قال سفير اليابان فى مصر، تاكهيرو كاجاوا، أن زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى لليابان، نهاية فبراير الجارى، تعمل على تعزى العلاقات بين البلدين، مشيرا إلى أنها تحظى بأهمة خاصة كأول زيارة للرئيس السيسى والأولى لرئيس مصرى منذ 15 عاما.
وأشار السفير اليابانى فى كلمته بالجلسة الافتتاحية للحوار الأكاديمى العربى اليابانى: نحو تعزيز الاستقرار فى الشرق الأوسط، الذى يعقد فى القاهرة، الأربعاء، لأول مرة برعاية مصر واليابان، إلى أن الزيارة السيسى ستمتد فى الفترة من 28 فبراير حتى الثانى من مارس المقبل.
وأوضح أن الرئيس السيسى يركز فى زيارته على تعزيز التعاون الاقتصادى والدفاعى بين مصر واليابان، فضلا عن نموذج التعليم اليابانى، القائم على "الأخلاق، الذى أبدى اهتماما بالغا به. كما يركز الرئيس على نموذج التنمية فى اليابان ونقل الخبرات فى هذا الصدد وخاصة تدريب الشباب.
شارك فى اللقاء عدد من الدبلوماسيين المصريين واليابانيين، فضلا عن الشخصيات السياسية البارزة، ومن بينهم دكتور عبد المنعم سعيد، مدير المرك الإقليمى للدراسات الإستراتيجية والسفير هشام الزميتى، عضو مجلس إدارة المجلس المصرى للشئون الخارجية، والسفير يوشيجى نوماجى، رئيس معهد اليابان للشئون الدولية.
مجلس الأمن
ومن جانب آخر أكد البروفيسور ريوجى تاتياما، الأستاذ بالأكاديمية الوطنية اليابانية للدفاع، على التعاون الوثيق بين مصر واليابان داخل مجلس الأمن الدولى، بصفتهما أعضاء جدد، مشيرا إلى أن التعاون بين ممثلى البلدين يتعلق بالأزمة فى سوريا وليبيا، فضلا عن قضية نزع السلام، حيث تؤمن اليابان بعالم خالى من أسلحة الدمار.
وتقوم مصر بجهودا واسعة بشان تأسيس منطقة خالية من الأسلحة النووية. وخلال جدل حول مستقبل معاهدة حظر الانتشار النووى، العام الماضى، أظهرت مصر نجاحا فى الضغط على الدول الأعضاء بالأمم المتحدة لدعم إقامة مؤتمر شرق أوسط خالى من الأسلحة النووية. لكن تدخل الرئيس الأمريكى باراك أوباما ونجح فى عرقلة مبادرة القاهرة.
وفى مواجهة الجهود المصرية ضغطت إسرائيل بقوة على وزارة الخارجية الأمريكية، وقتها، لمعارضة مشروع القرار المصرى الذى يهدف للإعداد لمؤتمر نزع السلاح.
وتحدث تاتياما عن الأزمات الإنسانية فى الشرق الأوسط جراء الفوضى التى أعقبت الانتفاضات العربية، مركزا على سوريا. وأشار أن إجمالى من هم فى مساعدات إنسانية داخل المنطقة يبلغ عددهم 58.5 مليون شخص، بينهم 13.5 مليون سورى و21.2 مليون يمنى أى حوالى 82% من الشعب اليمنى.
وقال إن أزمة بعض بلدان المنطقة ناجمة عن فراغ سلطة على مستوى الدولة ومستوى إقليمى ودولى. فمنذ الربيع العربى أصبح أنظمة الدول هشة وفقدت قدرتها على الحكم، وملئت التنظيمات الإرهابية هذا الفراغ مثل تنظيم داعش فى العراق، فيما أن عدم الاستقرار السياسى خلق فراغ على مستوى اقليمى وأصبح هناك مزيدا من الفوضى. وأشار إلى أن إيران استفادت أيضا من هذا الفراغ فى السلطة وقامت بتوسيع وجودها فى العراق وسوريا واليمن وقبلهم لبنان.
إنسحاب أمريكى
وفيما يتعلق بفراغ القوى على المستوى الدولى، فإن البروفسور اليابانى، أشار إلى انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، قائلا إن الوجود العسكرى الأمريكى تم تقليصه تدريجيا على مدى السنوات العشر الماضية مما ترك أثره على حلفاء الولايات المتحدة فى المنطقة وبدت إدارة الرئيس باراك أوباما غير فعالة
وقال إن التدخل العسكرى الروسى فى سوريا يمثل أهمية خاصة للكرملين، لأنه الرئيس بشار الأسد حليفا قويا لفلاديمير بوتين، فضلا عن أهمية ميناء طرطوس إستراتيجيا لموسكو. وأضاف أن التدخل يهدف لإرسال رسالة للأطراف الإقليمية مفادها أن موسكو لن تترك حلفائها وهذا خلافا لتصرف الولايات المتحدة عقب موجة الانتفاضات العربية.
وتابع أن هذا التدخل يستهدف ايضا توسيع دور روسيا فى الشرق الأوسط وإظهار بوتين باعتباره قائد قوى، على الرغم من التكلفة مثل إثارة التوترات مع تركيا وتقويض علاقته ببعض الدول العربية. ولفت إلى أن الأسد، من خلال دعم بوتين له، استطاع استعادة بعض المناطق التى تستولى عليها جماعات التمرد.
وحذر تاتياما من الوضع الانسانى فى سوريا، مشددا أن على المجتمع الدولى أن يزيد جهوده لتعليم الأطفال اللاجئين والنازحين، إذ أنه طبقا للمفوضية الأممية لشئون اللاجئين فإن 50% من أطفال سوريا اللاجئين فى لبنان وتركيا لم يستطيعوا الإنتظام فى فصول دراسية. وأشار إلى أن كثير من اللاجئين أصبحوا أجيال ضائعة مما يؤثر على المنطقة بأسرها.
وتحدث عن المناطق المحاصرة فى سوريا حيث تقوم حكومة الأسد بإعادة توصيل المساعدات الدولية مثل الغذاء والخدمات الأساسية إلى المناطق التى تسيطر عليها المعارضة قدر المستطاع، لذا تلجأ الأمم المتحدة للتنسيق مع الأسد.
اللوبى
قال الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية عمرو موسى إنه يجب منح البرلمان الحالى الفرصة الكاملة لصياغة فكر عام وتحقيق الديمقراطية، مشيرا إلى الحاجة لتطبيق نموذج الكونجرس الأمريكى القائم الإقناع والضغط "Lobby".
وأوضح خلال كلمته فى الجلسة الإفتتاحية، أن البرلمان هو أساس الإنطلاق نحو الديمقراطية ولم يعد يمكن توجيهه، كما يتصور البعض، بل ينبغى أن يقوم على الضغط والإقناع حيث هناك مجال للتأثير على الساسة والنواب لصالح موقف أو قضية معينة من خلال الإقناع مما يتيح حركة نشطة للأفكار.
سوء الإدارة
وقال موسى فى كلمته إن الشرق الأوسط يمر بمرحلة تغيير عميقة ويمكن وصفها بالفوضى بسبب نتائج سلبية كثيرة، ومع ذلك فإن هناك حقائق ضرورة أن يعييها العالم وهو أن ما يحدث فى المنطقة من إضطرابات منذ عام 2011 حتى الآن يعود بالأساس إلى عقود طويلة من سوء إدارة الحكم فى البلاد العربية. والتأثير التراكمى لسوء إدارة الحكم أدى للإنفجار والتصميم على التغيير بأى ثمن.
وأوضح أنه عندما يتحدث عن سوء الإدارة فإنه لا يتحدث عن مركز الرئيس لكن النظر إلى ما وصل إليه التعليم من إنهيار وقطاع الصحة من تدهور، فضلا عن البيروقراطية والمرور والطرق وملفات الزراعة والصناعة حيث عانت مصر من خلل كبير بسبب ممارسات سوء إدارة الحكم.
وأشار إلى أن سوء إدارة الحكم فى مصر يعود إلى السنوات الأخيرة من عهد الملك فاروق مرورا بجميع الرؤساء السابقين. وأضاف أنه حديث إلتباس فى الأولويات فى مصر وغيرها من الدول العربية وتم تقديس شخص بعينه وهذا كان واضحا فى الكثير من عقود القرن الماضى، حتى تعريف النجاح نفسه أصبح مختل.
وتابع موسى، الذى ألقى الكلمة الرئيسية خلال الجلسة، أن منطقة الشرق الأوسط تخضع لعملية تغيير جذرى وتمر بعصر جديد يعنى ثقافة ومزاج مختلف لا يمكن معه إستخدام أدوات العصر السابق. مشددا أن القرن الـ21 لا يمكن تطبيق أدوات وفكر القرن الماضى.
وتنبأ موسى بأن التغيير الإيجابى، الذى أحد أسسه الديمقراطية، سوف يتحقق فى العالم العربى فى غضون سنوات قليلة، مشيرا إلى أن إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسى نقل السلطة التشريعية لهيئة منتخبة تمثل رسالة هامة وإيجابية.
ويرى موسى الحاجة الملحة لتأسيس نظام إقليمى جديد، قائم على الإتصال الفعال بين بلدان المنطقة لتشكيل فكر ينطلق نحو المستقبل، فضلا عن الأمن والإصلاح.
لا إهتمام بحل أزمة سوريا
وأشار الامين العام الأسبق والذى تقلد أيضا منصب وزير الخارجية فى عهد مبارك، إلى أن الأزمة فى سوريا تشبه كثيرا القضية الفلسطينة، فالأطراف الدولية تقوم بإدارة الصراع وتهدف لتحجيمه مع عدم الاهتمام بحله.
وفى ختام كلمته أكد موسى ن اليابان إحدى الدول العظمى فى النظام العالمى ومثال على النجاح والتقدم الإقتصادى والتكنولوجى، ولابد لمنطقة المحيط الهادى أن تخشى منها لأنها قادرة على التأثير والتعامل مع التحديات الجديدة فى آسيا. لذا فإننا بحاجة إلى دراسة هذا المثال ونموذج التنمية لديها والتعرف على ما لديها من إمكانيات لمساعدة الشرق الأوسط، مشيرا إلى أن زيارة الرئيس السيسى لليابان، نهاية الشهر الجارى، تحمل أولوية الإستفادة من نموذج التنمية هناك.
ولفت إلى أن الحوار الأكاديمى العربى اليابانى يتماشى مع طبيعة السياسة اليابانية الحذرة، فهو ليس حوار سياسى، لكن عقد مثل هذه النقاشات يفتح الباب للتعرف على مدى وأبعاد السياسة اليابانية تجاه الشرق الأوسط.