم طموح الانفصال قبل الثورة الإيرانية، نتيجة لسياسات النظام ضدهم وحرمانهم من التعلم بلغتهم الأم، وفى تركيا يمثل الأكراد حوالى 15 إلى 20% من السكان، وعاشوا صراعًا متأصلًا مع الدولة التركية، ويشكل هذا الاستفتاء لدى البلدين خطر تحريك النزعة الانفصالية لدى أكراد إيران وتركيا، كما أنه قد يشجع أكراد سوريا على إقامة كيان على الحدود السورية التركية.
وعلق الخبير الإيرانى دكتور عبد الله مرادى خبير الشئون الإيرانية والشرق الأوسط على أن إيران وتركيا لديهما أدوات ضغط على إقليم كردستان العراق لمنع استفتاء تقسيم العراق المقرر 25 سبتمبر الجارى واستقلال إقليم كردستان عن هذا البلد، مشيرًا إلى أن رئيس الإقليم يناور بالاستفتاء لانتزاع امتيازات من بغداد.
وقال مرادى فى تصريحات لـ"انفراد"، إن طرح موضوع الاستقلال فى برلمان الإقليم والبرلمان العراقى يعد ذروة التنافس السياسي بين الطرفين، من ناحية فالبرلمان الكردى كان معطلًا بسبب خلافات الأحزاب احتجاجا على استمرار رئاسة بارزانى، وأن إعادة فتح البرلمان صاحبه إعلان الاستقلال، وأظهر أيضا اختلافات الأحزاب الإسلامية مع بارزانى.
واعتبر المحلل الإيرانى، أن الاستفتاء المقبل يخطو خطوة كبرى نحو الاستقلال، لكنه لن ينتج عنه استقلال حقيقى، لذا إعلان دعم البرلمان وحتى إجراء الاستفتاء كل ذلك تنافس سياسى، لن ينتج عنه بالضرورة استقلال الإقليم.
واعتبر أن كل ذلك سيرفع من كروت اللعبة السياسية لدى بارزانى من أجل التشاور مع بغداد، معتبرًا أنه قادر على استغلال الاستفتاء من أجل انتزاع امتيازات أكبر ثم يؤجل الاستفتاء الحقيقى لسنوات أو عقود أخرى قادمة.
وحول التحالف الذى يضم كلا من إيران وتركيا لمنع الاستفتاء، أوضح أن طهران وأنقرة لديهما مخاوف ورؤى متشابهة منذ القدم تجاه المسألة الكردية، ورأى أن التحالف بين البلدين الآن لمنع الاستفتاء ليس جديدًا، مشيرًا إلى أن لديه جذور تاريخية.
وتابع مرادى، أن مخاوف تركيا تعد أكثر عمقًا، والتهديد الناتج عن أنشطة حزب العمال الكردستانى لتركيا أكبر، كما أن أنقرة تشعر أيضًا بتهديدات من جهة أكراد الاتحاد الديمقراطى فى الشمال السورى، مضيفًا: "خلافا لتركيا التى تعامل الأكراد كالأجانب ومواطنين من الدرجة الثانية، فإن إيران تعتبر الأكرد إحدى القوميات الإيرانية الأصيلة"، على حد تعبيره.
واعتبر أن ما يمثل أهمية لتركيا، هو حدوث اندماح المناطق الكردية العراقية والسورية، وما يبتع ذلك من أضرار أمنية فى عمق الأراضى التركية، معتبرًا أن مخاوف إيران من الاستفتاء، تكمن كون أن تقسيم العراق يعد جزءا من الاستراتيجية العامة للولايات المتحدة لخلق اضطرابات واسعة فى المنطقة تؤثر على كافة اللاعبين الإقليميين.
أما عن الأدوات التى قد تستخدمها البلدين لمنع الاستفتاء، قال الخبير الإيرانى، أن تركيا تستخدم أدوات التهديد العسكرية والسياسية ضد إقليم كردستان، كما أنها تمتلك إمكانيات أخرى لخلق ضغوط اقتصادية على هذا الأقليم.
وتابع أن إيران أيضًا فى هذا المجال لديها إمكانية جيوسياسية مع جوارها العراقى فهى قادرة على لعب دور الوسيط بين بغداد وأربيل، لافتًا إلى أن إيران تتمتع أيضا منذ القدم بعلاقات مع كافة الأحزاب الكردية وبخاصة الاتحاد الوطنى، كما أنها أنقذت أربيل ورئيس إقليم كردستان العراق، مسعود بارزانى من تهديد داعش، ومن ناحية أخرى تمتلك إيران علاقات جيدة بالأحزاب الشيعية والسنية فى بغداد، لذا فان أحد تلك الأدوات التى تمتلكها إيران هى الوساطة وإمكانيات طهران لتسوية سلمية للأزمة.